لا أحِبُّ هذا الرجُلَ

* أهلاً بكم في مقتطفات الجمعة رقم 330.
***
* حافزُ الجمعة: فارسٌ محترفٌ مشهورٌ بسباقات الحواجز، صار أشهر رياضي في العالم في الثلاثينيات، كان الفارسُ متقدما على جميع منافسيه، ثم قفز حاجزاً معترضاً وضرب حافر الحصان بقطعةٍ حادّةٍ ناتئة أعلى الحاجز، فلما هبط الجوادُ على الأرض أطلق فحيحاً موجعا خافتا من الألم، وكان شوطٌ واحدٌ كفيلاً بأن يعطي للفارسِ الفوزَ بالأولمبياد ليمنحه المجدَ والشُهرة، ولكنه فجأة ارتجل من على صهوة الحصان، ومسح على رأسه، وأخذه خارج المضمار ليتلقى العلاج، وفات عليه فوز عالمي محقق.. كبرى جرائد العالم خرجت صبيحة ذلك اليوم بالعنوان التالي: «من أجل العاطفة الأعظم؛ فارسٌ أولمبي سمع الصوت الخافت لنداء الرحمة، ولم يصغِ لضجة التصفيق للتتويج والإبهار» اشتهر الفارس وهو لم يفز. وترون أن الفوزَ ليس دوما الوصول أولاً، وإنما هو الانتصارُ على النفس بمقاومة إغراء المجد اللحظي الفردي من أجل غايةٍ شاملةٍ أسمى.
***
* شخصية الأسبوع: الوزيرُ ينشغل بمهام أعرض من تفاصيل العمل الوزاري الخدمي، فيُقال عرفا في الإدارة الحكومية أن الوزيرَ منصبٌ سياسي، لتقع جلّ أعمال الوزارة على من يليه مباشرة، وهنا فإن الدكتور «عبد الواحد الحميد» نائب وزير العمل السعودي هو رجلنا لهذا الأسبوع. الدكتور عبد الواحد نعرف مساره بشكل شخصي بحكم علاقةٍ قريبةٍ متقدمةٍ، حين كان في جامعة الملك فهد، ثم اتصل بالغرفة التجارية بالمنطقة الشرقية وكان له عهدٌ موسومٌ بطابِعِه في إعلام الغرفة، ثم غادر للعاصمة ليرتفع إلى ما هو يستحق أن يرتفع إليه. على أن للدكتور «عبد الواحد» فوق علمه وثقافته ولعا بالدخائل الإنسانية، ويطل على الإدارة من هذه المعرفةِ السيكولوجية الفردية والجماعية في إدارتِهِ لشغله، فهو يتلبس موقع الآخرين الذين أمامه قبل أن يُعمل رأيَه الشخصي، وهذه قدرة عادلة ونافذة باتخاذ القرار الذي يتوخى التوازن والصِحة، فمرّة هو يتلبسُ عقلَ رجل الأعمال لتفهم موقفه، ثم يتلبس موقف الطاقات الشابة التي تريد أن تنخرط في الأعمال.. في صراعٍ دائم بين ضِفّتـَيْن متباعدتين يريد أن يقربهما بعقلٍ يعملُ على قطبين، إنها من أقسى الصراعات العقلية، وإن كان «عبد الواحد الحميد» يبدو هادئاً ناعم النظرة رقيق النبرة، إلا أن بركانا يعتمل في داخله ينجح في كبته دوماً.. هذا هو قدَرُه، قدرُ من يوضع بين حجرَتـَي الرّحى، بين المطرقة والسندان. يقول الأجانب عن هذا النوع إنه يضع نفسه في حذاء الآخر - أجلكم الله - ونخاف على الدكتور عبد الواحد من شدة الضغط أن يضطر أن يعرج لأن أحد الحذائين قد يكون ضيّقاً جدا، أو واسعاً جداً. ولو تجوز المراهنة عليه لما ترددنا، لينقل مهمة وزارة العمل إلى خط التوازن الحقيقي، حيث يتصافح راضيا كل من في الضفتين، ولن يحدث هذا إلا إذا بُنِيَ جسرٌ متينٌ يمشي عليه الطرفان واثقي الخُطى.
***
* قضية الأسبوع: سيبقى البحرُ حول القرن الإفريقي مسارا بحريا مفتوحا للمخاطر، وللتّسَلـُل، وللتهريب، وسيكون مصدرَ تهديدٍ لنا. البحرُ من أخطر مواقع العمل التحتي لإرباك الاقتصاد، وزعزعة الأمن، والتطاول على القوانين، فقوانينُ البحار تعاني أمرين، أن لا قانون بنصوص واثقة يتفق عليها العالمُ بعد، خصوصا في مسألة أبعاد المياه الإقليمية ونقاط الأساس في حساب خطوط الطول والعرض، وفي نوعية المراكب والأعلام المرفوعة والنقل المتسافن، ونوعية البضائع، والأعماق المسموحة، والقنوات المائية، وفي آلاف المركبات البحرية البدائية والحديثة التي تتملصُ عبر البحار بلا هويةٍ، وبلا ترخيص، تنقل الآثامَ بأنواعها على متنها، ودليلنا أن منطقة البحر المفتوح جنوب الصومال صارت ملتهبة بالقرصنة البحرية، ونشك شكا عميقا أن يكون الصوماليون وحدهم المتورطين بهذه الأعمال، فالمستفيدون من وضع لا قانوني دولي كثيرون. السفن التجارية التي تعبر هذه المياه صارت كالبوارج والطرادات الحربية مدججة بالسلاح والجنود للحماية ضد غزوات قرصنةٍ متوقعة، ومع ذلك فالقرصنة بازدياد، من ناقلات النفط العملاقة إلى قوارب الصيد الصغيرة.. والآن زُرِعَت مياهُ خليج عدن بفرق مراقبة من اثني عشرة دولة.. وكأنها أفغانستان أو عراق بحرية، على مرمى حجر من حدودنا البحرية، فالوضع ينذر بما يوحي لي بالقلق من وجود القانون الدولي بأساطيل عسكرية، ومن عدم وجود القانون بالقرصنة والإجرام البحري.. علينا وبأعلى مستوى أن نتدارسَ الوضع من الآن، وأن نبحث في الطرق الكفيلة بألا تنعكس هذه المياه الملتهبة أمواجاً كاسرة تضرب أمنَ سواحلِنا.
***
* أنا أكره رئيس الوزراء الإيطالي «سيلفيو بيرلسكوني».. جداً. هذا الرجلُ معتوهٌ متحلل من أي قيَم إنسانية وأخلاقية ودينية، وله طلعاتٌ فضائحية في كل مجال وخاصة عارياته المشهورات على شبكاته التلفزيونية.. ليس هذا الذي يجعلني أكرهه جدا، فكرهي منصبٌ على انفصامه التام عن إنسانيته، وعن مشاعر وظروف الآخرين، وبالذات من هو مسئول عنهم، اتفقت الصحافة الدولية أنه أطلق أغبى وأوقح تصريح، بعد أن ضرب زلزالٌ ضاحية «لا أكاليا» بوسط إيطاليا الذي نتج عنه تشرد الآلاف عن منازلهم، ووفاة المئات.. ولما قيل له عن مآسي المتشردين ردّ بصلافته الغبية: «ولماذا؟ عليهم أن يعتبروا أنفسهم وكأنهم في مخيم نهاية العطلة!».
***
* إننا في سباق ضد الأضداد، ضد الفساد، ضد سوء الخدمات، ضد التعثر المعرفي، ضد الفقر، ضد الجهل، ضد التسلط، ضد الأنانية الفردية.. ولا فاز إلا من سمع أنين الرحمة من أجل كل مغبونٍ ومظلوم ومن سُدَّتْ أمامهم طرق الحياة الكريمة.. ليس الفائز من يصغي لصخب الثراء والجاهِ وغطرسة القوة!
في أمان الله..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي