خطوات تاريخية في المسيرة

تحتضن دولة الكويت هذه الأيام الدورة الثلاثين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في ظل أحلام مشروعة وطموحات منشودة لأصحاب الجلالة والسمو وأبناء المنطقة في تحقيق تلك الأحلام وترجمة تلك الطموحات، ونحن هنا على يقين بأن كلمة أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس قادرة على الوصول بسفينة مجلس التعاون ومسيرة التكامل الخليجي إلى مرحلة جديدة وطموحات أكيدة هي تحقيق المزيد من الخطوات التاريخية التي ينشدها أبناء الوطن.
ولقد جاء قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية في عام 1981م استجابة طبيعية لرغبة شعبية من مختلف شرائح المجتمع بدول المجلس، وتجسيداً للإرادة السياسية الواعية لطبيعة الرغبة الشعبية وتطلعات أبناء المنطقة، ولطبيعة التحديات الداخلية والخارجية التي تستوجب وجود كيان قوي يحفظ مكتسبات الماضي ويجسد متطلبات الحاضر ويترجم استحقاقات المرحلة المقبلة.
إن المقومات والسمات المشتركة لدول المجلس، ولا سيما المسوغات الاقتصادية، قد ساهمت وبشكل كبير في دعم الرغبة في تحقيق التعاون ثم التكامل الاقتصادي، لذا من الطبيعي أن تكون الاتفاقية الاقتصادية التي صدرت في قمة أبو ظبي 1981م أول القرارات الصادرة من قبل قادة دول المجلس, إضافة إلى الخطوات والمساعي الجادة على الصعيد الاقتصادي والتي تجسدت في التوصل إلى عديد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية الثنائية والجماعية، كما تم تشكيل عديد من هيئات ومؤسسات العمل الاقتصادي المشترك، فضلاً عن عقد عديد من الاجتماعات الثنائية والجماعية على مختلف المستويات، كما كان التنسيق قائماً بين دول المنطقة في علاقاتها الاقتصادية والتجارية تجاه العالم الخارجي.
وترجمت تلك المحاولات والجهود الحثيثة التي سعت إليها دول المجلس قبل قيام منظومة مجلس التعاون مدى عمق العلاقات الاقتصادية والتجارية، وكثافة التفاعلات والاتصالات على المسار الاقتصادي بين أبناء دول الخليج العربية. لقد ظل هاجس التعاون راسخاً في أذهانهم كحلم يراودهم، طالما تطلعوا إلى ترجمته إلى واقع حقيقي ملموس وبقيت الرغبة في إيجاد صيغة موحدة للتعاون حاضرة دوماً في أذهانهم، ولا سيما في ظل الشعور القوي بالانتماء إلى منطقة واحدة وتاريخ مشترك وآمال وطموحات مشتركة نابعة من روح الولاء والانتماء وهي انعكاس لقناعاتهم بأن وجودهم، وتحقيق أمنهم، واستقرارهم، يعتمد على وجود كيان واحد يجمعهم، ومصير مشترك يوحدهم.
وترسخت هذه القناعة لدى قادة وأبناء دول المجلس من طبيعة السمات المشتركة وما يجمعهم من عادات وتقاليد وأعراف متشابهة، وصلات تاريخية وعوامل جغرافية والتي عززتها اعتبارات ومسوغات عديدة، فازدياد التنسيق الاقتصادي بين دول المنطقة يؤدى إلى التقليل من الازدواجية في المشاريع الاقتصادية الكبيرة، وبالتالي إزالة احتمالية التنافس غير الإيجابي بين هذه الدول، كما أن قيام تعاون اقتصادي إقليمي يعد عاملا أساسيا نحو تحقيق الهدف الاقتصادي بتنويع القاعدة الإنتاجية لهذه الاقتصاديات على المدى البعيد ويحد من التأثير غير الإيجابي في التشابه الهيكلي لهذه الاقتصاديات, فضلاً عن أهمية ذلك في توسيع رقعة السوق لتستوعب صناعات المنطقة، والتحول من اقتصاديات الحجم الصغير إلى اقتصاديات الحجم الكبير كي تصبح قادرة على إنتاج سلع أكثر تنوعاً وأكبر حجماً وأكثر قدرة على التنسيق والتنافس تجاه العالم الخارجي ومن شأن هذا التعاون المشترك أن يحرر اقتصاديات المنطقة من التبعية الأجنبية للأسواق العالمية والاقتصاديات الأجنبية.
إن وجود اقتصاد كبير من خلال التكامل الاقتصادي، ولا سيما في ظل وجود اتحاد جمركي موحد وسوق خليجية مشتركة، يعني التخلص تدريجياً من الآثار السلبية للتباين النسبي في البنية الاقتصادية لدول المجلس، وإن اتخاذ المزيد من الخطوات التكاملية يقدم نظاماً تعويضياً لتحسين اقتصاديات هذه الدول وتوسيعها وتطورها وتناميها، إضافة إلى أن قيام التعاون والتكامل الاقتصادي بين دول المنطقة يعزز من القدرة التفاوضية لها ويوحد موقفها من الدول والتكتلات والتحالفات الاقتصادية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي