البنك الدولي والاهتمام بالمالية الإسلامية

تناقلت وكالات الأنباء والصحف, منها صحيفة ''الاقتصادية'' في عددها خبرا عن أحد المسؤولين في البنك الدولي قوله: إن البنك يعتزم دعم الهيئات المعنية بوضع معايير قطاع التمويل الإسلامي في تحويل معاييرها الاختيارية إلى قواعد بنكية ملزمة.
هذا الخبر جاء بعد الاهتمام الذي تحظى به المالية الإسلامية, خصوصا بعد الأزمة المالية العالمية، والاهتمام غير المسبوق بهذا القطاع, حيث إنه في آخر تقرير أصدره ''ذا بانكر'' ذكر أن حجم النمو للمصرفية الإسلامية هذا العام تجاوز 28 في المائة.
والحقيقة أن هذا القطاع ينمو بشكل متسارع على مستوى العالم, حيث إن كثيرا من دول العالم تفتح أبوابها مشرعة لتسهيل استقطاب المالية الإسلامية، خصوصا أنه بعد الانتشار الكبير للأدوات المالية الاستثمارية كالصكوك التي تسهم في تمويل الشركات الكبرى، بل حتى الدول.
ويبقى أن نتساءل: هل سيكون من السهل وضع معايير وقواعد بنكية ملزمة للمؤسسات المالية الإسلامية في الوضع الحالي, خصوصا بعد الجدل الكبير الذي تشهده المالية الإسلامية اليوم؟
الحقيقة أنه ومن خلال النظر في الآراء التي تتحدث عن المالية الإسلامية نجد أن هناك جدلا واسعا من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ففي الوقت الذي يرى البعض أنه لا يمكن أن تكون هناك مصرفية إسلامية، مثلها مثل الخمر ولحم الخنزير لا يمكن أن تكون حلالا بأي حال. يرى البعض الآخر أن النموذج التقليدي نموذج جائز التعامل معه وليس هناك ما يستدعي وجود مصرفية إسلامية في ظل وجود مصرفية تقليدية ليس هناك ما يستدعي عدم التعامل معها.
ولعله مع وجود هذا التباعد في الرأيين إلا أن هناك قاسما مشتركا بينهما وهو أن وجود مفهوم المالية الإسلامية غير وارد, إذ إنه ليس هناك ما يميزها عن التقليدية، سواء بالإباحة أو التحريم.
لكن في الحقيقة أن هذين الرأيين لم يكن لهما تأثير في وضع المالية الإسلامية ونموها وانتشارها، حيث إنه يتوقع خلال فترة وجيزة ستصل أصولها إلى تريليون دولار، واهتمام البنك الدولي بوضع المالية الإسلامية، يدل على أن المالية الإسلامية بدأت تأخذ بعدا دوليا.
أما ما يتعلق بالأمر الآخر, وهو أن هناك فعلا جدلا كبيرا بين فقهاء المالية الإسلامية ومدارس مختلفة تؤثر في وضع المعايير والقواعد المنظمة لعمل المالية الإسلامية، وذلك في الأساس ناشئ عن الاختلافات الفقهية للمدارس الفقهية المختلفة التي تؤثر بشكل كبير في الآراء المتعلقة بالأدوات المالية الإسلامية. كما أن التصورات المختلفة للهيئات الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية يؤثر بشكل كبير في هذه القضية، فإذا كان, كما سبق, هناك آراء متشددة في المالية الإسلامية, التي ترى تحريمها وآراء متساهلة جدا في هذا الموضوع التي ترى أنه ليس هناك ما يستدعي وجود المالية الإسلامية في ظل أن المالية التقليدية في الأساس جائز التعامل معها. فما سبق لا يعني أن من توسط بين هذين الرأيين يتفقون على رأي واحد، ليس في الشريعة الإسلامية ما يلزم شخصا برأي واحد ما دامت هناك سعة، ولديهم ما يبرر أقوالهم من أدلة الكتاب والسنة وأقوال السلف، خصوصا أن هذا المنهج سارت عليه الأمة الإسلامية منذ أمد بعيد ولم يكن الفقهاء في زمن من الأزمان يجمعون على رأي واحد إلا في مسائل قليلة جدا إذا ما قورنت بالقضايا الأخرى التي يختلف فيها الفقهاء.
ومع ما سبق فإن هناك جهودا من قبل عدد من المؤسسات والمجامع في وضع شيء من المعايير مثل مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي والتابع كذلك لرابطة العالم الإسلامي، كذلك المعايير التي تصدرها هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، ومع وجود هذه القرارات والفتاوى إلا أنها ربما لا تستوعب جميع القضايا المتعلقة بالمالية الإسلامية، وفي الوقت نفسه لا تعتبر ملزمة للفقيه الذي لديه علم شرعي معتبر في نظر الفقهاء ما دام يرى رأيا تسنده فيه أدلة من الكتاب والسنة ولم يشذ عن إجماع العلماء. ولذلك قد يكون من الصعب الإلزام بآراء محددة لهذا القطاع وهو المالية الإسلامية، خصوصا أن هذا القطاع يشهد قضايا كثيرة ومتجددة وتختلف فيها الآراء.
ولكن من المتصور أن يكون وضع آليات لعمل المالية الإسلامية، تعزز جانب الشفافية في عمل المالية الإسلامية، بحيث يكون من الواضح لكل من يبحث في هذا المجال أن يطلع على كل عملية تمارسها المؤسسات المالية، خصوصا المعاملات التي تتم مع الأسواق الدولية.
من الأمور المهمة أيضا أن يكون هناك تنظيم لما يتعلق بالهيئات الشرعية إذ إنه يغلب عليها العمل الأشبه بالفردي وغير المؤسسي، وهذا أدى إلى عدد من العيوب في هذا المجال، حيث إن معايير اختيار الهيئات الشرعية في بعض المؤسسات لا يتم بشكل يهتم بتحقيق رؤية فعلا مدروسة وأخذت حقها من البحث.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي