تطوير الجيل من قادة النشاطات العملية العائلية في الشرق الأوسط

تطوير الجيل من قادة النشاطات العملية العائلية في الشرق الأوسط
تطوير الجيل من قادة النشاطات العملية العائلية في الشرق الأوسط

يعتبر تطوير قادة ومالكين ذوي قدرات عالية واحدة من أشد المهام تحدياً لدى أي منظمة، بل هو أصعب حين يتعلق الأمر بمشروع عائلي في الشرق الأوسط، من حيث إن هذه المنطقة تواجه تعقيدات إضافية من كثير من تضارب أهداف النشاطات العملية مع أهداف العائلات، وكذلك هنالك توقعات أجيال مختلفة. وتولّد قوى البيئة، بما في ذلك القيم الاجتماعية المتغيرة، والتقنيات الجديدة، والمنافسة المتزايدة، والتهديدات السياسية، والقيود المادية، إضافة إلى ما سبق، مطالب أخرى لدى الشركات المملوكة من جانب العائلات، وقادتها المستقبليين.
ويعني كل ذلك أن أفراد الجيل المقبل من أعضاء العائلات يواجهون عوائق وهم يسعون إلى أن يصبحوا قادة تأسيس مشروعات، ومالكين من ذوي الكفاءات العالية. وهم بحاجة أولاً إلى الأداء بأعلى المستويات. وعلى قادة المشروعات العائلية هذه في المستقبل إظهار القدرات القيادية المتميزة، والقيام بعملهم كذلك كأي موظف في الشركة من خارج العائلة، وأن يمتنعوا عن إثارة أي حزازات، وألا يتسببوا في فقدان احترام قياديي العائلات. وعليهم ثانية أن يكتسبوا الاحترام والثقة من جانب آبائهم وأمهاتهم، وأزواجهم الذين يكونون في الغالب أشد منتقديهم.
أما الأمر الثالث، فإن عليهم إدارة التغيير بكفاءة، حتى لا ينظر الآخرون، وبالذات حملة الأسهم من خارج العائلة، إلى التغيير كتحد كبير لممارستهم أعمالهم التي اعتادوا عليها بأساليبهم التقليدية، كما يجب عدم تحدي العلاقات القائمة بينهم. وبينما تظل هذه الأمور بمثابة عوائق لأي جيل قيادي في شركات العائلات، فإنها سوف تكون ذات صعوبة خاصة فيما يتعلق بالجيل المقبل من هؤلاء القادة في النشاطات العملية العائلية في منطقة الشرق الأوسط.
إذا كان هؤلاء القادة نزيهين، فإنهم سوف يخبرونك بأن أشد مخاوفهم تتعلق بقلقهم من أن أطفالهم لن يكونوا معدين جيداً لمسؤوليات القيادة المتوقعة من جانب أي من أفراد العائلات المالكة للنشاطات العملية. ويتطلب نجاح القيادات العائلية كثيرا من أداء المهام الصعبة، حيث إن الفشل في ذلك يؤدي إلى كثير من الصراعات العائلية التي تعمل على تهديد حالة الانسجام، وكذلك مسألة استمرارية ملكية النشاطات العملية.
مع كل هذه الاعتبارات، فإن التحديات التي تواجهها الأجيال الحالية والمستقبلية من قادة النشاطات العملية ليست بالأمور المستحيلة التي لا يمكن تجاوزها.

## طبقة شبه نهائية جديدة من النشاطات العملية العائلية العالمية

تغيرت قواعد إدارة النشاطات العملية على الصعيد العالمي بصورة كبيرة مع بداية القرن الحادي والعشرين. وبينما تولّى المؤسسون الأول اتخاذ القرارات، والسيطرة على تدفق المعلومات، وإدارة طلب زيادة أداء العاملين، فإن على القادة الجدد لهذه المشروعات العائلية أن يعملوا على النزول بتسلسل القرارات عبر المستويات الإدارية المختلفة على صعيد الشركة ككل. وعليهم كذلك تشجيع المشاركة في المعلومات، وإنجاز المهام المطلوبة من خلال العمل الجماعي الذي تتولاه فرق العمل من خلال الإدارة الفاعلة والمرنة.
هنالك أربع مجموعات من المهارات الإدارية تتطلبها التطورات الحديثة في القرن الحادي والعشرين.

#2#

## مهارات إنشاء مشاريع

* اعمل على تحديد رؤيتك للنشاط العملي، وشارك الآخرين في ذلك.
* اعمل على توصيل رؤيتك، وكذلك أهدافك.
* اعمل على تطوير منتجات جديدة، وخدمات، وعلاقات، ومنظمات، وقنوات.

## مهارات تنفيذية

* قم بإدارة العلاقات المعقدة بين الشركة، وشبكة حملة أسهمها.
* اعمل على تأسيس أنظمة سيطرة، ومعلومات.
* خطط بصورة مستمرة، واعمل على حل المشكلات، واتخذ القرارات في وقتها المناسب تماماً.

