المالية العامة لأوروبا في وضع سيئ

المالية العامة لأوروبا في وضع سيئ

المالية العامة لأوروبا في وضع سيئ

الأمر السيئ بالنسبة للسياسيين بشأن الأخبار الجيدة عن الاقتصاد هو أنهم لا يعودوا قادرين على تجاهل حالة المالية العامة. وقد أظهرت الأرقام التي تم نشرها في الـ 13 من تشرين الثاني (نوفمبر) أن اقتصاد منطقة اليورو زحف خارجا من الركود في الأشهر الثلاثة حتى نهاية أيلول (سبتمبر). وارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.4 في المائة، وهي أول زيادة فصلية منذ أكثر من عام. وبالنظر إلى حجم الانكماش، فإن الانتعاش متواضع: كان الناتج المحلي الإجمالي لا يزال أقل بنسبة 4.1 في المائة عنه في العام الماضي.
ودمر هذا الركود العميق المالية العامة. وسيبلغ متوسط عجز الميزانية في منطقة اليورو من 16 دولة 6.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، ويرتفع إلى 6.9 في المائة عام 2010، وفقا لتوقعات المفوضية الأوروبية. وإذا لم يتم اتخاذ إجراءات لتخفيض العجز، سيرتفع الدين العام إلى 88 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2011، أي أعلى بنسبة الثلث عما كان عليه قبل الأزمة.
ويؤدي مزيج الاقتصادات الهشة والمالية العامة الضعيفة إلى إيجاد معضلة سياسات. فهناك خطر أن يخرج الدين العام عن السيطرة في النهاية ما لم يتم رفع الضرائب أو تخفيض الإنفاق. ولكن إذا تم سحب الدعم المالي بسرعة كبيرة، قد ينزلق الاقتصاد ثانية إلى الركود. وللتصدي لهذا، اتفقت دول الاتحاد الأوروبي مبدئيا على تشديد ''كبير'' للسياسة المالية، ولكن فقط ابتداء من عام 2011. ويؤمل أن يكون الاقتصاد بحلول ذلك الوقت قويا بما فيه الكفاية لتحمل ذلك.
وستلعب المفوضية دور المنسق والمراقب، على الرغم أنه من غير المعروف إلى أي مدى ستكون تعليماتها ملزمة. وفي الـ 11 من تشرين الثاني (نوفمبر)، اقترحت أن تقوم 13 دولة من دول الاتحاد الأوروبي التي تدير عجزا كبيرا بتخفيض العجز إلى أقل من 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2014 على أبعد تقدير. وسيدرس وزراء الاتحاد الأوروبي هذه الخطط في الثاني من كانون الأول (ديسمبر). وأمام الدول التي تعاني أسوأ المشاكل المالية عمل كثير للقيام به. فعلى إيرلندا مثلا رفع الضرائب أو تخفيض الإنفاق بقيمة 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي كل عام لمدة خمس سنوات لتحقيق الأهداف، كما تقول المفوضية. وفي المقابل، ستحتاج ألمانيا إلى التشديد بنسبة تبلغ 0.5 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي لمدة ثلاث سنوات.
وفرص استدامة إصلاح المالية العامة أكبر إذا اعتمدت على تخفيضات الإنفاق بدلا من زيادات الضرائب. إلا أنه سيكون من الصعب تطبيق هذا العلاج بصورة صارمة جدا، خاصة في الدول الأشد تضررا مثل إيرلندا وإسبانيا. وقد انخفضت الإيرادات الضريبية لأيرلندا بنسبة الثلث منذ عام 2007، أي أكثر بكثير من الانخفاض في الناتج المحلي الإجمالي البالغ 13 في المائة. أما في إسبانيا، فقد جفت الإيرادات المتأتية من ازدهار الإسكان - ضرائب القيمة المضافة على المنازل الجديدة وضرائب المكاسب الرأسمالية ورسوم المعاملات - ولن تعود ثانية.
ومن العوامل التي تسببت بالضرر أيضا التحول في كلا الاقتصادين بعيدا عن الإنفاق المحلي. فالنمو المدفوع بالصادرات له جاذبيته, ولكنه يقدم مساعدة أقل للمالية العامة حيث تكون ضرائب الإنفاق نسبة كبيرة من إجمالي الإيرادات. وكشفت فقاعات الإسكان التي انفجرت مدى هشاشة القاعدة الضريبية.
وقد شددت أيرلندا بالفعل السياسة المالية بنسبة تقارب 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي منذ تموز (يوليو) 2008، في خضم الركود العنيف. وستضع الحكومة خطط الميزانية لعام 2010 في التاسع من كانون الأول (ديسمبر)، ومن المتوقع أن تجد أربعة مليارات يورو من الوفورات أو الضرائب الإضافية لتخفيف العجز. وقد لفت تقريرها قبل الميزانية الانتباه إلى الزيادات الكبيرة في أجور القطاع العام والوظائف خلال العقد الماضي. وهذه إشارة قوية إلى أن تخفيضات الأجور هي بين الخيارات المطروحة. وتعتزم إسبانيا تخفيض العجز عن طريق زيادة ضريبة القيمة المضافة الرئيسية من 16 في المائة إلى 18 في المائة في تموز (يوليو) المقبل، بحيث تتخلص تدريجيا من الحسومات الضريبية وتقلص خطط الاستثمارات الصغيرة التي كانت جزءا من الحوافز المالية.

ما المرادف الفرنسي لتخفيض النفقات؟
والسبب في هذه الإجراءات الرامية لمعالجة المشاكل المتعلقة بالميزانية هو المخاوف من انتقام أسواق السندات أكثر من كونه المحاضرات التي تلقيها بروكسل. ويجب على أكبر الدول الأعضاء في منطقة اليورو الالتزام ببرنامج المفوضية إذا أرادت الحصول على النفوذ والأهمية. ويبدو Joaquin Almunia، مفوض الشؤون الاقتصادية للاتحاد الأوروبي، مرتاحا بشأن خطط الحكومة الألمانية الجديدة لتخفيضات الضرائب، على الرغم من أنها لم تكن جزءا من حساباته. ولدى ألمانيا قدرة إنتاجية ومصداقية كافية لتشديد سياستها في وقت متأخر عن الآخرين. وإيطاليا منضبطة بصورة ملحوظة. ولكون المستثمرين كانوا لعوبين للغاية خلال الأزمة، لا يمكن لإيطاليا تحمل إضافة الكثير إلى ديونها العامة الهائلة. وقد تجنبت أي حوافز مالية كبيرة في الركود، لذا أمامها مقدار أقل من العمل للسيطرة على العجز. وقد تزعج قيود المفوضية فرنسا أكثر من غيرها. وتريد بروكسل تشديدا ماليا تراكميا بنسبة 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2013. وربما تريد فرنسا تمديد الموعد النهائي. ولكنها ستكافح حتى لو تم منحها ذلك. فنسبة الإنفاق العام في اقتصادها هي الأعلى في منطقة اليورو. وستكون تخفيضات الاستحقاقات، وليس زيادات الضرائب، أفضل علاج لفجوة الميزانية. ولكن من الصعب تصور شن هجوم على الإنفاق الاجتماعي مع اقتراب الانتخابات العامة المقررة في 2012. وخبرة فرنسا في التقشف المالي ضئيلة جدا إلى درجة أن العجز بنسبة 3 في المائة يبدو احتمالا بعيدا.
والمشكلة الأكثر إلحاحا هي ما يجب فعله بشأن اليونان. فحكومتها الجديدة تقول الآن إن عجز الميزانية سيبلغ 12.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، أي أعلى بكثير من توقعاتها السابقة. والأسوأ من ذلك هو أن العجز العام الماضي بلغ نحو 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي - يبدو أن هذا يعود جزئيا إلى الفواتير غير المسددة للمزودين الطبيين. وعلى الفور، خفضت وكالة Fitch للتصنيف الائتماني درجة سندات اليونان من A إلى A- وحذرت من تخفيض درجات آخر إذا لم تحدد الحكومة الكيفية التي ستصحح من خلالها المالية العامة.
وأصدرت المفوضية حكمها بأنه ''لم يتم اتخاذ أي إجراء فعال'' من قبل اليونان لمعالجة العجز، وهو انتقاد يتوقع أن يصادق عليه وزراء الاتحاد الأوروبي الشهر المقبل. وستضع خطة عمل جديدة لليونان بحلول شباط (فبراير). ودون اتخاذ إجراءات تصحيحية، من المتوقع أن تصل الديون العامة إلى 135 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2011. إلا أن المستثمرين يبدون متفائلين: فعائد سندات اليونان لمدة عشر سنوات أدنى بكثير من 5 في المائة. ولعل هذا يعكس الافتراض القائل إن شركاءها في منطقة اليورو سينقذون اليونان إذا واجهت مشاكل. ويعني الغضب من استمرارها في التراخي أنه لا يمكن الاعتماد على هذا الافتراض.
والدول الأكثر ثراء تعاني ما يكفيها من المشكلات. فلا بد من تمويل الأموال التي تم توزيعها لجعل الركود أقل إيلاما - زيادات الأجور ومخططات الوظائف قليلة القيمة المصممة لتشغيل العاطلين عن العمل وإعانات شراء السيارات. وسيؤثر تخفيض الدعم المالي سلبا في الركود الذي بدأ ببطء كبير. وبالنظر إلى حجم التعديل المطلوب في بعض الدول، من الصعب الشعور بالتفاؤل فيما يتعلق باحتمالات النمو لمنطقة اليورو >

الأكثر قراءة