الطلاب السعوديون غير متفوقين

إن ما كشف عنه سمو مدير المركز الوطني للقياس والتقويم الأمير الدكتور فيصل بن عبد الله المشاري آل سعود لهذه الجريدة في منتداها الصحافي ونشرته يوم السبت الماضي، في صفحتها الأولى من أن 2% فقط من خريجي الثانوية يحصلون على أكثر من 90 درجة في اختبار القدرات، وأن 80% منهم غير سعوديين بمثابة برقية عاجلة ينبغي أن تذهب بحرقتها وصراحتها مباشرة إلى وزارة التربية والتعليم.
إن هذا المستوى المتدني للقدرات العقلية والمعرفية لآخر مراحل التعليم العام (الثانوية العامة) مقلق جدا، حيث يفشل 88% من طلاب الثانويات السعودية في تجاوز الـ (90) درجة، في امتحان القدرات مع الأخذ في الاعتبار محاولات الغش والاحتيال بانتحال الشخصية، كما أشار سموه، الأمر الذي يضيف إلى القلق من تدني قدرات طلابنا قلقاً مؤسسيا آخر مصدره عطب في منظومة القيم والأخلاق عندنا التي يُفترض أن (التربية) كانت قد حصنتها أساسا مع التعليم على مقاعد الروضة والابتدائية!!
أما حين يكشف لنا سمو مدير المركز عن أن (80%) ممن يحصلون على ما يتجاوز الـ (90) درجة (أي المتفوقون) هم من غير السعوديين، فذلكم يتعدى القلق إلى وضعنا فعلاً في موقف حرج مصدره ليس منهج تعليمنا العام فحسب، وإنما كذلك الطريقة التي ندير بها مؤسساتنا الأسرية أفرادا، وأولياء أمور، وجهات العناية بالتوجيه المعنوي من مؤسسات عامة أو خاصة. إن فوز غير السعوديين بـ (80%) من الـ (2%) وهي النسبة الكلية للمتفوقين لا يمكن اعتباره قصورا وعيبا تكوينيا (بيولوجيا) في وعينا وقدراتنا العقلية السعودية، وأنها دون غيرها من العقليات أو القدرات غير السعودية، فهذا الحكم ضرب من العنصرية المقيت الخطير لا يجنح إليه إلا مريض أو مغرض، إلا أن هذا لا ينبغي أن يبرر لنا الالتفاف على حقيقة ما أشار إليه الدكتور المشاري بالقول مثلا: إن غير السعوديين يتفوقون كون أهلهم يضطرونهم إلى المثابرة والجد، نظرا لأنهم يدركون وضعهم كمقيمين عليهم ألا يفرطوا بفرصة وجودهم هنا وضرورة عدم تبديد جهد عملهم الذي تغربوا من أجله أو غير ذلك من أعذار!!
والواقع.. أن مناخنا الاجتماعي قد اكتسب رخاوة استهلاكية أثرت عميقا في سلوكيات أبنائنا وبناتنا وتكرس مفعولها فيهم وفينا أيضا فلم تعد الدراسة تحتل أولوية عندهم أمام تدفق الإغراءات الترفيهية وبريق المتع من ناحية، ومن ناحية أخرى انشغال بعضنا باللهاث وراء خبط عشواء المظاهر أو عناء توفير الدخل القادر على سد الاحتياجات الضرورية لدى البعض الآخر، ولم يجد معظمنا متسعا من الوقت لمتابعة أولاده، فاكتفى إما بجهد المقل أو ترك المهمة للدروس الخصوصية حتى ولو كان أولادنا في مدارس خاصة تستنزف أموالنا ولا تقدم مقابل ذلك لا جودة ولا كفاءة، فضلا عن أن المقررات النظرية وطاحونة الحفظ والتلقين تكفلت بكبح مستوى الإدراك والقدرة على الفهم والإبداع.
إن الأرقام التي أشار إليها سمو مدير المركز الوطني للقياس والتقويم أجراس إنذار عالية الرنين عن خطر معنوي حقيقي يطول المقومات المعنوية للهوية الوطنية في أثمن وأغلى وأعز الثروات وهو المواطن السعودي، الذي تستهدفه تنميتنا باعتباره محورها والمعني بثمارها.. وحتما أهم ما في التنمية وثمارها هو التعليم النوعي القادر على توسيع نطاق معارف الإنسان وزيادة قدراته العقلية ومهاراته الفنية.. فهل تعليمنا كذلك؟ هذا ما يدحضه حصاد اختبار القدرات بلون فاقع!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي