هل هو اقتصاد بلا منطق؟
من المنطق أن يكون لدى أي اقتصاد ينمو ويولّد ثروات كبيرة عبر العقود القدرة على حفظ هذه الثروات واستغلالها في تحقيق تنمية مستدامة عبر العقود تفيد المواطن ذاته الذي أسهم في توليد وإنتاج هذه الثروة. لكن بعد أن مررنا بعقود من التنمية لا يزال المواطن ذاته, رغم كل الجهود, غير قادر على حفظ الثروة ذاتها أو بمعنى آخر لا يزال اقتصادنا غير قادر على تخزين الثروة التي يولدها! عندما يكون أكثر من 70 في المائة من السعوديين مستأجرين ولا يملكون بيوتاً فهذا هدر للثروة لا يساعد على توزيعها بشكل سليم! وعندما تفتقد مدننا وقرانا البنى التحتية الأساسية التي تتوافر في دول أقل منا دخلاً وموارد ومساحة فإن هذا الاقتصاد بلا منطق! فكيف لنا استغلال ثرواتنا الطبيعية الهائلة وإنتاجها بفاعلية كبيرة نتج عنها دخل عال جداً وفي الوقت ذاته لا نقدر على تخزينه على مستوى المواطن العادي أو تخزينه في بنية تحتية تليق بدولة لها ثروات كبيرة قل من يملكها من دول المعمورة؟
التناقضات في هذا الاقتصاد كثيرة, فمنها وجود البطالة التي طالما كُتب عنها, ففحوى معضلتها تتمحور في تحويل مليارات الريالات خارج المملكة بفضل نسبة العمالة الأجنبية التي فاضت فوق الحاجة وسابت في شوارعنا في حين ما زلنا نعالج معضلة ربط كفاءة طالبي العمل بكفاءة التعليم والعكس ولا يزال الكثير من السعوديين خارج العمل. في وقت أصبحت اقتصاديات الدول لا تتحمل تبديد الموارد والثروات لا يزال الفساد الإداري يعصف بفرص اليوم ويمحو آمال الغد. بسبب قصر تجربتنا الإدارية وحداثة عمرها نجد فسادا وتخبطا ممتزجان ببيروقراطية متفشية اقترنت بتناقضات اقتصادية لم تعد المرحلة المعاصرة تتحمل اللا منطق في عملية إدارة مداخل ومخارج الاقتصاد التي لا تخزن فيها ثروة و لا تستثمر!
تجربتنا البشرية الإدارية المعاصرة لا بد أن تكون ركناً في ثقافتنا في المستقبل, لذا فإن تقييم مشاربها وتعديل توجهها أمر في غاية الضرورة. الإنسان هو محور التنمية وهو قلب التطور وهو روح التقدم, الإنسان السعودي, والمجتمع إجمالا, مشتت بين الصح الكامل والخطأ القاصم, بين مثالية المبادئ وواقع الواقع, بين الأفلاطونية وبين الاستغلالية, بين الوطنية وبين الفردية الأنانية! ما بين هذه التباينات فقدنا المقدرة على مراقبة النفس وتهاونا في مراجعة مسؤوليتنا الوطنية. مراقبة ومحاسبة المسؤول والمقصر والمخل مفاهيم لا بد لنا من تقويته وتعزيز حضورها في ثقافتنا. الدول التي تقل عنا موارد وثروة وتمتلك بنية تحتية متقدمة وصلت إلى ما وصلت إليه بفضل وجود شفافية ومحاسبة للمسؤولين. الدول تعمل من أجل المستقبل والمستقبل يتطلب توفير موارد مختلفة, خلق إدارة أكثر فعالية, إيجاد منطقية أكبر في العملية الاقتصادية وإدارة ثرواتها, وشفافية ومسؤولية أكبر في ثقافتنا الإدارية.
الاقتصاد لا يخزن ثروة اليوم للغد, فالمواطن غير قادر على حفظها في ظل دخله المتواضع وغير الموازي لمتطلبات السكن والمعيشة والادخار للمستقبل وخاصة في ظل الانفجار السكاني الكبير الذي سيسلب منا القدرة على توجيه وتنظيم وإدارة الاقتصاد فيدخلنا في معضلة أولويات الأولويات القصوى في حين أن كل شيء أولوية!