نظام عالمي جديد: ارتقاء الصين وتراجع الغرب
بينما يتحدث كثيرون فعلياً عن فكرة انتقال القوة من الغرب إلى الشرق، يأتي كتاب محفز على التفكير من قبل المؤلف مارتن جاك، بعنوان «عندما تحكم الصين العالم»، حيث يتمادى في الأمر أكثر بالادعاء أن الصين لن تزدهر في القرن الحادي والعشرين فقط، ولكن ستقوم بذلك على حساب الولايات المتحدة.
«أتوقع، وأعتقد أننا نشهد بداية هبوط في أمريكا كدولة تمارس سيطرة اقتصادية في العالم»، وأعتقد أن جزءا من الأزمة الحالية فعلياً، يكمن في عدم قدرة الولايات المتحدة بعد استدامة وضمان النظام الاقتصادي الدولي، حيث هي المهندسة المعمارية له وراعيته. وإنها مشكلة متجذرة، حيث إن المديونية تعني أنها غير قادرة على القيام بالأمر أكثر من ذلك، إذ إن المديونية متعددة الأوجه».
ومع ذلك، يعتقد أن الصين، رغم أنها لاعبة قوية، سوف تنجذب إلى هذه العملية «طوعاً أو كرها». وببراعتها الاقتصادية الحالية الفائقة، فإنها تُظهر إشارات، بعضها جادة، وسيتم لمس دلالات جذرية.
«وسيخسر الدولار مكانة عملة الاحتياطي في هذا السياق لأن أمريكا لا يمكنها أن تحافظ على ذلك الوضع، فقط لأن الأمر حدث في آونة مبكرة من القرن الماضي مع بريطانيا، وانهار نظام معيار الذهب، لأن بريطانيا كانت ضعيفة للغاية فيما يتعلق بالحفاظ على الاقتصاد في النهاية. وأعتقد أن الأمر نفسه سيحدث مع الولايات المتحدة، حيث يمكنك فعلياً أن ترى الإشارات الأولى لهذا الوضع. وأعتقد مع مرور الوقت أن الاستبدال الأرجح هو بروز عملة الصين الرينمنبي كعملة احتياطية».
ويتخذ الصينيون الخطوات الأولى لجعل الرينمنبي عملة قابلة للتحويل، وايقول جاك إنها «سوف تعمل على تآكل النظام القائم إجمالاً». وبينما تصبح الصين «حاملة ومحركة العالم الجديد»، كما هو موضّح في كتابه، يعتقد جاك، بكل ثبات، أن ارتقاءها لن يكون انعكاساً للغرب. «أعتقد أن هنالك، أو كانت هنالك، افتراضات غربية شائعة بأنه بينما تتحدث الصين، سوف تصبح تماماً مثلنا. والآن إذا كنت تعتقد أنها سوف تصبح تماماً مثلنا، عندها لن تكون إلا كما كانت، دولة غربية أخرى. وشخصياً، أعتقد أن هذا الأمر خاطئ تماماً».
ويصوغ الحالة في كتابه قائلاً إن الصين هي ثمرة التاريخ والثقافة، باشتراك ضعيف مع الغرب. ويضيف أن ذلك يحدث بالتقليل من أهمية تأثيرات التاريخ والثقافة، وتقليص العالم إلى نسيج من الاقتصادات والتكنولوجيا التي من الممكن الاستنتاج منها أن الصين سوف تصبح غربية.
وبالاستشهاد بمثال عن المعاناة العالمية، التي «على الأرجح ستتحرك الصين باتجاهها»، يعتقد جاك أن نتيجة الوضع المعقد سوف تكشف عن نفسها ليتبين أنها مختلفة عن الغرب، لأنه حتى في اليابان، وهي أول دولة آسيوية باقتصاد متكامل النمو، تظل فكرة الديمقراطية غير قائمة لدى السكان، ولكن لدى الحكومة.
«إن الحكومة الصينية هي قلب الصين، وكانت كذلك على مدار مئات الأعوام، إن لم تكن آلاف الأعوام. لذلك، أعتقد أن تطور المعاناة العالمية في مثل هذه الظروف لا تزال سوف تنتج كوكبة من القوة شبيهة بما ألفناه مع الغرب».