## مهارات استراتيجية

* قم بإعداد خطط استراتيجية.
* اعمل على ضمان توفير الموارد، وكذلك تخصيصها.
* قيّم النتائج وقدّم مكافآت لذوي الإنجازات المميزة.
* اعمل على تعزيز الإدارة الجيدة، وأكِّد على أهمية المساءلة.

## مهارات قيادية

* اعمل على التعديل والتوازن، وتمكين العاملين معك من تعزيز قيمهم، ورؤاهم المشتركة.
* اعمل على تقوية وتفعيل إدارة رأس المال البشري والفكري.
* شجع ثقافة الإقدام على المخاطر، والإبداع، وممارسة المسؤولية الاجتماعية.
* طوّر الأشخاص وفرق العمل في مختلف أجزاء الشركة.
سوف تكون الشركات بحاجة إلى كل عناصر مجموعات المهارات الأربعة هذه خلال القرن الحادي والعشرين فيما يتعلق بصقل مهارات القياديين فيها، وبالذات من خلال الاهتمام الكبير بالمواهب التنظيمية، وبإدارة المشروعات على المستوى العالمي. كما أن تطبيق وتنفيذ أي مجموعة من هذه المهارات يعتبر تحدياً لأي نشاط عملي، ناهيك عن الوضع الخاص بالنشاطات العملية العائلية.
فأي الشركات هي الأنجح في تطوير الجيل التالي من القادة؟ على الرغم من أن شركة جنرال إلكتريك ليست شركة مملوكة عائلياً، إلا أنها تطور المهارات لديها من خلال العمل على التدريب، وصقل القدرات، على مدى زمني طويل. وقد عمل الرئيس التنفيذي السابق لهذه الشركة، جاك وولش، على تطوير مهارات خمسة من كبار التنفيذيين كي يستطيع مجلس الإدارة أن يختار من بينهم رئيساً للشركة. ويتحدث وولش عن مسألة تطوير المواهب بقوله «فكر بنفسك، وكأنك بستاني، حيث تحمل بإحدى يديك وعاءً للري، وباليد الأخرى وعاءً للتسميد. ولا بد لك في بعض الأحيان من التدخل المباشر، ولكنك في معظم الأمور تكتفي بالإشراف. وما عليك بعد ذلك إلا أن تراقب النمو السريع، والانتعاش».
تنظر شركة كارجيل، وهي شركة عائلية، بالطريقة ذاتها التي تنظر بها شركة جنرال إلكتريك إلى نفسها، حيث ترى أن تطوير الجيل المقبل من القادة يتم من خلالها معاملة العائلة نفسها كنشاط عملي، ومعاملة النشاط العملي كعائلة. ومن أمثلة ذلك أن كارجيل تطور مهارات الموظفين بهدف أن يواصلوا عملهم فيها لفترة تراوح بين 20 و30 سنة. وهي تعلن إضافة إلى ذلك الالتزام بأن يشارك الموظفون في ملكيتها من خلال اشتراكهم في صندوق خاص بهذا الأمر.

## عوامل حاسمة لتطوير مواهب جيل القادة المقبل

يستطيع قادة الشركات العائلية في منطقة الشرق الأوسط القيام بكثير من الأمور الإضافية إلى ما يلي من معلومات خاصة بإعداد قادة النشاطات العملية في المستقبل.
أولاً: يجب التأكد من أن القائد المستقبلي على صعيد شركات العائلات لديه من الخصائص ما يكفي لجعله شخصاً مناسباً للعمل المراد إنجازه، وذلك بخصوص القدرات والحوافز. ومعروف أنه ليست لدى جميع أفراد العائلة القدرة على تطوير أداء المشروعات العملية. وإذا شعرت أن لدى ابنك القدرات والمواهب اللازمة لإدارة الشركات، فدعه يواصل محاولة تحقيق حلمه، وتجسيد رؤاه الخاصة بإدارة النشاط العملي.
ثانياً: اعمل على تهيئة فرص التحديات والخبرات العملية في سبيل تنمية وصقل المهارات، والقدرات الخاصة بالجيل التالي، حيث يتضمن ذلك فرص التدريب، والعمل خارج نطاق النشاطات العملية التابعة للعائلة. وما إن ينضم هذا العضو إلى فريق إدارة الشركة العائلية، يجب تكليفه بعدد من المهام الإدارية، ووعده بأن أمامه مستقبل مشرق إذا أتقن عمله بالصورة المتوقعة منه. ويجب أن يتطلب العمل الجديد ممارسة مسؤوليات محددة من جانبه، مع إمكانية العمل مع رئيس عمل متشدد، والمشاركة في إدارة مشروع مشترك، أو مشروع يمثل «نقطة تحول» في حياة الشركة ككل.
ثالثاً: يتضمن الدعم الاجتماعي تدريب وتعليم الجيل المقبل من القادة من خلال تقديم أفراده إلى كبار القادة الحاليين للشركات العائلية، وتعريف هذا الجيل بشبكات العمل على المستوى المهني المتقدم. وينبغي ترتيب عملية التوجيه والإرشاد لتمكين أفراد هذا الجيل من مواجهة تحديات الحياة العملية. وعلى القائد المتمكن أن يعرض أمام الجيل الجديد كل استعداد لتشجيع القدرات الجديدة، حيث إن القادة عظيمي الأداء لا يولدون كذلك، بل يتم إعدادهم وتدريبهم بحيث تبرز قدراتهم الخاصة بإدارة وتطوير الشركات المملوكة من قبل عائلاتهم.
رابعاً: زوّد جيل القادة المقبل بأعلى مستويات التعليم، والتدريب حيث لا يتضمن ذلك فقط الشهادات العليا، مثل ماجستير إدارة الأعمال، أو غير ذلك من شهادات النشاط العملي التنفيذية، وإنما يشمل أيضاً التدريب الصناعي الداخلي في الشركة. ويجد كثير من قادة النشاط العملي على الصعيد العائلي أن الحصول على شهادة عليا يمثل طريقاً لاستمرار أدائهم أعمالهم، غير أن الهدف يجب ألا يكون تحقيق مسيرة حياة عملية ناجحة فقط، وإنما ضمان استمرار بناء القدرات للتمكن من تحقيق إنجازات مميزة على النطاق العملي الأوسع.
أما العامل الأخير في تطوير مهارات الجيل المقبل من مديري الشركات العائلية الذي كثيراً ما يتم إغفاله في منطقة الشرق الأوسط، فهو إنجاز تقييم تفصيلي للتغذية الراجعة. وإذا كان هذا العمل الأخير بالغ الأهمية، فإنه في الوقت ذاته شديد التحدي، حيث غالباً ما تجد الشركات صعوبة في تقديم التغذية الراجعة للجيل المقبل من القادة. ومن المهم أن يتلقوا تغذية راجعة ومفيدة وراسخة، ويجري تدريبهم على إعداد خطط التطوير، والاعتراف بجهودهم إذا ما استطاعوا تحقيق المستوى المطلوب من الأداء حتى يصبحوا على وعي بما لديهم من نقاط القوة، أو مواطن الضعف.
إن عصا القياس التي يمكن أن تستخدم في قياس أداء قادة الشركات في المستقبل يجب أن تكون طويلة، وبالذات على مستوى المشروعات العائلية في منطقة الشرق الأوسط. والواقع أن كثيراً من أصحاب الشخصيات الساحرة من قادة الشركات في الشرق الأوسط نجحوا في الوصول إلى مستوياتهم الإدارية الحالية من خلال بدء العمل في بواكير حياتهم العملية مع شركات صغيرة. واستطاعوا بالفعل إنشاء شركات عائلية مرموقة. ويتطلع جيل الإدارة الأقدم الآن صوب الجيل التالي، وكذلك نحو منظمات العمل التي تزداد تعقيداً. وإذا كان سوبرمان في نظر أبناء القيادات القديمة مجرد شخصية كرتونية عظيمة، فإنه الآن أداة واقعية في الوقت الراهن لتقييم مدى نجاحك.

## أفضل العمليات وليس أفضل الممارسات

من الأهمية بمكان أن نتذكر أن كل شركة عائلية في الشرق الأوسط فريدة، ومختلفة عن غيرها. ولذلك فإن ضمان نجاح تطوير جيل القادة التالي يتطلب أن تفكر العائلة بأفضل العمليات، وليس بأفضل الممارسات. ولا بد من التفكير العميق في سياقات العمل، وبالمحتوى العملي كذلك. والسؤال الوجيه حين يتعلق الأمر بالسياق هو ما رؤية عائلتك فيما يتعلق بالنشاط العملي؟ وإن إجابات ذلك السؤال حيوية في فهم حاجات تطوير قدرات الجيل التالي من القادة.
أما فيما يتعلق بالمحتوى، فالسؤال هو: كيف تنفذ الشركة أعمالها بالضبط؟ إن معرفة أساليب عمل العائلة، وطرق تنفيذها للمشاريع العملية، سوف يساعد أفرادها على فهم أنفسهم، والنشاطات العملية بصورة أفضل، وزيادة القدرة على إعداد قادة الشركات العائلية في المستقبل، وضمان الانتقال السهل لملكية الشركات من الجيل الحالي إلى الأجيال التالية. والنصيحة الأخيرة التي يمكن توجيهها إلى الإدارات الحالية لشركات العائلات في منطقة الشرق الأوسط هي «أنظروا أولاً إلى كل أبعاد قدرات الجيل الإداري التالي، وحددوا نقاط القوة في أطفالكم، إضافة إلى مواطن الضعف، واستخدموا مواطن القوة لمساعدة الشركة، وكذلك لإعداد جيل القادة المقبل، وتمكين أفراده من الأداء بنجاح».
إن وجود قوانين تراعي مبادئ الشريعة بقوة، مع ثقافة عائلات مالكة للمشاريع، توفر تأثيرا دوليا متزايدا في منطقة الشرق الأوسط، يركز على السؤال الحيوي، وهو: ما الذي تقوم به عائلتك لإعداد الجيل المقبل من قادة ومالكي الشركات العائلية؟

* أستاذ كرسي بيرجمانز لويست في قيادة تأسيس المشاريع، والمدير المؤسس لمركز وندل الدولي للمشروعات العائلية.

الأكثر قراءة