هل بقي تحت البلاطة شيء؟

في فترة سابقة كان الأصدقاء يتندرون على زميل لهم بأن لديه في المنزل بلاطة.. وأحيانا «قواطي نيدو» قياسا على ما يظهر عليه مما يعتبرونه «نعمة مفاجئة»، سيارة مثلا، أو ملبس، وأحيانا ساعة جميلة وغيرها ..
الزملاء كانوا يرمون إلى أن لدى هذا الشخص أموالا مخبأة تحت البلاطة على اعتبار أن والده «حريّص» وأحيانا «ما يندي»، وهذا يعني أن أي تغير يطرأ على حياة ابنه يدخل في سياق توقعات الصحبة، ثم يبدأ سيل النكت عليه.
طبعا البلاطة الهدف منها واضح في هذا المثال، و»القواطي» التي هي العلب كبيرة يقصد بأنها تستخدم كخزانة للمال المكنوز. في الحقيقة، فإن ذلك المنزل لم يحو في أي يوم من الأيام أي بلاطة، بل إن كل ما يحويه أرضية أسمنتية قديمة، وأثاث قديم، لكن ما كان يزينه روح أهله المرحة وتفاؤلهم الكبير وبساطتهم في الحياة.
أتذكر هذه القصة كل يوم تقريبا وأنا أرى التأثيرات التي خلفتها التطورات الاقتصادية والمالية خلال الأعوام الثلاث الماضية خاصة سوق الأسهم على كثير من الناس وعائلاتهم حيث خلعت كل البلاط، وفتحت كل القواطي.. بل إنها تجاوزتهم إلى أولئك الذين لم يكن لديهم بلاطة أصلاً ففتحوا بلاطة البنوك وانسكبت عليهم.
إننا إزاء مشكلة حقيقة تتمثل في تعرض حياة كثيرين لتغيرات عنيفة خلال الفترة الماضية وربما تدفع بكثيرين إلى طرق معروفة لا تحتاج للشرح والاسترسال.
أعرف أن دراسات أجريت على مستويات عالية حول هذا الأمر، وأن رفع مخصصات الضمان الاجتماعي ورفع سقف الإقراض في بنك التسليف يأتي في هذا السياق، لكني أرى أن ذلك لا يكفي .. بل إن المطلوب الآن مشروع كبير تتبناه الدولة يشجع المؤسسات الإقراضية المنتجة (الخاصة تحديدا) على مساعدة أكبر قدر ممكن من المحتاجين، وتشجيع قيام مؤسسات إقراضية في المناطق، وتشجيع المبادرات الخاصة، وتبني خطط تشجيع العمل الحر، والحد من الاحتكارية التي تدمر صغار المستثمرين. إن من المؤلم اننا حتى ونحن في مثل هذه الأوضاع لا تزال الفكرة السائدة عن الوظيفة الحكومية باقية ومتكرسة، ولا يزال طموح شاب خريج من الثانوية أو الدبلوم وظيفة حكومية مدنية أو عسكرية ذات رتبة وراتب متدن، بينما سيتضاعف دخله عشرات المرات لو جرب العمل الحر .. لكننا أبدا لن نلومه دون أن نوفر له السبل الكفيلة بتحقيق ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي