شركات التأمين ومقدّمو الخدمة.. أزمة ثقة أم أزمة حوار؟ (1)

تناولت الأخبار قبل عدة أيام الاتهامات المتبادلة بين مقدمي الخدمة الصحية من مراكز ومستشفيات وبين شركات تأمين، وذلك بمناسبة اللقاء الموسع الذي نظمه مجلس الضمان الصحي التعاوني بالتعاون مع اللجنة الطبية بالغرفة التجارية بالرياض، وتركزت الاتهامات الموجهة إلى شركات التأمين بالتأخر في دفع المستحقات المالية لمقدمي خدمة العلاج، وعدم التزام كثير من شركات التأمين بشروط التغطية المنصوص عليها في وثيقة الضمان الصحي الموحدة، أو اختيار مراكز أقل كفاءة وإمكانات حتى توفر من قيمة فاتورة العلاج، وكذا التأخر في إصدار الموافقات. بينما كانت التبريرات التي أبداها بعض الحضور ممن هم محسوبون على شركات التأمين تدور حول عدم معرفة مقدمي الخدمة بالإجراءات والضوابط التي تخص صرف المستحقات المالية.
وبغض النظر عن المعالجة الإعلامية لهذا اللقاء إلا أنني أعتبر أن النقاش ين الطرفين في هذا الموضوع ظاهرة صحية وخطوة جريئة للمكاشفة والمصارحة وبناء الثقة بين أهم ركيزتين للضمان الصحي التعاوني. وهي أيضاً مناسبة مفيدة لمعرفة وجهات نظر الأطراف حول المشكلات والمعوقات التي يواجهونها في مجال الضمان الصحي التعاوني.
ولنعترف أيضا بأن أية علاقة مهنية تجمع بين عدة أطراف تكون في الغالب معرضة إلى كثير من المعوقات، خصوصاً إذا كانت هذه العلاقة تعتمد على آليات عمل سريعة وقرارات مصيرية في كثير من الأحيان، وهذه القرارات تخص أهم ما يملكه الإنسان وهو صحته، هذا إذا أضفنا كذلك الطبيعة الإجرائية والمالية لهذه القرارات التي تعتمد على وجود طرفين على شفا نقيض أحدهما يقوم بتأدية خدمة والآخر ملتزم بدفع المقابل المالي لهذه الخدمة.
إن هذه المنظومة التي تعتمد عليها عملية التأمين الصحي لا تتوقف فقط على هذين القطبين الكبيرين وهما شركات التأمين ومقدمي الخدمة، فالأطراف التي تتكون منها منظومة التأمين الصحي كثيرة، ولكن ينبغي التوقف عند أهم طرف فيها وهو المستفيد، فنظام الضمان الصحي التعاوني لم يصدر إلا بهدف توفير رعاية صحية كريمة للمواطن والمقيم ولكنه خص المقيم بهذه الخدمة في أول مراحل تطبيقه. ولا شك أن أي خلل يعتري أياً من هذه الأطراف الثلاثة سيؤثر بلا أدنى شك في مسيرة وتجربة التأمين الصحي في المملكة، وسيؤثر أيضا في بقية حقوق الأطراف المكونة لهذه المنظومة، وقد يقود أيضا إلى تردي جودة الخدمات الصحية المقدمة، وهذا الأمر يدخل ضمن أولويات مجلس الضمان الصحي التعاوني، فالهم الأكبر له هو حصول المستفيد على المنافع والخدمات المحددة كحد أدنى والمنصوص عليها في وثيقة الضمان الصحي الموحدة. فالمستفيد هو الطرف الذي لم يكن ممثلاً في اللقاء، ولذلك فإن أمين عام مجلس الضمان الصحي التعاوني ركز خلال هذا اللقاء على حق المستفيد في الحصول على الخدمة اللائقة وفق ما قرره النظام. وبالنسبة للإشكالات بين مقدمي الخدمة وشركات التأمين ومن وجهة نظر شخصية فيمكن حلها في المستقبل القريب، وهي بلا شك بحاجة إلى جهود مشتركة من الجميع وبحاجة كذلك لأن تتبلور تجربة الضمان الصحي التعاوني في المملكة بشكل أكبر.
وما يلزم أن يتم العمل عليه في الوقت الحالي هو إيجاد آلية عمل سريعة وواضحة تؤطر العلاقة فنياً وقانونياً بين شركات التأمين ومقدمي الخدمة وعدم ترك الأمر للاجتهادات الفردية، وأن تكون هذه الآلية تحت إشراف وسيط مهني متخصص فنياً وتقنياً كإخصائيي تسوية المطالبات التأمينية، وكذلك إيجاد آلية سهلة وواضحة لحل الخلافات الطارئة بين شركات التأمين ومقدمي الخدمة وهو ما سأتحدث عنه في المقالة القادمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي