أزمة ثقة أم أزمة حوار؟! (2-2)

استكمالا لما تطرقت إليه الأسبوع الماضي من حديث حول العلاقة بين مقدمي خدمة العلاج من مستشفيات ومراكز صحية وبين شركات التأمين، فإن السبب الرئيس الذي أدى إلى نشوء أزمة ثقة بين الطرفين هو غياب الآلية الواضحة والفاعلة التي تضمن حق كل طرف في مواجهة الآخر، فمقدمو خدمة العلاج ـ في الأغلب ـ تكون لهم صفة الدائن في مواجهة شركات التأمين وهذا الدائن هو الذي يحسب مديونيته ويصنفها وفق فهمه للقواعد والآلية التي يتم عمل التأمين الصحي وفقاً لها، وأهمها ما قرره نظام الضمان الصحي التعاوني ولائحته التنفيذية والبنود التي تضمنتها وثيقة الضمان الصحي الموحدة التي تحدد النطاق والاستثناءات الخاصة بالتغطية، وأخيراً العقد المبرم بين شركة التأمين ومقدمي الخدمة الذي ينظم العلاقة مباشرة بينهما وهو ما يُسمى اصطلاحاً لدينا (بعقد مقدمي الخدمة)، وهذا الأخير يتضمن على وجه الخصوص القواعد التي تنظم التعامل بين الطرفين من حيث تقديم الخدمات العلاجية والقواعد الخاصة بتنظيم المسائل المالية بينهما وطريقة تسوية المطالبات المالية التي تنشأ نتيجة تقديم هذه الخدمات.
هذه المرتكزات الثلاثة التي أشرت إليها والتي يعتمد عليها مقدمو خدمة العلاج في تأطير حقوقهم في مواجهة شركات التأمين، هي في حقيقة الأمر بحاجة إلى فهم دقيق لأنها تتضمن مسائل فنية وقانونية وإجرائية في غاية الدقة، فلو أخذنا فرضية بسيطة على ذلك وافترضنا أن مقدم الخدمة قام بما يلزم من خدمة أو بما يمليه عليه واجبه المهني من خدمات صحية لأحد المستفيدين المؤمن عليهم تأميناً صحياً لكنه لم يتبع إجراء معيناً منصوصا عليه في عقد الخدمات المبرم بينه وبين شركة التأمين، كتضمين المطالبة المستند الذي يثبت أنه تحقق من هوية المستفيد فهو قد يعتبره من وجهة نظره إجراء غير مؤثر لأنه فعلاً قدم خدمة العلاج اللازمة للمستفيد نفسه، ففي هذه الحالة فإن شركة التأمين ستتمسك في الأغلب بسقوط حق مقدم الخدمة في المطالبة استناداً إلى أنه لم يتبع الإجراءات المطلوبة، وشركة التأمين لا تكون متعسفة في هذا الشأن فهي تحتاج إلى مستند بعينه حتى لو أنها علمت يقيناً أن المستفيد قد تلقى الخدمة فعلاً فهي تحتاج إلى تقديم هذا المستند إلى شركة إعادة التأمين لحفظ حقوقها في مواجهة هذه الأخيرة وهكذا. ولذلك فالإجراء مهم وإن اعتبر مقدم الخدمة أن الغاية قد تحققت منه بطريقة أو بأخرى.
وإذا تركنا مثل هذه الإشكالات القانونية الفنية فإن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو: هل هناك جذور تاريخية للخلاف بين مقدمي الخدمة وشركات التأمين ما جعل الاعتقاد يسود بأن كثيراً من شركات التأمين تتعامل بسوء نية أو على الأقل بعدم مبالاة بحقوق مقدمي خدمة العلاج؟ في اعتقادي أن الحديث في هذه المسألة يطول ولكن ينبغي ألا ننسى أن تجربة مقدمي الخدمة مع شركات التأمين غير المرخصة في السابق كانت سيئة للغاية، لكن الوضع تغير جذرياً بعد صدور نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني، فشركات التأمين الآن هي شركات مساهمة مملوكة لقطاع عريض من المساهمين وتخضع في عملها لكثير من الإجراءات والقواعد الرقابية والمراجعة والتدقيق سواء باعتبارها شركات مساهمة أو شركات مدرجة في سوق الأسهم أو باعتبارها شركات تأمين تخضع لرقابة مؤسسة النقد وكذا مجلس الضمان الصحي التعاوني. وحتى نكون عادلين فإنه وفي الجانب الآخر وأقصد به مقدمي الخدمة هناك من كان له سجل حافل بالمخالفات واستغلال التأمين بشكل غير مشروع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي