معركة أوكيناوا الجديدة
> على جدار متحف Sakima للفنون في هذه المدينة الصاخبة، هناك عمل فني يدعى معركة أوكيناوا. ويصور هذا العمل معاناة المدنيين المحليين خلال الغزو الأمريكي على أوكيناوا عام 1945، غالبا على أيدي الجنود اليابانيين القتلة. وعلى سطح المتحف، هناك عمل أكثر مكرا - ولكنه فاعل بالقدر نفسه - يصور الجدل بعد الحرب، ولكنه هذه المرة موجه ضد الأمريكيين. وهناك منصة تطل على قاعدة Futenma Marine Corps Air Station، وتمتد حتى البحر على مساحة أكبر من سنترال بارك في نيويورك. وفي غضون بضع دقائق، شهد كاتب المقال إقلاع طائرة نقل، وتحليق ثلاث طائرات مقاتلة، وطائرة عمودية عسكرية. وربما تكون حاملة الطائرة أقل ضجيجا.
وقد استولى الجيش الأمريكي على القاعدة عام 1945، إلا أن مدينة Ginowan نمت كثيرا منذ ذلك الحين لتحيط تلك القاعدة بالمكاتب والمنازل والمباني الحكومية. إن مدينة Ginowan مدينة صغيرة يبلغ عدد سكانها 92 ألف نسمة، ومع ذلك، تخيل كيف سيكون شعور النيويوركيين الذين يعيشون حول سنترال بارك إذا كانت قاعدة جوية تعج بالقوات البحرية لدولة ما كانت تستعمرهم في السابق. ويفسر هذا قليلا السبب في أنه كان يجب منذ زمن طويل نقل قاعدة Futenma، بغض النظر عن مدى إسهامها في الحفاظ على السلام في شرق آسيا.
وتتفق أمريكا واليابان على هذا. وقد امتدت المفاوضات لإيجاد بديل منذ عام 1996، في العام الذي تلا قيام جنود من القوات البحرية الأمريكية باغتصاب فتاة من أوكيناوا تبلغ من العمر 12 عاما بصورة جماعية. ولكن منذ أن تولى الحزب الديمقراطي الياباني السلطة في أيلول (سبتمبر) الماضي، فتحت هذه المسألة جرحا عميقا في العلاقات بين الدولتين. ولا يزال هذا الجرح ينفث سمومه. ففي 12 من كانون الثاني (يناير)، اتفق Katsuya Okada، وزير الخارجية الياباني، وهيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية، على عدم السماح لهذا النزاع بمنعهم من مناقشة طرق أخرى لتعزيز تحالفهما العسكري. إلا أن كلينتون استمرت بالضغط كي يتم نقل قاعدة Futenma في أوكيناوا.
ويمكن جزئيا توقع هذا الاحتكاك. فحين كان في المعارضة، اعترض الحزب الديمقراطي الياباني مرارا على اتفاقية نقل جزء من المحطة الجوية، بما في ذلك مدرجات الهبوط، إلى خليج صغير في شمال شرق أوكيناوا، مقابل انسحاب ثمانية آلاف من قوات البحرية الأمريكية وعائلاتهم إلى منطقة أمريكية في Guam. ووعد Yukio Hatoyama، رئيس الوزراء الجديد، شخصيا سكان أوكيناوا خلال حملته الانتخابية بأن يتم نقل Futenma خارج الجزيرة.
وسرعان ما أدى هذا الوعد إلى خلاف بين حكومته وإدارة أوباما. ومن ضمن أول جهودها الدبلوماسية في شباط (فبراير) الماضي، وقعت كلينتون اتفاقية ستسهم بموجبها اليابان بمبلغ ستة مليارات دولار لنقل Futenma. والموقع الآخر على الاتفاقية هو حكومة الحزب الديمقراطي الليبرالي السابقة، التي كان محتما عليها المعاناة من هزيمة انتخابية في آب (أغسطس). إلا أن الاتفاق هو اتفاق، كما أصرت إدارة أوباما على الحزب الديمقراطي الياباني. ويعتقد بعض المحللين أن هذا قد يكون تقييما متسلطا بصورة مفرطة. فحتى تحت رئاسة الحزب الديمقراطي الليبرالي، الذي كان في معظم سنواته في السلطة البالغة 53 عاما حليفا مطواعا لأمريكا، كانت مسألة نقل Futenma مصدرا للاحتكاك في كثير من الأحيان.
وفي الواقع، لم تكن العلاقات مع الحزب الديمقراطي الليبرالي سلسة دائما على مدى العقود السابقة. وقد بدأت بداية جيدة. وتبين أن معاهدة التعاون المتبادل والأمن عام 1960 بوليصة تأمين ناجحة للغاية. ودفع اليابانيون أقساط التأمين عن طريق تقديم قواعد للجنود الأمريكيين والمال. ووعد الأمريكيون بالردع الأمريكي النووي وغير النووي، مما ساعد على ضمان السلام في المنطقة، وفي الوقت نفسه كان بمثابة رادع ضد إعادة عسكرة اليابان.
ولكن بعد الحرب الباردة، كان يبدو أن العلاقات تسير على غير هدى. وحين تعهد جونيشيرو كويزمي، رئيس الوزراء في الأعوام 2001/06، بتقديم دعم قوي ''للحرب على الإرهاب'' بعد أحداث 11 من أيلول (سبتمبر) 2001، كانت أمريكا تأمل أن تضطلع اليابان بدور أمني عالمي يتناسب مع قوتها الاقتصادية. ولكنها لم تفعل ذلك. ووفقا لدراسة جديدة أجراهاMichael Finnegan من المكتب الوطني للبحوث الآسيوية، وهو مكتب فكري في سياتل، لم تعد أمريكا واليابان متفقتين فيما يتعلق ''بما يشكل تهديدا لمصالحهما المشتركة''. ولا تزال الدولتان تشيران إلى التحالف باعتباره حجر الزاوية في سياساتهما الأمنية، ولكنه حجر هش، كما يقول Finnegan.
ويقول المدافعون عن التحالف إن فائدته تتعدى الحفاظ على السلام، فقد مكّن اليابان من الحفاظ على انخفاض إنفاقها العسكري، واجتذاب المكانة العالمية بطرق أخرى، خاصة الاقتصادية. ومع ذلك، يشعر البعض في اليابان بأن الدولة أخضعت نفسها لأمريكا، وأثار هذا غضب القوميين. وفي واشنطن العاصمة، يتهم النقاد اليابان باستغلال الضمانات الأمنية الأمريكية.
وفي ظل هذه الخلفية، أثارت إعادة نظر الحكومة الجديدة لاتفاقية Futenma الاستياء في واشنطن. وما زاد الشعور بأن العلاقات تسير على غير هدى قرار طوكيو بإنهاء بعثة إعادة التزويد بالوقود في البحر، التي استمرت ثماني سنوات، للجنود الذين يقاتلون في أفغانستان هذا الشهر. ووعدت أيضا بالتحقيق في الاتفاقات السرية في الستينيات والسبعينيات التي مكّنت السفن الحربية الأمريكية المسلحة نوويا من دخول اليابان.
والأهم من ذلك أنه منذ أن تولى الحزب الديمقراطي الياباني السلطة، لم يكن واضحا بشأن الكيفية التي سيؤثر بها هدفه المتمثل في تحقيق توازن جزئي بين علاقات اليابان مع أمريكا بعلاقاتها الأوثق مع الصين على التحالف الأمريكي. وقد تكون الذكرى السنوية الـ 50 لمعاهدة الأمن فرصة جيدة لتحديث الاتفاق كي يعكس ارتقاء الصين. إلا أن المحللين الأمنيين يقولون إن الخلاف بشأن Futenma يهدد الثقة المتبادلة اللازمة لمثل هذه المسؤولية.
وقت تصفية الحساب
وما يزيد الأمور سوءا أن معظم سكان أوكيناوا يبدون مصممين على أن يفي Hatoyama بوعده المتعلق بنقل القاعدة تماما. وكما توحي اللوحة في معرض Sakima، فإن أوكيناوا تغذي ضغينة تاريخية ضد الدولة الأم، أثارتها مذبحة الحرب العالمية الثانية. ويشعر كثير من السكان المحليين بأن طوكيو استعانت منذ زمن طويل بقواعد أمريكية وأدخلتها إلى الجزيرة - تؤوي 60 في المائة من القوات الأمريكية وعائلاتهم في اليابان - ولم تقدم سوى صدقات مالية ضئيلة في المقابل.
ويتهم النقاد السلطات اليابانية بإنتاج تقييم بيئي مجهز مسبقا، يعالج بسطحية المخاطر التي ستفرضها القاعدة الجديدة على حيوان الأطوم، وهو من الثدييات البحرية النادرة التي تتغذى على الأعشاب البحرية بالقرب من موقع مدرجات الهبوط المقترحة. ويعترف حتى أنصار القاعدة الجديدة بأنه من الصعب الحكم على التأثير الكامل في البيئة لأن أمريكا أعطت أرقاما غير دقيقة عن عدد الجنود والطائرات الذين سيبقون هناك.
وإذا أخلفت إدارة Hatoyama وعدها لسكان أوكيناوا، سيكون ذلك بمثابة ''انتحار''، كما يقول Yoichi Iha، عمدة Ginowan والمناصر الشديد للاتفاقية. وحتى مع ذلك، يخشى البعض أن يصعّب المتظاهرون بدء أعمال البناء. وستتم إقامة انتخابات بلدية في الرابع والعشرين من كانون الثاني (يناير) في Nago، المدينة المقترح أن تكون القاعدة الجديدة فيها. وعملية نقل القاعدة هي المسألة الرئيسة للحملات الانتخابية. وإذا تمت الإطاحة بالشاغل الحالي للمنصب، الذي يؤيد النقل، سيكون هذا دلالة قوية على مستوى الغضب. ومن المرجح أن تؤدي الانتخابات لاختيار حاكم أوكيناوا في تشرين الثاني (نوفمبر) إلى نشوء توترات مماثلة على مستوى الجزيرة. ولكن بما أن أمريكا متمسكة بأسلحتها، من المحتم أن تثير إدارة Hatoyama انزعاج أحد الأطراف. فقد بدأت للتو معركة أوكيناوا >