الثورة الصناعية المقبلة.. متى؟

إن التوصل إلى اتفاق عالمي جديد لمعالجة قضية تغير المناخ لن يكون مفيداً للتجارة والأعمال والشركات فحسب، بل إنه يشكل أهمية حاسمة فيما يتصل بالقدرة على تحقيق النمو المستدام للاقتصاد العالمي.
ومع اقترابنا من محادثات المناخ العالمي المقرر انعقادها في كوبنهاجن في كانون الأول (ديسمبر) من هذا العام أصبح القسم الأعظم من المناقشات الدائرة بهذا الشأن يركز على المصالح المتضاربة المفترضة بين العمل الصناعي والتجاري الضخم وبين المناخ. وتقوم هذه الحجة على فكرة مفادها أن العمل التجاري والصناعي لا يحب التغيير، ولا يحب على وجه خاص التغيير الذي تفرضه عليه السياسات الحكومية أو التنظيمات.
وإنه لتصور غير صحيح بالمرة، وهو يستخف أيضاً بخطورة الاختيارات التي نواجهها بوصفنا رجال أعمال ومواطنين.
إن المشاريع التجارية والصناعية الكبرى تتغذى على التغيير. والشركات الضخمة اليوم كانت ذات يوم عبارة عن بضعة أشخاص رأوا الفرصة السانحة، والطلب الجديد القابل للنمو، والتغيير الذي جعل شيئاً جديداً في حكم الممكن.
فهناك العديد من الفرص التي خلقتها التكنولوجيات الجديدة، بداية من محرك الاحتراق الداخلي إلى الرقاقات الإلكترونية البالغة الصِغَر. ولقد تحركت بعض هذه التكنولوجيات بفعل الطلب، على إنتاج الغذاء على سبيل المثال، وكانت أكثر هذه التكنولوجيات ثورية مدعومة بسياسات حكومية جيدة التصميم، مثل بناء السكك الحديدية والتطوير السريع لخدمات الهاتف النقال. وحين تجتمع هذه القوى الثلاث فإن التغير الاقتصادي يتسارع، وكذلك النمو الاقتصادي وبناء الثروات.
إن أي تحول كبير في الاقتصاد يتطلب القوى الثلاث. ولقد وفرت الثورة الزراعية، والثورة الصناعية، والثورة التكنولوجية فرصاً هائلة، كما لعبت الحكومة دوراً رئيسا في كل من هذه الثورات، من خلال العمل السريع من أجل وضع الهياكل السياسية اللازمة لدعم تلك التغيرات.
إن ثورة الطاقة المنخفضة الكربون هي الثورة المقبلة. ولقد بدأت المؤسسات الجديدة في الظهور بالفعل في مختلف أنحاء العالم، وتركز هذه المؤسسات الجديدة على الحلول المنخفضة الكربون لتوليد واستخدام الطاقة، بداية من مصابيح الإضاءة إلى وسائل النقل المختلفة، ولكنها ما زالت في مرحلة رائدة.
ولكن لكي تتمكن المؤسسات التجارية والصناعية من خلق نوع من اليقين وتحقيق حجم الاستثمار اللازم لإحداث تغيير كبير في توجهاتنا الاقتصادية فلابد أن يكون من الواضح تماماً بالنسبة لها أن الزعماء السياسيين، من البلدان المتقدمة والنامية على السواء، ملتزمون بهذا المسار. إن التقاعس عن العمل أو تأخيره سيؤدي إلى نتائج مأساوية بالنسبة للمناخ، ولكن ذلك سيكون مأساوياً أيضاً على الصعيد الاقتصادي.
فمع الالتزام الواضح بالثورة الصناعية المنخفضة الكربون، سيصبح بوسع الشركات في مختلف أنحاء العالم، الكبيرة منها والصغيرة، أن تخوض المنافسة وهي تتحلى بالثقة، وتستثمر أموالها في مناخ من اليقين، وتقدم الإبداع اللازم بالحجم الكافي لإحداث التغيير. وسيترتب على ذلك خلق فرص العمل وفرص الاستثمار، وتوجه الصناعة نحو مسار جديد.
إن هذا الجهد يتطلب استثمارات ضخمة، وخاصة في تنمية البنية الأساسية في كل من العالمين المتقدم والنامي. وهذا في جوهره يشكل تغييراً للطريقة التي نستثمر بها أموالنا، وتغييراً لاتجاه الاقتصاد، على النحو الذي يسمح لنا بالنمو المستدام على مسار منخفض الكربون.
ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، ستكون تدابير كفاءة الطاقة وحدها كافية لتوفير ما يزيد على تريليون دولار، في حين تدفع خلق فرص العمل والنمو في الأمد القريب، فتعين عملية التعافي الاقتصادي وتقدم الحوافز الاقتصادية اللازمة للتعجيل بالاستثمار في توليد واستخدام الطاقة المنخفضة الكربون.
ويستطيع الاتفاق العالمي في كوبنهاجن أن يقدم لعالم الصناعة والتجارة ثلاثة أمور على وجه التحديد:
1. التزام واضح بأهداف خفض الانبعاثات في العالمين المتقدم والنامي من أجل دفع الاستثمار في التكنولوجيا وتدابير كفاءة الطاقة.
2. التزام واضح بالتسعير العالمي للكربون على النحو الذي يسمح للشركات والمؤسسات بالاستثمار بقدر كبير من الثقة وبالحجم المطلوب.
3. التوصل إلى اتفاق يدعم البنية الأساسية اللازمة للتحول إلى اقتصاد منخفض الكربون، من خلال مزيج من التمويل من كلٍ من القطاعين العام والخاص.
ومن خلال تبني هذه المبادئ الثلاثة الصريحة فإن الاتفاق العالمي الذي سيتم التوصل إليه في كوبنهاجن سيكون قادراً على إطلاق إشارة البدء للثورة الصناعية الجديدة وثورة الطاقة المنخفضة الكربون، فيسمح بذلك بقدر عظيم من النمو وخلق فرص العمل والتنمية الاقتصادية في مختلف أنحاء العالم.
في هذا الوقت من الاضطرابات المالية، فلابد أن يحرص الاتفاق العالمي في كوبنهاجن على الجمع بين قادة العالم في بث رسالة قوية وواضحة إلى عالم الأعمال: عليكم باتباع المسار المنخفض الكربون، وسندعمكم على طول الطريق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي