هل وجود الاعتماد المالي يستوجب حتماً الصرف منه؟

تحدثنا في مقال الأسبوع الماضي عن العلاقة بين عقود الدولة وأحكام قانون الميزانية العامة، وأوضحنا أن الأصل أنه لا يجوز لأي جهة حكومية أن تبرم عقداً مع الغير لتنفيذ عمل أو مشروع معين إلا بعد التأكد من وجود الاعتماد المالي لذلك في الميزانية العامة، وأنه إذا أبرمت الجهة الحكومية عقداً من دون وجود الاعتماد المالي أو بقيمة تتجاوز مقدار هذا الاعتماد فإن العقد يعتبر صحيحاً وملزماً للجهة الحكومية، إلا أن ذلك لا يعفي المخطئ من المساءلة والجزاء.
ولقد سألني أحد الأصدقاء، من رجال الأعمال، هل يجوز للمواطن أن يرفع دعوى أمام ديوان المظالم ضد أي جهة حكومية إذا تقاعست عن طرح مشروع داخل ضمن اختصاصاتها في المنافسة العامة رغم وجود الاعتماد المالي في الميزانية العامة للدولة؟
والواقع أن هذا السؤال وجيه، والإجابة عنه تستوجب الإشارة في البداية إلى أن اعتماد المبالغ المالية المخصصة لتنفيذ وإنجاز مشاريع معينة لا يتم إلا بعد دراسة أهمية وجدوى هذه المشاريع، وأن تنفيذها يحقق مصلحة حيوية عامة، ولذلك فإنه بعد الموافقة على الاعتمادات المالية لهذه المشاريع يتعين على الجهات الحكومية المعنية أن تقوم بأداء المهام المنوطة بها وتستعمل المبالغ المعتمدة في الميزانية في تنفيذ المشاريع التي خصصت هذه المبالغ من أجل إنجازها وتنفيذها. لكن المواطن لا يستطيع من الناحية القانونية مقاضاة الجهة الحكومية المعنية إن هي لم تطرح المشروع للمنافسة العامة وإجراء التعاقد لتنفيذه رغم وجود الاعتماد المالي، فالمستقر عليه في فقه القانون الإداري المقارن أن اعتماد المبالغ اللازمة للصرف على أداء عمل أو تنفيذ مشروع معين لا يلزم الجهة الحكومية المعنية بإجراء المنافسة والتعاقد على تنفيذه، فالجهة الحكومية تستطيع أن تتريث أو تؤجل تنفيذ المشروع أو تعدل عن إبرام العقد إذا كانت دواعي المصلحة العامة تدعو إلى ذلك، فوجود الاعتماد المالي هو إذن بالصرف لكنه ليس ملزماً لمن تقرر له ذلك الاعتماد أن يصرف منه، بل إن نظام المنافسات والمشتريات الحكومية السعودي أعطى الجهة الحكومية صلاحية إلغاء المنافسة بعد إجرائها أو تأجيل البت فيها. ولتوضيح هذه المسألة أشير في البداية إلى أنه طبقاً للمادة الثانية عشرة من نظام المنافسات والمشتريات الحكومية تكون مدة سريان العروض في المنافسات العامة 90 يوماً من التاريخ المحدد لفتح المظاريف، وأن المادة العشرين من النظام المذكور أوجبت على الجهة الحكومية البت في العروض المشار إليها في المادة الثانية عشرة ثم أجازت الفقرة (أ) من المادة الخامسة والعشرين من النظام المذكور للجهة الحكومية أن تلغي المنافسة للمصلحة العامة أو لمخالفة إجراءاتها أحكام النظام أو لوجود أخطاء جوهرية مؤثرة في الشروط والمواصفات، وتكون صلاحية الإلغاء للوزير المختص أو رئيس الدائرة المستقلة، وقررت الفقرة (ب) من المادة المذكورة آنفاً أن ترد لأصحاب العروض قيمة وثائق المنافسة في حالة الإلغاء لأسباب تعود للجهة الحكومية، كما أن المادة الحادية والعشرين من النظام المذكور حددت حالات أخرى يجوز فيها للجهة الحكومية إلغاء المنافسة حيث نصت على ما يلي: (يجوز للجنة فحص العروض التفاوض مع صاحب أقل عرض مطابق للشروط والمواصفات ثم مع من يليه من المتنافسين في الحالتين التاليتين.
أ - إذا ارتفعت العروض عن أسعار السوق بشكل ظاهر تحدد اللجنة مبلغ التخفيض بما يتفق مع أسعار السوق، وتطلب كتابياً من صاحب العرض الأقل تخفيض سعره، فإن امتنع أو لم يصل بسعره إلى المبلغ المحدد، تتفاوض مع العرض الذي يليه وهكذا. فإن لم يتم التوصل إلى السعر المحدد تلغى المنافسة، ويعاد طرحها من جديد.
ب – إذا زادت قيمة العروض على المبالغ المعتمدة للمشروع، فيجوز للجهة الحكومية إلغاء بعض البنود أو تخفيضها للوصول إلى المبالغ المعتمدة بشرط ألا يؤثر ذلك في الانتفاع بالمشروع أو ترتيب العروض وإلا تلغى المنافسة.
كما أن المادة الرابعة والعشرين من النظام المذكور قررت أنه إذا لم يقدم للمنافسة إلا عرض واحد، أو قدمت عدة عروض واتضح أنها غير مطابقة للشروط والمواصفات - عدا عرض واحد - فلا يجوز قبول هذا العرض إلا إذا كانت أسعاره مماثلة للأسعار السائدة، وكانت حاجة العمل لا تسمح بإعادة طرح المنافسة مرة أخرى، وذلك بعد موافقة الوزير المختص أو رئيس الدائرة المستقلة).
كما أجازت المادة (41) من اللائحة التنفيذية لنظام المنافسات والمشتريات الحكومية تأجيل البت في ترسية المنافسة إذا لم نتمكن من البت في الترسية خلال مدة سريان العروض، شريطة أن تشعر أصحاب العروض رغبتها تمديد مدة سريان عروضهم لمدة 90 يوماً أخرى، وأن على من يوافق من أصحاب العروض على التحديد، تمديد ضماناتهم وإبلاغ الجهة الحكومية بذلك خلال أسبوعين من تاريخ الإشعار بطلب التمديد، ومن لم يتقدم خلال هذه المدة، يعد غير موافق على تمديد عرضه، ويعاد له ضمانه الابتدائي.
تبقى في الختام الإشارة إلى أنه إذا كانت القاعدة القانونية أن الاعتماد المالي هو إذن بالصرف لكنه ليس ملزماً لمن تقرر له ذلك الاعتماد أن يصرف منه، إلا أن التقاعس في تنفيذ المشاريع رغم وجود الاعتماد المالي بدون عذر قانوني أو سبب يتعلق بالمصلحة العامة يجعل الوزير المختص أو رئيس المصلحة الحكومية المستقلة مسؤولاً عن ذلك التقاعس والتقصير أمام ولي الأمر إعمالاً للمادة (58) من النظام الأساسي للحكم التي نصت صراحة بأنه (يعتبر الوزراء ورؤساء المصالح المستقلة مسؤولين أمام رئيس مجلس الوزراء عن الوزارات والمصالح التي يرأسونها).
تجدر الإشارة هنا إلى أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حث الوزراء بمناسبة صدور الميزانية العامة الجديدة على إنجاز البرامج والمشاريع التي رصدت من أجلها المبالغ المعتمدة في الميزانية بكل دقة وإخلاص وسرعة مشدداً على الوزراء ورؤساء الأجهزة الحكومية المتابعة الدقيقة لما ينفذ دون أي تقصير أو تهاون والاستشعار الدائم للمسؤولية والأمانة التي تحملوها أمام الله ثم أمام الملك، كما حث خادم الحرمين الشريفين الأجهزة الرقابية على القيام بدورها على أكمل وجه وأن ترفع إليه التقارير أولاً بأول.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي