التعليم الإلكتروني وأرقام خيالية

استوقفني أحد طلبتي وسألني عن ميزانية مشروع بلغت نحو (مائتي مليون ريال) لجامعة كبرى تخص التعليم الإلكتروني، وتم الإعلان عنه بوقتٍ ليس ببعيد، ولعلمه باهتمامي الشخصي والمهني بالتعليم الإلكتروني، عما إذا كنت أرى أن السعر مبالغ فيه وغير واقعي، فكان جوابي للطالب بأن هذا المبلغ غير مستغرب لبيئة العمل في المملكة؛ والسبب في ذلك هو أن معظم القائمين على المشاريع لديهم كثير من المشاغل التي تحرمهم من القدرة على الإبداع في التفكير، وفي اعتقادي أن هذا المشروع بالذات له أطراف ومستخدمون كثر، بحيث لا يرغب المسؤول الأول عن المشروع (أو ربما لا يجد الوقت) لعمل التنسيق بين جميع الأطراف المعنية (وذلك في حد ذاته عمل مجهد نفسياً وجسدياً)، وبالتالي يتم التعاقد مع شركة تقوم بجميع المهام، وتأخذ أضعاف التكلفة الحقيقية للمشروع، إضافة إلى استنزاف ميزانية المنشأة التعليمية في المستقبل، حيث إن الشركة تحرص على عدم نقل المعرفة للمستفيدين فيتم استدعاؤهم لاحقاً عند الرغبة في القيام بأي عمل مهما صغر.
وبما أن كثيرا من الجامعات والكليات في المملكة العربية السعودية تتجه إلى استخدام التعليم الإلكتروني، فإنه لا بد من تطبيق ذلك بشكل صحيح، والذي بدوره سينعكس على القيمة المالية للمشروع، ومن وجهة نظري فإن الخطوات الضرورية لتطبيق التعليم الإلكتروني تتلخص فيما يلي:
1. التركيز على نقل المعرفة: وتشمل هذه النقطة خلق نواة التعليم الإلكتروني من ضمن أساتذة الجامعة بحيث يكونون رواداً في هذا المشروع، كما أن تحويل المواد التعليمية يجب أن يكون من خلال أساتذة المادة وليس عن طريق الشركة المنفذة، لأن قيمة تحويل المادة الواحدة إلى محتوى إلكتروني تكلفته ما يقارب 200,000 ريال، بينما لو تم عمل المواد من خلال أساتذة المادة فإن التكلفة ستقل بشكل كبير جداً.
2. التدرج في التنفيذ مع عدم التأخير لا بد من البدء بمواد قليلة تتعرف بها المنشأة التعليمية على الصعوبات التي من الممكن أن يواجهها المشروع في المستقبل، ومن الأسهل للمنشأة التعامل مع صعوبات لعدد قليل من المواد بدلاً من فشل كامل للنظام في حالة تطبيقه على جميع المواد، وخلال تلك العملية يتم عمل ورش عمل لتوعية العاملين على النظام من الهيئة التعليمية كأداة لإدارة التغيير.
3. إشراك رأس الهرم الإداري والمالي في جميع القرارات مع عمل ورش عمل خاصة بذلك لكسب دعمهم ولتقليص الفجوة فيما بين الخطط الاستراتجية الموضوعة مسبقاً والمشاريع التنفيذية، كما يكونون على اطلاع مستمر بالعوائق والصعوبات التي من الممكن أن تحدث خلال التنفيذ ليساعدوا على تخطيها.
أتمنى ألا يكون التعليم الإلكتروني موضة يركض خلفها الجميع لتحقيق أهداف إعلامية، بل أن يكون الطالب هو الفلك الذي تدور حوله جميع مشاريع الجامعات والكليات، كما أن تطبيق التعليم الإلكتروني ليس هدفاً، ولكنه وسيلة للارتقاء بمستوى الطالب، وإضافة كبيرة للمعلومات التي قد تساعد الطالب على تأهيله للحياة العملية بعد التخرج. ولا يخفى على الجميع أن كل هذه الإمكانات لم تكن لتتوافر لولا دعم وتشجيع مباشر من مولاي خادم الحرمين الشريفين الذي أعطى التعليم والقائمين عليه كل ما يحتاجونه من موارد مالية ومعنوية (جعل الله ذلك في ميزان حسناته).

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي