خير أيام الدنيا
الحمد لله الذي جعل البيت العتيق مثابة للناس وأمنا، وأكرمه بنسبته إلى ذاته تعالى تشريفا وتحصينا ومنّاً، وجعل الحج إليه تلبية بالتوحيد وذكرا، وجعل ثواب الحج المبرور المغفرة والجنة دوما. الحمد لله الذي جعل الحج من بين أركان الإسلام ومبانيه: عبادة العمر، وختام الأمر، وتمام الإسلام، وكمال الدين فيه. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه تسليما كثيرا.
الحمد لله الذي جعل من هذه الشعيرة سببا لتعريض كل من حَجَّ البيت لكرامة أشرف بقاع الأرض في أشرف أيام السنة. ما أعظم نعم الله علينا، وما أرحمه بنا، سبحانه يوم أن جعل لنا مواسم لطاعته, وأوقاتا نتعرض فيها لنفحاته, يرفع الله لنا بها الدرجات, ويضاعف الحسنات ويكفر عنا السيئات. سبحانه القائل ''وإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا'' إبراهيم 34. إننا نتقلب في هذه النعم ونتنقل بين هذه المواسم والأوقات راجين أن يتقبل منا ربنا الطاعات ويمن بالمثوبات. فما منا إلا وتصيبه الغفلة وتؤثر فيه الفتن, وتشغله الشواغل، فتأتي هذه المواسم لتكون سببا في الأوبة والتوبة لرب العالمين.
وهذه العشر من ذي الحجة هي أجل أيام الدنيا، يتبين خيرها وفضلها في قول الحبيب عليه الصلاة والسلام: ''ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ''يعني العشر, قالوا يا رسول الله: ولا الجهاد في سبيل الله ؟، قال: ''ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء'' رواه البخاري.
وقد أقسم بها المولى ـ عز وجل ـ في كتابه الكريم فقال تعالى: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) سورة الفجر (1- 2)، وقسمه تعالى بها يبين شرفها وفضلها العظيم. وسبب هذا الفضل الرفيع لمكان اجتماع أمهات العبادة فيها وهي الصلاة والصدقة والصيام والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره كما قال ابن حجر. ولكونها كذلك أفضل أيام الدنيا لما رواه جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ، أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ''أفضل أيام الدنيا أيام العشر''. وقد سماها ربنا في محكم التنزيل ''بأيام معلومات'' وشرع فيها ذكره على الخصوص قال تعالى ''َويَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ...'' الحج (28). وقد ثبت في السنة النبوية الشريفة أن الأعمال الصالحة فيها أحب إلى الله تعالى من غيرها. لما رواه ابن عمر ـ رضي الله عنهما: أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال ''ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشرة فأكثروا فيهن من التكبير والتهليل والتحميد'' رواه أحمد.
وفيها يوم (عرفة) وهو يوم عظيم أكمل الله فيه الدين وجعل صيامه يكفر سنتين، وهو يوم مغفرة الذنوب والتجاوز عنها، ويوم العتق من النار، فما من يوم يعتق الله فيه الرقاب أكثر منه في يوم عرفة. وهو يوم المباهاة، حيث يدنو فيه تعالى من عباده، ثم يُباهي ملائكته بأهل الموقف، حتى قيل: ولو لم يكن في عشر ذي الحجة إلا يوم عرفة لكفاه ذلك فضلاً.
وفيها (يوم النحر) وهو اليوم العاشر من ذي الحجة وهو أعظم أيام الدنيا قاطبة، كما روي عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قوله: ''إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر، ثم القر'' رواه أبو داود. بل إنها أفضل من الأيام العشر الأخيرة من رمضان لما أورده شيخ الإسلام ابن تيمية، عندما سئل عن ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل؟ فأجاب ''أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة''.
اللهم إنا نشهدك أنك أنت الله لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، لك الملك ولك الحمد، تحيي وتميت وأنت حي لا تموت، بيدك الخير وأنت على كل شيء قدير. اللهم يا رفيع الدرجات ومنزل البركات، ويا فاطر الأرضين والسموات، تقبل منا الدعوات وأنزل علينا الرحمات وتجاوز عن السيئات. اللهم إنا نشهد لك بالتوحيد مخبتين، ولنبينا محمد بالرسالة مخلصين، فاغفر لحجاج بيتك ولنا ولوالدينا ولأمواتنا ما قد سلف وأرحمهم. ربنا وآتهم وإيانا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقهم وإيانا برحمتك عذاب النار يا عزيز يا غفار.