ماليزيا تختار الحكم الإسلامي

في ظل المناخ السياسي السائد في ماليزيا حالياً، لم يعد من الممكن التمييز بين المتطرفين الإسلاميين والمعتدلين الإسلاميين. ورغم تباهي المسؤولين رسمياً بالتنوع السكاني الذي تتسم به البلاد والالتزام بالتعددية، فقد حدث اندماج واضح بين الإسلام والحكومة.
على مدى العامين الماضيين استثمرت حكومة حزب المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة UMNO قدراً هائلاً من الموارد العامة في بناء شبكة من المؤسسات الإسلامية. في مستهل الأمر كانت نية الحكومة تنصرف إلى منع المطالبات المتطرفة بتطبيق نسخة متشددة من الحكم الإسلامي. ولكن مع الوقت انتهت الجهود التي بذلتها الحكومة للتحايل على منتقديها إلى الإفراط في أسلمة الدولة.
لقد طبقت حكومة المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة الشريعة الإسلامية وأقامت المحاكم الشرعية وفرضت نظاماً إسلامياً بيروقراطياً شاملاً، وهو الجهد الجماعي الذي أصبحت له حياة مستقلة بذاتها. وفي غضون عشرة أعوام تضاعفت القوانين الإسلامية إلى أربعة أمثالها. فربما كان نظام المحاكم الشرعية في ماليزيا هو الأكثر شمولاً في العالم الإسلامي. فضلاً عن ذلك تضخمت البيروقراطية المصاحبة، بل أصبحت أعظم قوة من البرلمان الوطني.
إن القوانين الإسلامية في ماليزيا تستند إلى عقيدة دينية، ولكنها تمر عبر البرلمان الوطني باعتبارها قوانين تشريعية عادية. والواقع أن استنان هذه القوانين لا يستلزم مناقشات طويلة، وذلك لأن تهمة الزندقة تمنع أغلب المنتقدين من التشكيك في أي شيء يُعَد إسلامياً.
ورغم أن حكومة المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة ما زالت تطلق أبواق الدعوة الإسلامية، فإن الحزب يواجه اختيارات صعبة، وخاصة فيما يتصل برغبته في الحفاظ على الاستثمار الأجنبي في هذه البيئة المستقطبة على نحو متزايد.
على سبيل المثال، عقد وزير الشؤون الداخلية هشام الدين حسين أخيرا مؤتمراً صحافياً لدعم المسلمين الذين تظاهروا احتجاجاً على بناء معبد هندوسي في حيهم. وكان المتظاهرون قد استعرضوا رأس بقرة مقطوعة وملطخة بالدماء في الشارع، ثم بصقوا عليها وداسوها بالأقدام. وبالطبع، كان في ذلك إساءة للهندوس الماليزيين الذين يعتبرون البقرة حيواناً مقدساً.
وقبل أسبوع واحد كانت إحدى المحاكم الماليزية قد حكمت على أم شابة تدعى كارتيكا بالجلد بالعصا ست جلدات وتغريمها 1500 دولار أمريكي بعد ضبطها وهي تتناول البيرة في أحد الفنادق. ورغم أن تنفيذ الحكم ما زال مؤجلاً، فقد أعلن حسين موافقته على العقوبة بدعوة الجلادين الرسميين إلى مكتبه لاستعراض كيفية تنفيذ حكم الجلد بالعصا. ولقد استخدم الجلادون كرسياً كهدف وهمي، وشرحوا له الكيفية، ثم تركوه وقد اقتنع بأن الجلد بالعصا طبقاً للشريعة الإسلامية من الممكن أن يستخدم بالصورة اللائقة كعقاب للمرأة.
من عجيب المفارقات هنا أن هشام الدين حسين أبعد ما يكون عن التشدد الإسلامي. فهو نجل ثالث لرئيس وزراء لماليزيا وابن عم رئيس الوزراء الحالي، ومن المعروف عنه على نطاق واسع ميله إلى الحداثة والاعتدال والانفتاح على العالم الخارجي.
أما المتشدد الحقيقي فهو نِك عزيز، رئيس وزراء ولاية كيلانتان، وهو أيضاً الزعيم الروحي لأكبر حزب إسلامي في ماليزيا، وهو الحزب الماليزي الإسلامي الذي يسيطر الآن على حكومتي ولايتين من الولايات الماليزية. ولكن عزيز عارض الاحتجاج المناهض للهندوس، حتى أنه اعتبر المحتجين المناهضين للإسلام في المملكة المتحدة أكثر تحضراً في أسلوبهم.
لذا، فلم يعد من الإنصاف ولا الدقة أن ننظر إلى الحزب الماليزي الإسلامي باعتباره حزباً أصولياً وإلى حزب المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة باعتباره حزباً معتدلاً. ذلك أن المنعطف المتطرف الذي سلكه حزب المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة تقابله المحاولات التي يبذلها الحزب الماليزي الإسلامي نحو الاعتدال. ويستهدف الحزب الماليزي الإسلامي جمهور الناخبين الأبعد ترجيحاً: أو غير المسلمين، الذين يشكلون 40 في المائة من سكان ماليزيا والذين أصبحوا أكثر نفوراً من حزب المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة مع الوقت.
في الوقت نفسه يسعى حزب المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة إلى غرس بذور الفرقة والانقسام داخل ائتلاف المعارضة، والذي ينتمي الحزب الماليزي الإسلامي إلى عضويته. وفي الوقت الحالي يتولى قيادة الائتلاف المعارض رئيس الوزراء السابق أنور إبراهيم، ونجح الائتلاف في اكتساب قدر كبير من الزخم السياسي من المكاسب الحقيقية التي حققها في الانتخابات العامة التي جرت في العام الماضي.
ومع انزعاج حزب المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة إزاء خسائره، فقد ادعى لنفسه هيئة المدافع عن الإسلام في ماليزيا. ولكن احتجاج «رأس البقرة»، الذي قاده أعضاء في حزب المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة، سرعان ما أدى إلى تغذية التلاعب بالمشاعر العامة على نحو مشحون بالعنصرية. والمعادلة هنا بسيطة: تصوير الإسلام بأنه مهدد من قِبَل الكفار، وبهذا يتحول حزب المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة إلى المنقذ الذي يهرع إلى إنقاذ المجتمع المسلم المحاصر.
من ناحية أخرى، فإن الحكم على كارتيكا بالجلد بالعصا لا يشكل مثالاً للتلاعب السياسي، ولهذا السبب فربما يكون أكثر إثارة للقلق والانزعاج. فقد بادر المفكرون المسلمون من أنصار الحداثة إلى تأييد الحكم الصادر ضدها، وأصروا على أن العقاب كان عادلاً ولا يقبل التشكيك لأنه يحمل صفة التفويض المقدس. وهؤلاء ليسوا أهل سياسة، ولكنهم من المثاليين السابقين الذين يسرهم أن يروا هدفهم في أسلمة الدولة وقد تحقق. وأغلبهم من مناهضي حزب المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة وأنصار الحزب الماليزي الإسلامي.
ونتيجة لذلك فقد وجد حزب المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة نفسه محاصراً بين جماعات الضغط الإسلامية التي تطالب بتحويل نظام البلاد إلى شيء أشبه بنظام طالبان، والأصوات المتصاعدة من جانب المنتقدين الدوليين الذين لا يمكن تجاهلهم، وذلك لأن الحزب يحتاج إلى كل من المؤيدين المتطرفين والمستثمرين الأجانب حتى يتمكن من البقاء في السلطة.
إن إيجاد التوازن بين هذين المعسكرين أصبح أمراً متزايد الصعوبة بالنسبة لحزب المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة, فالآن أصبح للسياسة الإسلامية حياة قائمة بذاتها، ولكن المعارضة ستضطر أيضاً إلى تحديد الدور الذي يلعبه الدين في ماليزيا، إن كانت راغبة في الحصول على أي فرصة لتشكيل الحكومة.
كان أنور إبراهيم، بوصفه متشدداً إسلامياً شاباً، يتساءل: «كيف يتسنى لأحد أن يضفي الطابع الإسلامي على الحكومة؟». والآن بات لزاماً عليه أن يعرف كيف يحكمها.

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2009.
www.project-syndicate.org

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي