تم اكتشاف مصنع سري لتخصيب اليورانيوم تم بناؤه في منحدر جبلي في مجمع عسكري محصن جيدا خارج مدينة قم. وهو انتهاك صارخ لاتفاقيات الضمانات الوقائية النووية والوعود المقدمة حين وقعت إيران معاهدة حظر الانتشار النووي. وتواجه إيران هذا بثقة، محاولة خداع المفتشين وإيهامهم أنه ليس هناك شيء أكثر من ذلك. وأعلنت بتحد عن ''حقوقها النووية'' في هذه الجهود ''المدنية'' التي ليس لها هدف، كما تقول، أكثر من مجرد توفير الكهرباء للإيرانيين.
وهذه قصة مألوفة إلى حد يثير الكآبة بالنسبة للدبلوماسيين من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين. واستجابة إيران اللامبالية العدائية تجاه اكتشاف مصنع فوردو - الذي أبلغ عنه مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية، هيئة المراقبة النووية التابعة للأمم المتحدة، بوصفه ''في مرحلة متقدمة من البناء''، مجهز بكل شيء باستثناء تركيب أجهزة الطرد المركزي - هي الاستجابة نفسها التي استخدمتها بعد الكشف عن مصنع التخصيب الآخر الذي كان سريا، في ناتانز عام 2002.
وتتساءل روسيا والصين الآن عما يجب فعله لاحقا، وهما الدولتان الأشد معارضة حتى الآن لفرض عقوبات أكثر صرامة على إيران بسبب تحديها النووي. وقال أحد كبار الدبلوماسيين الروس هذا الأسبوع: ''لن نقف جانبا متفرجين'' إذا وافق الآخرون على العقوبات. ومن المقرر أن يجتمع الدبلوماسيون من الدول الست في منتصف كانون الأول (ديسمبر) للبدء بدراسة الوضع بدقة.
إن ما تغير خلال السنوات السبع من عام 2002 حتى عام 2009 ليس مطمئنا على الإطلاق. فقد حققت إيران تقدما كبيرا في خططها لتخصيب اليورانيوم. فهناك في ناتانز نحو 8.000 جهاز طرد مركزي للتخصيب (من أصل 54.000 جهاز مخطط له)، على الرغم من أن نصفها تقريبا فقط تدور بغاز اليورانيوم. وقد تراكم لديها مخزون بنسبة 5 في المائة من اليورانيوم المخصب، والذي إذا انسحبت إيران من المعاهدة وقامت بتخصيبه أكثر إلى نسبة 90 في المائة التي يمكن استخدامها لصنع القنابل (وهو أمر سهل مقارنة بتحقيق نسبة 5 في المائة الأولى)، سيكون كافيا لتصنيع قنبلة، وسيكون قريبا كافيا لتصنيع قنبلتين. وفي الوقت نفسه، يشك المفتشون أن يكون لدى إيران مواقع سرية أخرى. ولديهم الكثير من الأدلة التي تشير إلى أن إيران صنعت رؤوسا حربية، إضافة إلى التجارب الأخرى التي لا يمكن أن يكون هدفها سوى تصنيع سلاح نووي، أو التمكن من تجميع سلاح نووي بسرعة.
إلا أن إيران ترفض الإجابة عن أسئلتهم، وتهدد الآن بزيادة جهود التخصيب عشرة أضعاف. وربما هذه زيادة مبالغ بها، حيث يبدو أنه ليس لديها ما يكفي من خام اليورانيوم، وكذلك الفولاذ عالي المقاومة لتنفيذ التوسع المزمع في ناتانز. ولكنها تتقدم بسرعة.
ويلمح البعض في طهران إلى أن الدولة قد تنسحب من معاهدة حظر الانتشار النووي تماما. وقال علي لاريجاني، رئيس البرلمان والمفاوض النووي السابق إن البقاء فيها أو الانسحاب ''لا يشكل فرقا''. إلا أن رئيس الوكالة الذرية الإيرانية عارضه على الفور، حيث قال إن السبب الوحيد للانسحاب من المعاهدة هو تطوير أسلحة نووية، وإن هذه ستكون ''خطيئة''. ومجرد احتمالية ذلك يقرب العالم خطوة أخرى إلى الخيار الكارثي الذي اقترحه الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، عام 2007: قنبلة نووية إيرانية، أو قصف إيران.
اليد الممدودة
ومن المأمول أن يكون هذا العام مختلفا. فمع وجود رئيس أمريكي جديد مستعد لتهدئة الأمور، يبذل الدبلوماسيون جهودا أكبر لاجتذاب إيران إلى المحادثات. وحين أعلنت إيران أخيرا أنها في حاجة إلى نسبة 20 في المائة من اليورانيوم المخصب لاستبدال قضبان الوقود في مفاعل الأبحاث الذي ينتج النظائر الطبية (والذي بنته أمريكا في طهران في الستينيات، حين كانت الظروف أفضل)، تم اقتراح صفقة تشمل أمريكا وروسيا وفرنسا والوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومعظم اليورانيوم منخفض التخصيب في إيران، الذي ليس له فائدة مدنية عملية لأنه ليس في إيران مفاعلات طاقة نووية عاملة يمكنها حرقه، سيتم إخراجه من الدولة، وتخصيبه في روسيا، وتحويله إلى قضبان وقود في فرنسا، ثم إعادته إلى إيران، كل هذا تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومن شأن إخراج معظم مخزون اليورانيوم من إيران إيجاد مساحة للتنفس، ولو لبضعة أشهر، لإجراء المزيد من المحادثات.
وكان هذا خطوة أولى نحو معرفة فيما إذا كان يمكن التوصل إلى اتفاق أوسع نطاقا. وبموجب هذه الاتفاقية، ستنهي إيران الأنشطة النووية التي لها إمكانات عسكرية إلى أن يتم استعادة الثقة. وفي المقابل، ستحصل على منافع مختلفة، بما في ذلك تحسين العلاقات السياسية والتجارية، وفتح المناقشات بشأن الأمن الإقليمي، بل وحتى التعاون بشأن التكنولوجيات النووية المدنية المتقدمة.
وفي البداية، كان يبدو أن الرئيس الإيراني الاستفزازي، محمود أحمدي نجّاد، ميال إلى ذلك. فقد رأى الصفقة باعتبارها وسيلة لإضفاء الشرعية على برنامج التخصيب الإيراني. ولكنه يتناقض مع سياسات إيران الغامضة وغير المستقرة، التي أصبحت أكثر تقلبا منذ إعادة الانتخاب المتلاعب بها لأحمدي نجّاد في حزيران (يونيو). فقد وجد الرئيس نفسه محاصرا بين الإصلاحيين والمتشددين، الذين نددوا جميعهم باستعداده لتصدير اليورانيوم المخصب الذي تم التوصل إليه بشق الأنفس. وانهارت الصفقة. وفي الثاني من كانون الأول (ديسمبر)، أعلن أحمدي نجّاد أن إيران ستحصل على اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة من تلقاء نفسها، عن طريق إنتاجه داخل الدولة.
وقد أحبط فشل صفقة الوقود والكشف عن مصنع قم الرئيس المنتهية ولايته للوكالة الدولية للطاقة الذرية، محمد البرادعي. وأشار البرادعي إلى أن موقع قم ليس غير قانوني فقط، بل ''يقلل الثقة'' أيضا بمزاعم إيران بأن ليس لديها منشآت سرية أخرى. ويثير مصنع فوردو أسئلة جديدة، بما فيها من أين يأتي اليورانيوم لمثل هذه العملية السرية. وهناك إجابتان محتملتان. فقد يأتي من خلال تحويل مخزونات اليورانيوم منخفض التخصيب من ناتانز، التي يمكن حينها تطويرها بسرعة إلى النوع الذي يمكن أن ينتج قنبلة. أو ربما هناك مصنع سري آخر يجهز هيكسافلوريد اليورانيوم (UF6)، المركب الذي يتم تطويره وتخصيبه كغاز في أجهزة الطرد المركزي، من خام اليورانيوم الإيراني. ويمكن استخراج خام اليورانيوم أو استيراده دون علم المفتشين، لأن إيران رفضت منحهم الصلاحيات التي يحتاجون إليها. وتقول إيران إن فوردو ليس سوى محاولة لتقليل احتمالات خسارتها في حال تم تدمير ناتانز. ولكنه يزيد الشكوك بأن إيران تسعى للحصول على خيار الانسحاب من المعاهدة.
مناقشة العقوبات
لقد صوت مجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية بواقع 25 - 3 ـ والأهم من ذلك بدعم من كل من روسيا والصين - لصالح معاقبة إيران على انتهاكاتها الأخيرة للضمانات النووية وإحالة المسألة، مرة أخرى، إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وحتى قبل اكتشاف الموقع في قم، كانت الدول الست قد اتفقت على منح إيران حتى نهاية العام الحالي قبل أن تقرر ماذا ينبغي فعله لاحقا. ولعله كان من غير المجدي من البداية التفكير بأن إيران، بما لديها من سجل طويل من الغش وكسب الوقت، ستأخذ مسألة التوصل إلى اتفاق على محمل الجد. والسؤال الآن هو فيما إذا كان هذا العام الذي حاولت فيه أمريكا إشراك إيران سيسهل إقناع روسيا والصين وغيرهما من المتشككين بضرورة فرض عقوبات أكثر صرامة.
وقد وافقت كل من روسيا والصين بالفعل على مجموعة من العقوبات المحدودة التي فرضتها الأمم المتحدة على إيران. وتستهدف هذه العقوبات حتى الآن أعضاء في الحرس الثوري وفروعه والشركات التي يسيطر عليها، التي يعتقد أنها متورطة في التجارة ذات الصلة بالأنشطة النووية. إلا أن كلتا الدولتين حريصتان على استثناء الأشياء التي لها القيمة الأكبر في تجارتهما مع إيران - الأشياء التي لو تم شملها ستجعل طهران تتنبه.
وبالنسبة لروسيا، يشمل هذا بيع الأسلحة التقليدية - مع أن التقارير التي تقول إنها رفضت تزويد إيران بالدفاعات الجوية S-300 المتقدمة، على الرغم من الاتفاقية السابقة لفعل ذلك، ستبدو ناتجة من الشكاوى الإيرانية. وتساعد روسيا إيران أيضا منذ عام 1995 على إكمال مفاعل الطاقة النووية في بوشهر. وقد عارضت أمريكا في البداية هذا المشروع، ولكنها غيرت موقفها حين وافقت روسيا على تزويد قضبان الوقود اللازمة وأيضا على استعادة الوقود المستهلك. ومنذ ذلك الحين، تتم الإشارة إلى المشروع كدليل على أن الغرباء لا يحاولون حرمان إيران من الطاقة النووية المدنية. إلا أن هناك حالات تأجيل متكررة، ولن يبدأ العمل في المفاعل حتى آذار (مارس). ومع انتهاكات إيران المتكررة للضمانات النووية، يبدو خيار فرض حظر على التجارة النووية جذابا بالنسبة للبعض.
ولدى الصين أيضا مصالح تجارية كبيرة في إيران، حيث تقدر قيمة عقود الاستثمار بنحو 120 مليار دولار. وتعتبر إيران بالفعل إحدى أكبر الدول المزودة للنفط للصين. ولن ترغب الحكومة في بكين في تعريض هذه الإمدادات للخطر - مع أن السعودية وبعض الدول الخليجية الأصغر، قد تساعد الصين على إيجاد إمدادات بديلة.
ولا تزال بعض الدول الأوروبية تتاجر بصورة كبيرة مع إيران أيضا، على الرغم من أن العديد من الشركات بدأت في التراجع. ومن الأصعب الحصول على الائتمانات المدعومة من الحكومة، فيما تم قطع العلاقات مع البنوك الإيرانية. إلا أن السبب الرئيسي لفعل هذا هو الضغوط من أمريكا. وحين كان أمام البنوك الخيار إما بالاستمرار في التعامل مع نظيراتها الإيرانية، أو الاحتفاظ بحق الدخول إلى الأسواق المالية الأمريكية الأكثر ربحية، تراجعت معظم تلك البنوك. إلا أن إيران وجدت في الخليج نفسه، وكذلك في آسيا، طرقا ملتوية للحصول على المستوردات التي تحتاج إليها، بما في ذلك البنزين.
وليست فقط المصالح التجارية هي التي تمنع روسيا والصين عن وضع عقوبات جديدة أكثر صرامة. فكلتاهما ترفض أن تكون له علاقة بالعقوبات على أية حال، بما أنهما تعرضتا لها في الماضي. وكلتاهما تشعر بالاستياء من تدخل أمريكا أحادي الجانب في العراق عام 2003. ولا ترغب روسيا على وجه الخصوص مساعدة أمريكا وإيران على إنهاء المواجهة بينهما، بما أن علاقاتهما الصعبة منذ الإطاحة بالشاه عام 1979 فتح الباب أمام النفوذ الروسي في المنطقة.
وقد أصرت كل من روسيا و الصين حتى الآن على أنه لا توجد أدلة دامغة على أن إيران تقوم بأي سلوك خاطئ. ولا تعتقد أي منهما أن صواريخ إيران تستهدفهما. وبدلا من ذلك، تحرص روسيا على الحفاظ على علاقات طيبة مع الجارة غريبة الأطوار التي قد تثير المشاكل، ولكن لم تفعل في الغالب، في المناطق الحدودية غير المستقرة في روسيا.
ومع ذلك، فإن أفعال إيران تجعل من الصعب بصورة متزايدة الدفاع عن استراتيجية عدم التدخل هذه. وكلما كان يبدو أن إيران أقرب إلى تحقيق طموحها النووي الذي تنكره، زاد توتر جيرانها الآخرين. وفي الواقع، تبدو الدول العربية أكثر قلقا بشأن القنبلة الفارسية من قلقها طوال الأربعين عاما الماضية بشأن الترسانة النووية المفترضة لإسرائيل. وقد كان خطر الانتشار الأوسع في الشرق الأوسط، وربما خارجه، وكذلك خطر أن تتصرف إسرائيل وحدها إذا لم يتم فعل شيء لكبح جماح إيران، هو ما ذكره أخيرا اثنان من كبار المسؤولين الأمريكيين في بكين لمحاولة إقناع الصين بتغيير موقفها بشأن العقوبات.
هل حان الوقت للضربة؟
وجاء في تقرير أمريكي ثنائي الحزب، من قبل اثنين من أعضاء مجلس الشيوخ السابقين وجنرال سابق في القوة الجوية، أن على الأمم المتحدة الآن التخطيط علنا لعملية عسكرية. ويقول Charles Wald، الجنرال، إن الإيرانيين ''لا يعتقدون حقا أننا سنفعل أي شيء ضدهم''. وتحاول أمريكا استمالة العالم الإسلامي، والانسحاب من العراق، وزيادة الجنود في أفغانستان. وكما قال الأميرال Mike Mullen، رئيس هيئة الأركان المشتركة لأمريكا، في الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر)، فإن ''آخر شيء ينقصني الآن هو صراع ثالث- حيث إننا نحاول حل الصراعين الحاليين''.
وقد تكون تهديدات إسرائيل بالعملية العسكرية أكثر مصداقية من تهديدات أمريكا. ففي عام 1981، قصفت مفاعل أوسيراك (تموز) لصدام حسين، وفي عام 2007، قصفت موقعا سوريا يشتبه أنه مفاعل نووي تحت الإنشاء. ويحلو لإسرائيل أن تقول إنه نتيجة لذلك، يدين العالم للدولة اليهودية دينا عظيما من الامتنان. (وعلى المنوال نفسه، ربما يجب توجيه الشكر لصدام حسين لأنه قصف مفاعل إيران في بوشهر في الثمانينيات). وفي العام الماضي، نفذت إسرائيل تمرينا عسكريا جويا طويل المسافة فوق اليونان كان يبدو تدريبا لشن عملية في إيران. وفي حزيران (يونيو)، أبحرت غواصة إسرائيلية تحمل صواريخ عبر قناة السويس. وفي الآونة الأخيرة، أجرت إسرائيل وأمريكا مناورات للدفاعات الصاروخية على نطاق واسع لإظهار قدرتهما على درء أي رد انتقامي محتمل من قبل إيران.
ما الذي يمكن أن يؤدي إلى شن عملية عسكرية، سواء من قبل أمريكا أم إسرائيل؟ هناك عدة احتمالات. قد يكون أحدها هو قرار إيراني بطرد المفتشين النوويين أو الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، كما فعلت كوريا الشمالية عام 2003 قبل صنع واختبار قنابل ذرية. أو قد يكون نمو المخزون الإيراني من اليورانيوم منخفض التخصيب إلى الدرجة التي يصبح لديها ما يكفي من المواد الانشطارية اللازمة للخروج من معاهدة حظر الانتشار النووي وإجراء اختبارات لأكثر من قنبلة واحدة. ولكن قد يكون هناك عامل آخر وهو تقديم الصواريخ الروسية S-300 المضادة للطائرات، الذي سيجعل قصفها أكثر صعوبة بكثير. ويمكن القول إن أكبر عامل استفزازي لشن عملية عسكرية هو الاعتقاد الجازم بأن الدبلوماسية وصلت إلى طريق مسدود.
ويتطلب الحصول على أسلحة نووية ثلاثة عناصر، هي المواد الانشطارية (مثل اليورانيوم عالي التخصيب أو البلوتونيوم)، ونظام تسليم، ورأس حربي. وتعطي مصانع التخصيب في ناتانز وقم وربما في مناطق أخرى إيران وسيلة لتحقيق اليورانيوم عالي التخصيب. فمفاعل المياه الثقيلة المخطط له في آراك سينتج كميات كبيرة من البلوتونيوم كمنتج فرعي، ولكن لن يتم استكماله لعدة سنوات.
وتعمل إيران على مجموعة من الصواريخ الباليستية. ويمكن لصاروخ شهاب - 3 الذي يعمل بالوقود السائل ويبلغ مداه 1.300 كم (810 ميل) أو أكثر أن يصل بالفعل إلى إسرائيل. وفي أيار (مايو)، اختبرت صاروخ سجيل الذي يبلغ مداه 2.000 كم. ويمكن إطلاق هذا الصاروخ، الذي يعمل بالوقود الصلب، في وقت قصير من منصات متحركة. ويمكن وضع قنابل ذرية على الطائرة أو حتى تهريبها عن طريق السفن. إلا أن الصواريخ هي الطريقة الأسرع والأكثر موثوقية لإيصالها.
وأخيرا، تعمل إيران أيضا على تركيب قنبلة داخل مخروط الصاروخ. فقد وجد مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية أدلة على أن لدى إيران تصاميم لصنع نصف كرات من اليورانيوم (المستخدمة في الرؤوس الحربية) وأنها اختبرت مشغلات فائقة السرعة، والتي ستكون ضرورية ''لتفجيرها'' وإجراء انفجار نووي. وجاء في تقييم استخباراتي أمريكي مثير للجدل عام 2007 أن عمل إيران في مجال الرؤوس الحربية توقف عام 2003، على الرغم من أن إسرائيل وبريطانيا وفرنسا تفند هذا. وجاء في ملحق سري لتقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية في وقت سابق من هذا العام أن إيران ''تملك معلومات كافية للتمكن من تصميم وإنتاج جهاز نووي تفجيري فعال على أساس اليورانيوم عالي التخصيب''. وتعمل أيضا على تركيب قنبلة على رؤوس حربية لصواريخ.
لذا فإن العائق الرئيسي لامتلاك إيران السلاح النووي هو توفر المواد الانشطارية. وإذا قررت الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي قد تحتاج إلى بضعة أشهر لتصنيع قنبلة، ولكنها ستخاطر بتعرضها لعملية عسكرية؛ وإذا قررت القيام بذلك بشكل سري، قد تحتاج إلى سنوات. وقد تختار إيران أن تتوقف عند آخر مرحلة من تصنيع القنبلة.
لقد تعلمت إيران من أفعال إسرائيل السابقة. فقد حرصت على تفريق ودفن منشآتها النووية لجعل ضربها أصعب. وخلافا لغارة إسرائيل ''دقيقتان فوق بغداد'' على مفاعل أوسيراك، ليس هناك موقع يسهل ضربه، بل قد يكون من الأصعب الآن إعاقة تقدم إيران لأن الوقت قد فات. ويشير اكتشاف مفاعل قم، وكذلك خطة إيران ببناء عشر مصانع أخرى للتخصيب، أنه قد يكون هناك المزيد من المواقع المخفية.
شهران فوق إيران؟
ولعل أفضل فرصة لوقف برنامج إيران بالطريقة العسكرية هو ضربة مبكرة على مصنع التحويل في أصفهان. ويحول هذا المصنع اليورانيوم إلى هيكسافلوريد اليورانيوم (UF6)، وهي الخطوة الأساسية الأولى قبل التخصيب. وهو فوق الأرض، وبالتالي أكثر عرضة للهجوم. وقد كان الجزء الأول من البرنامج النووي الذي تم استئنافه من قبل إيران عام 2005، وأنتج منذ ذلك الحين كمية كافية من هيكسافلوريد اليورانيوم (UF6) لصنع عشرات القنابل.
