حان الوقت لتشديد العقوبات
تواجه الدول الست التي تحاول إقناع إيران بالتخلي عن طموحاتها النووية الخطيرة - أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين - خيارا غير مرغوب، فلا تزال إيران مستمرة في إنتاج كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب الذي تزعم أنه مخصص لبرنامج نووي مدني (على الرغم من أنه ليس لديها مفاعل نووي يمكن أن يستخدم هذه المادة)، ولكن الذي قد يستخدم لتصنيع قنبلة.
وكانت روسيا وفرنسا قد عرضتا على الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، صفقة تأخذان بموجبها معظم مخزونه من اليورانيوم منخفض التخصيب لتحويله - بصورة آمنة خارج الدولة - إلى وقود خاص أعلى تخصيبا لمفاعل أبحاث في طهران. وعن طريق تخفيض مخزون إيران، ولو لبضعة أشهر، كان يمكن أن تفتح الصفقة الباب قليلا للمحادثات التي تهدف إلى بناء الثقة مع الدول الست. إلا أن الموعد النهائي لقبول هذا العرض كان نهاية عام 2009، وهكذا تم رفض اليد التي مدها باراك أوباما للنظام.
لقد زادت المخاطر الآن لأن هذه المسألة تعد اختبارا حاسما لمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. وتمكّن هذه الصفقة الكبرى الدول من توليد الكهرباء، ولكن ليس الأسلحة، باستخدام الانشطار النووي. وتتم مراجعتها هذا العام. وإذا مرت الشهور في حين تستمر إيران في سلوكها الذي يثبت للعالم مدى سهولة انتهاك قوانين المعاهدة دون عقاب، ستموت المعاهدة في النهاية. لذا حان الوقت لاتخاذ تدابير أكثر صرامة. وهناك خياران فقط أمام الدول الست: إما فرض عقوبات أقسى أو الإجراء العسكري.
ولا تريد أي حكومة استخدام القوة- حتى حكومة إسرائيل التي يتعرض أمنها للتهديد بصورة مباشرة من قبل أحمدي نجّاد. فالضربات العسكرية قد تنهي الأنشطة النووية الإيرانية، إلا أن المكاسب غير واضحة بقدر عدم وضوح التكاليف. فقد يقصفون مواقع معلنة رسميا، إلا أن أجهزة الاستخبارات تعلم أن هناك مواقع أخرى أيضا، مثل مصنع تخصيب اليورانيوم الذي يتم بناؤه سرا في منطقة جبلية في مجمع يخضع لحراسة مشددة في مدينة قم، والذي تم اكتشافه قبل أربعة أشهر فقط. وحتى لو نجح الهجوم في اختراق جميع مواقع إيران تحت الأرض- وهي احتمالية بعيدة- فلن يفيد إلا في إبطاء طموحات إيران مؤقتا. فبعد أن قصفت إسرائيل مفاعل أوزيراك في العراق عام 1981، ضاعف صدام حسين جهوده لتصنيع قنبلة. وقد تثير الضربات العسكرية أيضا صراعا أوسع نطاقا في منطقة غير مستقرة أصلا بصورة مثيرة للقلق.
إذن، فإن العقوبات الأكثر إيلاما هي البديل المعقول الوحيد للسماح لإيران بالاستمرار في التخصيب إلى أن تصل إلى مرحلة خطرة يمكنها فيها الإعلان أنها تملك قنبلة. إلا أن روسيا والصين - خاصة الصين، التي استثمرت الكثير من المال في صناعات النفط والغاز في إيران مع انسحاب الشركات الغربية - مترددتان في اتخاذ موقف صارم.
والمصلحة الذاتية ليست السبب الوحيد لمعارضة العقوبات. فأولئك الذين يفضلون العمل العسكري وأولئك الذين لا يريدون فعل شيء يشتكون أن العقوبات لن تكون فعالة. ويعتقد آخرون أنها ستنجح، ولكنها ستضر أكثر مما ستنفع عن طريق تشجيع الإيرانيين على الالتفاف حول الحكومة في وقت يبدو فيه أن الاحتجاجات قد تحدث التغيير.
إلا أن حركة الاحتجاجات في إيران غير مفهومة جيدا، حيث لا يمكن تعليق الكثير من الأهمية على مثل هذه الآمال. وفعليا، لا يوجد أي تقارير مستقلة عما يحدث داخل الدولة، وليس لدى المتظاهرين قائد واضح، ومصير الحركة يعتمد إلى حد كبير على الانقسامات داخل النخبة الدينية المغلقة. كما إنه لا يمكن التنبؤ بنتائج العقوبات في الأماكن التي تكون فيها الحقائق أكثر وضوحا. وحين تم فرضها على حكومة صدام حسين في العراق، شجعت على ترسيخ النظام. وحين فرضت على نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا والبرنامج النووي الناشئ في ليبيا، شجعت، كما يبدو، على التغيير. ولو تم استخدام العقوبات عندما تكون نتائجها مؤكدة فقط، فلن يتم استخدامها على الإطلاق؛ وعدم اليقين ليس عذرا لعدم فعل شيء، لأن هذا قد يكون خطيرا بالقدر نفسه.
ملعون إذا فعلت؟ وملعون إذا لم تفعل
ومن هنا جاءت حجة وضع سياسات التي تعاقب النظام دون الإضرار بالشعب. فالعقوبات الحالية أحبطت بعض المستوردات غير المشروعة لبرامجها النووية والصاروخية. وستكتشف عمليات التفتيش الروتينية للسفن والطائرات الإيرانية في الموانئ والمطارات الأجنبية المزيد - وستسبب الألم أيضا. وجلبت القيود المصرفية غضب التجار وأعضاء البرلمان للرئيس. ويمكن تشديد هذه القيود وتوسيع نطاقها. ويفضل الكونجرس الأمريكي فرض حظر على مستوردات البنزين، مما قد يؤدي إلى الإضرار بالاقتصاد، بالنظر إلى نقص طاقة التكرير في إيران. إلا أن هذا سيسمح لأحمدي نجّاد بإلقاء اللوم على الغرباء، تماما مثلما هو على وشك تحمل غضب الشعب عن طريق خفض إعانات البنزين. والأكثر ذكاء هو فرض حظر على الاستثمار في صناعة النفط والغاز وعلى مستوردات الأسلحة.
وسيكون من الصعب التوصل إلى اتفاق بشأن مثل هذه العقوبات، ليس فقط بسبب الصين وروسيا. فقد لمّح بعض المسؤولين في فريق أوباما إلى أنه من الحكمة إظهار المزيد من الصبر. وإبقاء الباب مفتوحا أمام المحادثات، في حال غيّر أحمدي نجّاد رأيه، فكرة جيدة. إلا أن تأجيل اتخاذ إجراءات أكثر صرامة سيشجعه على المضي قدما. وعلى الرغم من عدم اليقين بشأن الإجراءات، إلا أن سعر عدم فعل شيء أعلى بكثير >