المياه والغذاء ومنتدى الرياض الاقتصادي

أرجو أن تكون كارثة السيول التي حلت بنا في محافظة جدة قد أيقظت فينا شعور عدم الاستهانة بالتحديات التي تواجه مجتمعنا في قضايا مصيرية, وأن يعقل الآن كل من كان يقلل من خطورة هذه التحديات أو يستهين بخطورتها أو يعتقد أنه ما زال هناك فسحة من الوقت للنظر فيها، أن عدم بلوغ هذه الاختناقات والتحديات مستوياتها المتفجرة لا يعنى بحال أنها لن تنفجر في يوم ما. فكل خطر قائم آتٍ لا محالة إن لم نتصد له بالدراسة الجادة والتخطيط الفاعل وبالعزم والحزم اللازمين.
ولعل واحدة من أهم هذه التحديات تلك المتعلقة بندرة المياه والغذاء. إن حاجة بلادنا للاستفادة من كل قطرة ماء غدت أمراً ظاهراً، فهي واحدة من أكثر المناطق جفافا وتصحرا في العالم. وكان التقرير الأخير للمجلس القومي للاستخبارات في الولايات المتحدة، الذي ينشر كل خمس سنوات، قد خلص إلى أن نقص المياه المتوقع في منطقتنا سيكون أحد أهم عوامل الصراع وعدم الاستقرار فيها! وعلينا أن نأخذ مثل هذه الدراسات والتقارير التحذيرية بكل ما تستحقه من جد واهتمام. ذلك أن تأخرنا في الاستعداد لما تدل عليه المؤشرات، لا يعيننا على التخطيط المبكر اللازم للتصدي لمثل هذه الأزمات، هذا إن لم يعمق مخاطرها، ويضيق فرص حلها في المستقبل.
تعددت المؤتمرات والمنتديات التي التأمت لمعالجة مشكلة ندرة المياه في منطقتنا، وجميعها أكدت خطورة المشهد وأوصت بضرورة وضع برامج إلزامية للمحافظة على هذه الثروة النادرة. منها ما جاء في توصيات المؤتمر الدولي الثالث للموارد المائية والبيئة الجافة، وكذلك ما جاء في المنتدى العربي الأول للمياه في عام 2008 م. وكان من ضمن أهم هذه التوصيات التأكيد على ضرورة استخدام مياه الصرف الصحي - بعد معالجتها بالتقنيات الحديثة - في ري المحاصيل الزراعية الحقلية لترشيد استخدام المياه. وقد سعدت عندما خصص القائمون على تنظيم منتدى الرياض الاقتصادي – الذي ستنطلق جلساته غدا - إحدى جلساته الأربع عن الأمن المائي والغذائي والتنمية المستدامة.
وكنا قد شاهدنا كيف ارتفعت أسعار الحبوب ارتفاعا قياسيا في عام 2008م، أدت إلى تفجر أشد الأزمات الغذائية منذ الحرب العالمية الثانية، وإلى اندلاع أعمال عنف وشغب في عدد من دول العالم. وأشارت وقتها تقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن متوسط أسعار الغذاء العالمية ستظل في العقد المقبل أعلى بنسبة 50 في المائة مما كانت عليه في السنوات العشر الماضية.
وكان من أسباب انخفاض إنتاج بعض المواد الغذائية وارتفاع أسعارها استخدام بعضها – كالذرة – في إنتاج الوقود الحيوي biofuels، عوضا عن استخدامه لإطعام ملايين الجياع من البشر. الأمر الذي دفع هيئة الأمم المتحدة في حينها لتوجيه نداء لجميع دول العالم لمد يد العون والتبرع بالأموال إلى جهاز الأمم المتحدة لمساعدة الدول الأشد فقرا. وهو البرنامج الذي استجابت له بلادنا آنذاك فقدمت دعما سخيا جدا مقداره 500 مليون دولار لمنظمة الفاو.
كما شكل مجلس الوزراء وقتها لجنة خاصة للنظر في هذه الأزمة، اجتمعت مع عدد من رجال الأعمال المعنيين بتجارة المواد الغذائية للنظر في سبل توفير الغذاء وحماية أمننا الغذائي. ولكننا نريد أن تنتهي هذه اللقاءات والمنتديات إلى برامج عمل محددة وملزمة تنفذ ضمن إطار زمني معين. لا نريد أن يأتي علينا وقت ندفع فيه ثمن تقاعسنا عن فعل ما كان يجب علينا فعله، سواء تعلق الأمر بترشيد استهلاك المياه وتطوير مصادرها، أو زيادة استثماراتنا الزراعية محليا وخارجيا. والوضع الغذائي لعالمنا العربي محرج، فنحن نحصل على حاجاتنا الأساسية من الخارج، وفي ذلك تبعية سياسية لمزودي الغذاء. فالعرب يستوردون 45 في المائة من حاجاتهم من الحبوب، و67 في المائة من حجم استهلاك السكر، إضافة إلى 51 في المائة من الزيوت، و30 في المائة من الألبان. وقد بلغت فاتورة الوطن العربي الغذائية نحو 30 مليار دولار خلال عام 2008م، وهي مرشحة للارتفاع. الماء والغذاء عصب الحياة، والأفواه تزيد ومواردنا نادرة، ولا بد من إدارتها بكفاءة عالية اتقاءً تفجر الأزمات الطاحنة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي