نهاية الدرس الياباني

نهاية الدرس الياباني

نهاية الدرس الياباني

''انتعاش متوقع في العام الجديد في سوق طوكيو الأسبوع المقبل''. كان هذا عنوان تقليدي لوكالات الأنباء اليابانية في الـ 29 من عام 1989، اليوم الذي وصلت فيه إحدى أكبر فقاعات أسعار الأصول في العالم إلى نقطة الانفجار. ولا يزال اليابانيون، بعد 20 عاما بالضبط، يدفعون ثمن مثل هذه الغطرسة. فمؤشر نيكي 225، الذي بلغ ذروته عند 38.916، تراجع الآن عند ما يزيد قليلا على ربع ذلك المستوى (على الرغم من أن هناك حديثا مرة أخرى عن انتعاش في العام الجديد). ولم ينم الاقتصاد الياباني بالقيمة الاسمية بعد ''عقدين ضائعين''، ويعاني ثانية من الانكماش. وفي حين كانت اليابان تؤثر سلبا في أمريكا، تشعر الآن بأنفاس الصين الساخنة على رقبتها. هل تذكرون كتاب ''اليابان في المرتبة الأولى''؟ هذه الأيام، كل ما لدى الدولة لتشتهر به هو عبء الدين الحكومي الإجمالي الذي يقترب من 200 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وبالنسبة لليابانيين، كان كل هذا مزعجا بصورة عميقة. ولكن في العامين الأخيرين، في الوقت الذي واجه فيه العالم الغربي عديدا من المشكلات التي تواجهها اليابان نفسها منذ عام 1989 (انهيار أسعار الأصول، وزيادة الديون المتعثرة، وتهديد الانكماش الوشيك)، قدمت اليابان بعض الدروس المفيدة حول الكيفية التي ينبغي، ولا ينبغي، فيها للحكومات معالجة الانهيارات المالية التي قد تؤثر في النظام كله.
وبفضل السابقة التي حدثت في اليابان، سرعان ما تم تطبيق هذه الدروس عمليا. فقد تصرف صنّاع السياسة الغربيون بصورة أسرع بكثير مما فعلت السلطات اليابانية (اضطر اليابانيون للتعلم عن طريق التجربة والخطأ)، ووفروا السيولة لمصارفهم وأجبروها على إعادة بناء رأس المال، وضخوا في الوقت نفسه كميات كبيرة من الحوافز المالية لتعويض تراجع الطلب في القطاع الخاص. وخفضوا، مثل بنك اليابان، أسعار الفائدة واتخذوا تدابير استثنائية لمحاولة الحفاظ على تدفق الائتمان. وأدت فعالية هذه الخطوات إلى تزايد التفاؤل بشأن الاقتصاد العالمي.
ما هو الدرس الياباني الآن إذن؟ لم تعد أوجه الشبه، من نواح كثيرة، مفيدة بصورة كبيرة الآن. ويعود ذلك جزئيا إلى كون الطلاب في ورطة أسوأ من ورطة المعلم في أي وقت مضى. وتواجه الدول الأكثر تعرضا للخطر، مثل اليونان، تهديدا لم تواجهه اليابان على الإطلاق: أن تفقد الأسواق الثقة بجدارتها الائتمانية. وقد استفادت اليابان، على الرغم من مصائبها، من مجموعة ضخمة من المدخرات المحلية ومن المستثمرين الأكثر استعداد للاحتفاظ بأموالهم في الوطن بدلا من الخارج. وفي الوقت نفسه، فإن نطاق الاضطراب العالمي يجعل مشكلات اليابان، التي لم يكن لها تأثير كبير في الخارج والتي حدثت في ظل النمو العالمي، تبدو تافهة بالمقارنة. وبوجود حالات العجز الضخمة في الكثير جدا من الدول، فإن خطر الخسارة المفاجئة للمصداقية المالية أكثر حدة مما كان عليه أبدا في اليابان.
إلا أن الطلاب في حالة أفضل من نواح أخرى. وأحد أسباب ذلك هو أن لديهم أنظمة أقل صرامة. ففي الاقتصادات الغربية الأكثر قدرة على التكيف، لم يكن هناك مقاومة كبيرة للتغييرات الهيكلية التي تهدف للحفاظ على الإنتاجية. وغالبا ما يكون لديها حواجز سياسية أقل للتعامل مع الديون السيئة للقطاع الخاص مقارنة بما كان الوضع عليه في اليابان. علاوة على ذلك، يجني الغربيون ثمار التصرف بصورة أكثر حسما مما فعل اليابانيون - خاصة فيما يتعلق بضخ الأموال إلى الاقتصاد وتنظيف الميزانيات المالية. ومع وجود عدد أقل من بنوك الزومبي (البنوك التي يكون صافي أصولها أقل من الصفر) وعلامات أقل على الانكماش ودلائل أبكر تدل على النمو، أصبح الغرب في أرض مجهولة: يمكن القول إنه وصل إلى مرحلة لم تصلها اليابان أبدا.

لن أعلمكم أكثر من ذلك اليوم
ويجعل هذا من الصعب الاستمرار باستخلاص دروس معينة من محنة اليابان المحزنة. ولكنه مع ذلك يقدم درسا مشتركا لجميع الكوارث الاقتصادية: لا تخدع بالعلامات الكاذبة على الانتعاش الاقتصادي. وفي حالة اليابان، أدت مثل هذه الآمال إلى أن تقوم مرارا بتشديد السياسة المالية قبل أن يكون الطلب الخاص قويا بما فيه الكفاية للحفاظ على الانتعاش. وأدى هذا إلى ترسيخ الانكماش. وتركت اليابان أيضا بنوكها غير مجهزة برأسمال كاف للتعامل مع الصدمات اللاحقة.
ولا يزال أمام صنّاع السياسة في العالم المتقدم مهمة كبيرة ومرهقة. فالكثير من البنوك مضطرة إلى شطب كميات كبيرة من المال على قروضها، والاقتصادات مثقلة بالقدرة الإنتاجية الفائضة، ولا يزال مستوى ديون الأسر مرتفعا. وسيكون لتشديد السياسة في وقت مبكر نتائج كارثية، كما تبين تجربة اليابان، إلا أن اليابان لا تقدم إرشادات مفيدة حول الوقت المناسب لفعل ذلك. ولهذا السبب، ليس هناك سوى التجربة والخطأ. وكلما زادت الأخطاء، تزيد احتمالية أن يبدو العقد المقبل للغرب مثل العقدين الضائعين لليابان

الأكثر قراءة