الخروج من الحفرة

الخروج من الحفرة

بدأت بريطانيا العام الجديد بمزاج دراماتيكي على نحو غير متوقع: عواصف ثلجية وأطول فترة برودة منذ عام 1981؛ هجوم سياسي غير متوقع على قيادة رئيس الوزراء؛ بداية سيئة لحملة الانتخابات العامة. إلا أن العلامات الدالة على المستقبل فيما يتعلق بالقضية الأهم- توقعات الانتعاش الاقتصادي- مربكة أكثر مما هي مروعة.
لقد انتهى العام الماضي نهاية حزينة، حيث كانت بريطانيا الاقتصاد الكبير الوحيد الذي لا يزال محاصرا في الركود. ولم تجلب الأرقام الرسمية التي نشرت أواخر كانون الأول (ديسمبر) الراحة لأولئك الذين يأملون أن ينعكس مسار تيار الركود. فقد أكدت أن الناتج المحلي الإجمالي في الأشهر الثلاثة حتى أيلول (سبتمبر) انخفض للربع السادس على التوالي. وكان التقلص بنسبة 0.2 في المائة أصغر من النسبة التي تم تقديرها في البداية، البالغة 0.4 في المائة، ولكن تم إجراء تنقيحات أخرى للبيانات السابقة ورفع الانخفاض التراكمي في الناتج القومي منذ أوائل 2008 من 5.9 في المائة إلى 6.0 في المائة. إنه أطول وأعمق ركود منذ الحرب العالمية الثانية.
التوقعات لعام 2010 أكثر تفاؤلا- هذا ليس مفاجئا بعد هذا التراجع المخيف. إلا أن السؤال المهم هو فيما إذا كان الانتعاش الذي أوجدته الدولة يمكن أن يولد قوة دفع كافية لتحمل تقوية النظام المالي اللازم لتقليل عجز الميزانية الهائل.
ومن المرجح أن تظهر النشرة الإحصائية المقبلة حول الناتج المحلي الإجمالي في 26 من كانون الثاني (يناير) أن الانتعاش من هذا النوع بدأ في الربع الأخير من عام 2009. ومن شأن هذا أن يتوافق مع مؤشرات أخرى تشير إلى الاتجاه التصاعدي. فعلى سبيل المثال، يشير مسح شمل مديري المشتريات وتم نشره هذا الأسبوع أن الناتج التصنيعي ارتفع في كانون الأول (ديسمبر) بأسرع معدل له منذ أكثر من عامين.
ومن المفترض أن يستمر هذا الانتعاش هذا العام والعام المقبل. وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية نمو بنسبة 1.2 في المائة عام 2010 و 2.2 في المائة عام 2011. وسيكون الانتعاش في البداية معتدلا لأنه من المحتمل أن يكون الإنفاق الاستهلاكي، الذي يشكل حوالي ثلثي الناتج المحلي الإجمالي، راكدا. ولكن حتى هذه النتيجة ستكون تحسنا عن العام الماضي. ويعتقد أن الاستهلاك الخاص انخفض بنسبة 3 في المائة عام 2009، وهو أكبر انخفاض خلال الـ 60 عاما الماضية.
ويبدو من المرجح الآن أن يكون الإنفاق الاستهلاكي جامدا بدلا من أن ينخفض أكثر، وذلك مع تلاشي المخاوف بشأن فقدان الوظائف، مما سيقلل الادخار الوقائي. وستظل الأسر مثقلة بالديون، إلا أن العودة إلى الاقتصاد في الإنفاق حدثت على نطاق أوسع وأسرع من المتوقع. فقد ارتفع معدل الادخار من 1.5 في المائة من الدخل المتاح عام 2008 إلى 8.6 في المائة في الربع الثالث من عام 2009، أي أعلى من متوسطها البالغ 6.7 في المائة خلال العقدين الماضيين.
وسيظل لانخفاض الإنفاق الرأسمالي من قبل الشركات تأثير سلبي في الاقتصاد، ولكن ليس على الإطلاق على النطاق الذي حدث عام 2009. ومن المفترض أن يكون انعكاس مسار دورة بناء المخزون من العوامل المساعدة. وأحد الأسباب وراء حدة الانكماش هو أن الشركات قامت بتلبية الطلب عن طريق خفض المخزونات. وبمجرد أن تبدأ بإعادة بناء مخزوناتها (أو حتى استنفاذها بصورة أبطأ) سيزيد الناتج المحلي الإجمالي. وستكون هذه الدفعة للاقتصاد مؤقتة ولكنها قد تكون كبيرة، بحيث تسهم بنقطة مئوية واحدة في النمو عام 2010.