وبينما أصبحت الصين منفتحة بضراوة أكثر، وشفافة، حيث في كثير من المناطق لا يوجد حكم القانون، ولكن سيادة القانون»، وستكون الديمقراطية الصينية متشكلة إلى حدٍ كبير بإرث البلاد البالغ عمره خمسة آلاف عام. وذلك يعني أنه برغم أن الصين لديها مظهر التطور، فما زالت دولة نامية.
ويوضح جاك: «علينا أن نتذكر أن الصين مذهلة كنموها، أو كما كان، فهي لم تمض أكثر من نصف الطريق في عملية الثورة الصناعية، أو الانطلاقة الاقتصادية، أو أي مصطلح تريد وصف الأمر به».
«إن نوعاً من التحفيز العظيم لهذا النمو هو انتقال العمالة من الأرياف إلى المدن، ولا يزال الطريق طويلا للمضي فيه. ولهذا السبب، فإن الناس الذين يقولون «حسناً، ربما سنصل إلى حدود نمو الصين أو ربما سوف نصيب وضع اليابان»، خاطئون، لأننا لسنا في هذا الوضع. وإن الصين لا تزال دولة نامية إلى حدٍ كبير، ولا تزال أجزاء كبيرة منها فقيرة للغاية». فحتى في عام 2050، حيث كان بعض المحللين يتوقعون أن الاقتصاد الصيني سوف يكون ضعف حجم الاقتصاد الأمريكي، يعتقد جاك أن دخل الفرد في الصين بالكاد سيعادل نصف الولايات المتحدة.
إن ذلك على أية حال لا يبطل التوقعات الاقتصادية لـ «جولدمان ساتش»، و»برايس واتر هاوس كوبرز» وغيرهما التي ترى أن اقتصاد الصين سوف يتفوق بحلول عام 2027. ويسعى جاك بالكاد إلى القول إن الصين سوف تطلق السباق الخاص بها، وفقاً لشروطها الخاصة.
ومن أمثلته في ذلك تكتم الصين فيما يتعلق بمؤسستين ماليتين رئيسيتين: صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي. «لماذا على الصين أن تخصص مبالغ ضخمة من المال لمؤسسة ليس عليها سيطرة من قبلها؛ إنها لن تقوم بذلك. لقد قامت بإعطاء شيء ما بعد قمة المجموعة العشرين، وقد دفعت المال فيه. ولكنها لا تزال مؤسسة أمريكية غربية، وتخدم تلك المصالح».
«تماماً هي الحال مع البنك الدولي؛ إذا أخذت إفريقيا على سبيل المثال، فإن قروض الصين، والمساعدات المقدمة لإفريقيا تفوق تلك المقدمة من قبل البنك الدولي. لذا يمكنك أن ترى التحول يحدث، فقط البدايات منه، بالطريقة التي يعمل بها النظام الاقتصادي الدولي».
بالتالي، فإن الصين سوف تتمتع بنفوذ كبير في النصف الأخير من القرن الحادي والعشرين. ولكن هل ستكون قادرة على الحكم على الأمور مثلما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا كأبرز قوة مالية مهيمنة في العالم؟
«سوف يستغرق الأمر وقتاً طويلاً لأن الصين ليست في مركز يسمح لها بممارسة هذا النوع من الأدوار التي لعبتها الولايات المتحدة، لأنها دولة نامية. وإنه وضع جديد بالكامل. ففي الماضي، كان انتقال القوة في العصر الصناعي منذ آونة مبكرة من القرن التاسع عشر بين دول متقدمة نسبياً».
ومن ثم، ومن جديد، ونظراً إلى أن الصين تعد بأن تكون صاحبة نفوذ، ومختلفة بصورة جامحة، فمن الصعب مقاومة فكرة أنه في وقت ما، سوف يعمل بروزها على التبشير بولادة نظام دولي جديد.
«من الممكن أن تحصل على تغيّر بمسار مزدوج، وإعادة هيكلة بطيئة للمؤسسات القائمة، وبروز مؤسسات جديدة. ولكن في النهاية سوف يكون هنالك نوع جديد من الإطار العملي المؤسسي».