حان الوقت لاتخاذ موقف متشدد

حان الوقت لاتخاذ موقف متشدد

> يبدو بعيدا ذلك الصباح قارس البرودة الذي تجمع فيه نحو مليوني شخص للاستماع إلى الرئيس الجديد، وهو يتحدث عن انتصار الأمل على الخوف ووحدة الهدف على النزاع والخلاف. ومثل جورج واشنطن، تعهد، مستذكرا الأيام المظلمة لحرب الاستقلال، أنه في مواجهة الخطر المشترك، سيخرج الأمريكيون تحت قيادته للتصدي له. وبعد مضي عام على رئاسته، كيف يمكن تقييم أدائه؟ لم يكن سيئا للغاية، حسب اعتقاد ''الإيكونوميست''. ففي الأشهر الـ 12 بعد توليه منصبه، أشرف أوباما على تحقيق استقرار الاقتصاد، وهو على وشك تقديم الرعاية الصحية لكل مواطن أمريكي تقريبا، وأنهى عصر التعذيب، ويتابع بقوة الحرب في أفغانستان في حين يسحب الجنود تدريجيا من العراق؛ وربما الأهم من كل هذا هو أنه بدد كثيرا من سحابة الكراهية والخوف التي كانت الكثير من دول العالم ترى الولايات المتحدة من خلالها أثناء رئاسة جورج بوش. وبصورة عامة، كانت إدارة أوباما منضبطة وهرطقية وفاعلة، مع بعض الإرباكات التي ميزت إدارة بيل كلينتون في العام الأول. وما كان مهما بالقدر نفسه هو الطرق التي لم يتم اتخاذها. فقد قاوم أوباما إغراء الاستسلام للشعبويين في حزبه وأرهق ''وول ستريت'' بأنظمة تضيق الخناق عليها. وتجنب فرض الضرائب العقابية على رجال الأعمال الذين يسهمون في تنشيط الاقتصاد؛ بل لم يعر آذانا صاغية لصفارات الإنذار التي أطلقها الحمائيون، باستثناء الضريبة الغبية على الإطارات الصينية الرخيصة. باختصار، كل شيء رائع.
ولكن في الحقيقة هناك شيء واحد، ولكنه شيء كبير، وهو سبب ضرورة أن تكون معظم إنجازاته المشار إليها أعلاه مؤهلة. فقد ظل أوباما في كثير جدا من الأحيان يتجنب الخلاف، وحريص جدا على أن يكون محبوبا، ومستعدا للغاية، لأن يتخذ الإجراء الذي يحظى بشعبية الآن وتأجيل الأمور المحرجة إلى وقت لاحق. وبدلا من الارتقاء إلى مستوى خطاباته عند تنصيبه، لم يكن صارما بما فيه الكفاية. وفي عامه الثاني في الرئاسة، عليه أن يواجه نتائج أخطائه على حد تعبير الواعظ المفضل السابق له.

كان من الممكن أن يكون أفضل بكثير
وفي الداخل، يفسر تردد أوباما الخطير سبب كون مشروع قانون الصحة الذي يبدو من المرجح أن يتم إقراره الآن، والذي يعد أمرا جيدا لا سيئا عند أخذ جميع الأمور في الحسبان، لا يزال خيبة أمل كبيرة. وصحيح أنه يأخذ في الحسبان عشرات الملايين من الأمريكيين غير المشمولين بالتأمين، وكثير غيرهم من أولئك الذي يخافون أن يفقدوا تأمينهم إذا فقدوا وظائفهم. ولكنه مكلف، ولا يتم اتخاذ خطوات جادة لضبط تكاليفه. وتهدد التكاليف المتزايدة للرعاية الصحية الحكومة الفيدرالية بأكملها بالإفلاس. لذا من المؤسف ألا تفعل معظم الإصلاحات الصحية الشاملة على مدى الأجيال الكثيرة لمعالجة هذه المشكلة. إلا أن هذا للأسف هو ما يمكن توقع حدوثه إذا ترك الرئيس مهمة كتابة التفاصيل للديمقراطيين في الكونجرس، ولا يتواصل إلا قليلا مع الجمهوريين، الذين لا يمكن إنكار أنهم تعطيليون، فيما يتعلق بقضايا مثل إصلاح قانون الأضرار التي يعاقب عليها القانون، وينأى بنفسه عن كثير من الإجراءات.
وفشل أوباما في التصدي للمبذرين في حزبه سيكلفه على الصعيد السياسي، فقد بدأت مستويات تأييده في الانخفاض، وفي انتخابات منتصف المدة في تشرين الثاني (نوفمبر)، يبدو من المرجح، على أقل تقدير، أن يخسر أغلبيته الكبيرة في مجلس الشيوخ. ويقول بعض النقاد أنه بدلا من التركيز على الصحة، كان عليه أن يركز على الوظائف (معدل البطالة الآن أعلى بنقطتين عن الذروة التي توقعها بنسبة 8 في المائة). ويبدو هذا جائرا، فقد كانت الرعاية الصحية الجزء الأساسي من حملته، ومشكلة كان على أمريكا معالجتها. ولكن ما أثار قلق الناخبين هو التكلفة الهائلة للمخطط، وفكرة أن أوباما غير قادر على التصدي للعجز.
وهم محقون في شعورهم بالقلق، فمن المتوقع أن يصل الدين الوطني إلى 12 تريليون دولار بحلول عام 2015، أي أكثر من ضعف ما كان عليه حين تولى أوباما منصبه. وبالنسبة للحكومة، كان من المنطقي ضخ المال في الاقتصاد عام 2009، ولكن هذا العام يجب على أوباما أن يوضح الكيفية التي ينوي بها التعامل مع الدين. وحتى الآن، لم يقدم أي مخطط للكيفية التي يعتزم بها القيام بذلك، ولأنه لم يكن صارما مع الديمقراطيين في الكونجرس (الذين كان مستوى شعبيتهم جزءا بسيطا من شعبيته)، عليه الآن أن يبذل مزيدا من الجهود مع الجمهوريين.

ليس بالجزر فقط
ويظهر هذا التردد في اتخاذ موقف متشدد في تعامل أمريكا مع الدول الأخرى. ويعكس قراره الذي استغرق وقتا طويلا لاتخاذه بشأن أفغانستان قراره بشأن الرعاية الصحية، وصحيح أنه عن طريق إرسال مزيد من الجنود فعل، في النهاية، الأمر الصحيح. ولكن كان يبدو كما لو أن عدد الجنود محدد باستطلاعات الرأي، بدلا من المهمة التي بين يديه. والتردد الذي طال أمده أضر بالمعنويات.
وكان أوباما في جولة حول العالم لإظهار حسن النية، عارضا الجزرة بدلا من العصا. ولكنه لم يحظ بكثير، فقد رفضت إسرائيل تجميد الاستيطان، كما أن الذهاب إلى الصين دون وضع حقوق الإنسان في مقدمة الأجندة ومع تجاهل دالاي لاما لم يفد أوباما على الإطلاق، كما تبين من فشل قمة التغير المناخي في كوبنهاجن، وكان من المفترض أن يساعد التعاون بين ''مجموعة الإثنين'' على الوفاء بوعد أوباما المهيب بأن تكون رئاسته ''الوقت الذي.. يبدأ فيه كوكبنا بالتعافي''. ولم يؤد إعادة ضبط العلاقات مع روسيا إلى شيء. وكان عرض التحدث مع الإيرانيين أمرا يستحق المحاولة، ولكنه لم يسفر عن شيء بعد. إضافة إلى ذلك، لا يتناسب سخاء أمريكا مع الأعداء مع النهج الصارم بوقف حلفاء مثل اليابان وبريطانيا وعديد من دول شرق أوروبا.
ويخشى البعض أن أوباما سيظل دائما منظم مجتمع، ولن يكون أبدا القائد الأعلى. وفي الواقع، لم يصل إلى البيت الأبيض عن طريق اتباع منهج اللطف فقط، بل عن طريق الجرأة ومواجهة المواضيع المحرجة وجها لوجه في كثير من الأحيان. ولم يفت الأوان بالنسبة له لاتخاذ موقف متشدد، وسيساعد الحديث الصارم عن الميزانية في رسالته عن حال الأمة، وبما أن أولوية الإدارة تغيرت الآن من إشراك إيران إلى فرض عقوبات عليها، قد يتمكن أوباما من استخدام العصا بدلا من الجزرة. ومن المقرر أن يجتمع بدالاي لاما. وقد يتمكن أيضا، إذا تعلم فضائل عقد الصفقات بين الحزبين، من التنمر لتمرير مشروع قانون عن التغير المناخي عبر الكونجرس، إلا أن كل هذا سيكون أكثر صعوبة بكثير من أي شيء فعله في عامه الأول >

الأكثر قراءة