إلا أن السبب الأهم لضعف الثقة هو أن الاسترليني الأرخص سيساعد الشركات البريطانية على الاستفادة من الاقتصاد العالمي المنتعش. وقد انخفضت القيمة المرجحة تجاريا للجنيه الاسترليني منذ منتصف 2007 بنسبة تقارب الربع. وفي حين كانت التجارة العالمية في تدهور، كانت منافع هذا الانخفاض الكبير بالنسبة للمصدرين مخفية بسبب انهيار أسواقهم. ومع ذلك، خفف صافي التجارة انخفاض الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، حيث انخفضت الواردات أكثر من الصادرات. وقد تسهم في عام 2010 بنقطة مئوية واحدة للنمو مع زيادة الصادرات بصورة أسرع من الواردات.
وكلما كان الانتعاش في بريطانيا أقوى وأطول، زادت احتمالية أن يصبح معززا ذاتيا، مع بدء الشركات في الاستثمار ثانية. ولكن بعد هذه الصدمة الكبيرة، لا يمكن لأحد أن يجزم أن الأمور ستتطور بهذه الصورة المطمئنة. وستظل الأسر ملزمة بسداد ديونها. وستتعرض البنوك، المثقلة بالديون الفاسدة، لضغوط كبيرة لتوفير ائتمان كاف لدعم الانتعاش الصحي. ومن شأن هذا كبح الشركات الأصغر التي تبحث عن المال، مع أن الشركات الأكبر ستكون قادرة على جمع المال عن طريق إصدار السندات أو الأسهم.
وستتطلب إدارة الانتعاش البراعة. وإذا تبين أن الاقتصاد بدأ في النمو مرة أخرى في أواخر عام 2009، سيكون هذا بفضل الدفعة التي منحتها السياسة المالية والنقدية المرنة بصورة استثنائية. ويبلغ معدل الأساس مستوى قياسيا منخفضا، هو 0.5 في المائة، منذ آذار (مارس) الماضي، واشترى بنك إنجلترا نحو 200 مليار جنيه استرليني (320 مليار دولار) من الأصول، معظمها سندات حكومية، من خلال التخفيف الكمي. وتتوقع الخزانة أن يبلغ عجز الميزانية 12.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2009/10، ونسبة 12.0 في المائة عام 2010/11.
لقد كان المستثمرون على استعداد لتقبل إعدادات سياسة الطوارئ هذه العام الماضي من أجل درء الانزلاق الكارثي المحتمل نحو الركود والانكماش. وهم الآن يزدادون قلقا بشأن مخاطر الدين الحكومي المتنامي والتضخم المتزايد. وتتحرك عائدات السندات الحكومية صعودا في الأسابيع الأخيرة، وهذا الأسبوع، قالت شركة Pimco الأمريكية الكبيرة للاستثمار، إنها ستتجنب ديون الحكومة البريطانية. ويكمن الخطر في أن يسقط الاقتصاد، الذي لا يزال هشا، في الركود مرة أخرى إذا تم تشديد السياسة المالية قبل الأوان. ولكن إذا فقد المستثمرون أعصابهم، قد يعيق الارتفاع الكبير في عائدات السندات الحكومية الانتعاش عن طريق زيادة تكلفة الاقتراض طويل الأجل بصورة أعم. وينقسم الحزبان السياسيان الرئيسيان (والاقتصاديون) حول وقت البدء بتخفيض كبير للميزانية دون إفساد الانتعاش الاقتصادي. ويفضل المحافظون بداية أسرع لتدعيم النظام المالي أكثر من حزب العمل، الذي لن يبدأ العمل على تخفيض العجز بصورة جدية إلا عام 2011. وقد يكون القرار أقل صعوبة مما يبدو عليه، إذ يمكن أن يعوّض بنك إنجلترا تشديد الميزانية المبكر عن طريق تأخير تبني موقف مالي أكثر تشددا. وبغض النظر عن وقت حدوثه، فإن التحول من السخاء الحكومي إلى التقشف سيكون مطولا، مما سيعوق الشفاء لسنوات عديدة مقبلة

الأكثر قراءة