ويشير تقرير الشهر الماضي صادر عن مجلس العلاقات الخارجية الفكري في نيويورك أن إسرائيل قد تستهدف فقط ثلاثة أهداف: أصفهان وآراك وناتانز. ولكن لضرب أجهزة الطرد المركزي في ناتانز، المدفونة تحت عمق 23 مترا من التربة والأسمنت، عليها أن تستخدم العديد من قنابل اختراق التحصينات على شكل ''قنابل حافرة'': إسقاط قنابل مرارا وتكرارا على نفس الفجوة لحفر حفرة وصولا إلى أجهزة الطرد المركزي المحمية. ويعتقد التقرير أن فرصة نجاح استخدام ثلاثة قنابل ''لكل حفرة هدف'' هي 70 في المائة.
ومع ذلك، فإن الطلعات الجوية المتكررة والوقت اللازم لتنفيذ هذا سيتطلب على الأرجح قمع الدفاعات الجوية الإيرانية، مما يتطلب بالتالي المزيد من الطلعات الجوية، ربما المئات منها. وستعمل إسرائيل عند الحد الأقصى من مداها، حتى مع إعادة التزود بالوقود جوا، وسيكون عليها على الأرجح عبور المجال الجوي لدول أخرى. وقد لا تكون قادرة على الاستمرار في مثل هذه العملية. وهل سيعوق بالفعل شن هجمات على مواقع قليلة برنامج إيران النووي، أم يجعله يتواري عن الأنظار تماما؟
ويقترح الجنرال Wald أن العملية الإسرائيلية لن تكون أكثر من مجرد ''مناوشات''. وقد يكون هذا مزعجا بالنسبة للإسرائيليين، ولكن لن يؤكد الكثيرون أن القوة الجوية الأمريكية، التي تنتشر طائراتها على مقربة من إيران وعلى الرغم من قدرته على جلب حاملات طائرات، قد تقوم بالمهمة على وجه أدق. ومن غير المحتمل أن تفلت أمريكا من المسؤولية بسبب العملية العسكرية الإسرائيلية، لذا قد تشارك فيها أيضا، كما يقول البعض. وقد تستهدف العملية الأمريكية الأكبر المزيد من المواقع النووية وتدمر بعض الوسائل الانتقامية لإيران: مواقع الصواريخ والقواعد البحرية. وقد ترغب أيضا في توجيه ضربة ضد الحرس الثوري. وقد بدأ هذا السيناريو يبدو مثل حرب جوية كبيرة؛ فقد يتطلب الأمر شهرين، وليس دقيقتين، فوق إيران.
وإيران قادرة على إحداث أضرار كبيرة في الغرب في المقابل. ويمكنها إطلاق الصواريخ، وقد تضع عليها أسلحة كيماوية أو بيولوجية، على قواعد أمريكية أو على إسرائيل. وقد تهاجم المنشآت النفطية في الخليج، وتحاول خنق تدفق النفط عبر مضيق هرمز. وتعتقد البحرية الأمريكية أن مثل هذه الإعاقة للحركة ستكون مؤقتة. إلا أن القتال في المياه المحصورة للخليج يجعل السفن الحربية أكثر عرضة للهجمات المفاجئة والصواريخ المضادة للسفن.
وسيعتبر الكثير من المسلمين أي ضربة عسكرية على إيران بوصفها حربا أخرى على الإسلام. وقد تثير إيران حركات التمرد المناهضة لأمريكا عبر حدودها في العراق وأفغانستان. ويمكنها أيضا حث وكيلها في لبنان، حزب الله، وحركة حماس الفلسطينية، على استئناف حرب الصواريخ ضد إسرائيل. وتعترض إسرائيل بين الحين والآخر شحنات من الأسلحة الإيرانية إلى لبنان وغزة؛ وقد تم اعتراض الشحنة الأخيرة، التي تحتوي على مئات الأطنان من الصواريخ والقذائف ومدافع الهاون والقنابل اليدوية والأسلحة المضادة للدبابات التي يزعم أنها كانت متجهة إلى حزب الله، في الشهر الماضي من قبرص. ويمكن أيضا أن تلجأ إيران، من خلال حزب الله، إلى تكتيكات إرهابية في جميع أنحاء العالم.
ما الخيار الذي سيتم اختياره إذن: حرب مع إيران أم إيران المسلحة نوويا؟ إذا لم تحدث ثورة تجتاح النظام الإيراني وتطيح به - وتؤدي إلى نظام جديد يوافق على التخلي عن التكنولوجيا النووية، مثلما حدث في جنوب إفريقيا ما بعد الفصل العنصري - قد تكون العقوبات الأمل الوحيد لتجنب الخيار المرعب
