الإيغوريون.. ورطة للصين وحرج للعالم الإسلامي
احتج مسلمو الإيغور على ما يرونه من أوضاع كارثية وظروف صعبة في الصين التي يعيشون فيها، ومع أن الاحتجاجات أخذت الطابع السلمي في بداية الأمر إلا أنهم تعرضوا لقمع كبير وعنيف متحولين بذلك إلى ضحية لعنف الدولة. فالشرطة الصينية فتحت نيران أسلحتها عشوائيا وكانت النتيجة المنطقية هي وقوع مجزرة سقط فيها المئات من المسلمين العزّل. وقبل البدء بتحليل الأسباب الكامنة لما جرى من ذبح وتقتيل لأناس عزل، لنجيب عن تساؤل: من هم مسلمو الإيغور؟ وكيف تفجرت هذه القضية التي وضعت الصين في ورطة دبلوماسية عالمية وأيضاً جعلت العالم الإسلامي في موقف حرج إزاء الرأي العام الإسلامي والعالمي.
الأقلية الإيغورية
تعد الأقلية الإيغورية من الشعوب الإسلامية، وهي أقلية تعيش في جمهورية تركستان الشرقية الواقعة تحت الحكم الصيني، وهي أقلية لها تاريخ عريق إذ ظهر منها كثير من العلماء الذين أثروا الحضارة الإسلامية مثل الزمخشري والسمرقندي، كما كانت لهم مساهمات عسكرية مهمة ساعدت في الفتوحات الإسلامية التي وصلت إلى قلب القارة الأوروبية.
ومنطقة تركستان الشرقية ليست صغيرة المساحة بل تأتي في الترتيب التاسع عشر عالميا من حيث المساحة وهي أكبر من فرنسا ثلاث مرات وتقارب من خمس الصين إذا تضم تركستان الشرقية أيضا صحراء "تكلمكات" المعروفة بالعهد الذهبي في الحضارة الإسلامية. كما تحتوي تركستان الشرقية على متنزهات التون داغ الساحرة وتحتوي على الطريق المعروف بـ "طريق الحرير" الذي كان يربط بين قارتي آسيا وأوروبا. وتعد حضارتهم من أقدم الحضارات في العالم.
قتيبة بن مسلم الباهلي أدخل الإسلام إلى هذه المنطقة فيما بين عامي 88 إلى 96 للهجرة، ونتيجة لذلك أصبح التركستانيون مسلمين بزعامة قائدهم التاريخي ستوف بغراخان خاقان إذ أسلم مع هذا القائد التاريخي أكثر من 200 ألف عائلة وهذا يعادل تقريبا مليون نسمة. واستمر انتشار الدين الإسلامي الحنيف بين القبائل بأعداد كبيرة إذا أسلمت قبائل مهمة مثل قبائل التغزغز وقد عرفوا تاريخيا بمساعدتهم للمسلمين ووقفوا بقوة مع الإسلام، وما من شك في أن لفتوحاتهم في الدولة الرومانية سببا في إعادة تشكيل أجزاء واسعة من خريطة الشرق الأوسط وتركيا الحديثة فيما بعد في التاريخ الوسيط، ومع ذلك كانت أجزاء أخرى لا تزال غارقة في الوثنية تحارب الدعوة الإسلامية وتناصبها العداء بدعم من الصينيين، ومن أشهر تلك القبائل "الكورخانوين" (الدولة الكورخانية)، وقد كان أبرز من تصدى لهذه القبائل السلطان علاء الدين محمد الخوارزمي، وكان من أشهر المعارك التي انتصر فيها المسلمون على هؤلاء الوثنيين موقعة "طراز" المعروفة في التاريخ الإسلامي.
لكن لم يكن تثبيت الإسلام في منطقة تركستان ممكنا لولا الدعم من شعوب السامانيين وهم من شعوب منطقة آسيا الوسطى وإيران وشمال أفغانستان، فهي شعوب تمكنت من فعل ذلك بفضل إيمانها الشديد بالجهاد بالسيف إلا أنها من ناحية أخرى كانت تؤمن بالدور التبشيري السلمي، ومن ثم نشطت الجامعات والمدارس في هذه المناطق؛ لدعم العمل الدعوي والعلماء المتفرغين للدعوة الإسلامية، وكان أوجّ نشاطها في القرن الرابع الهجري.
#2#
ولم يكن السيف وحده العامل في انتشار الإسلام كما يريدنا البعض أن نعتقد، فالمعاملة الجيدة والعادلة من قبل خلفاء المسلمين أسهمت في تعزيز مكانة الإسلام والمسلمين في تلك البقعة من الأرض، فقد حرص الخلفاء المسلمون على إشراك أهالي البلاد المفتوحة في حكم بلادهم وإدارة شئونها، ويعد ذلك العصر الذهبي للدعوة الإسلامية بين الأتراك الشرقيين، فظهر منهم الجنود والقادة والحكام والعلماء في العلم النبوي الشريف والحضارة الإسلامية أمثال: البخاري – مسلم – الترمذي – البيهقي – ابن سينا – محمد بن موسى الخوارزمي – الزمخشري – السمرقندي – سفيان الثوري.
يمكن الإشارة إلى أن الدولة الإخشيدية والطولونية والسلجوقية من العنصر التركي الآتي من تركستان الشرقية، وكم كان للعنصر التركستاني من أيادٍ بيضاء في إنقاذ الأمة الإسلامية وصدِّ الزحف الصليبي عنها، كما كان لذلك الشعب من العوامل ما جعلته من أقوى الشعوب الإسلامية (مثل امتزاجه بالعنصر المغولي الذي يمتّ له بنسب قوي، وهم من أشد الجنود مراسًا)، فضلاً عن كونه من أكثر الشعوب تمسكًا بالعقيدة وصفائها، وحفاظًا على التراث الإسلامي ومجده، ودفاعًا عن الحضارة الإسلامية في أوقات مهمة وصعبة للغاية.
في الأساس ينحدر مسلمو الإيغور من أصول تركية، وهي أقلية تشكل أحد الأعراق في الصين والتي تبلغ 65 مجموعة عرقية، وهم يتبعون المذهب السني وتبلغ من العدد نحو20 مليونا إلا أن عددهم في الصين لا يزيد على 8 ملايين وهم يتمركزون كما ذكر سابقا في منطقة تركستان الشرقية. في عام 1949 قام الزعيم الصيني ماوتسي تونغ بالاستيلاء على الإقليم إذ قام بإلغاء مسألة استقلال الإقليم وقام بضمه إلى الصين بحيث أصبح منذئذ إقليم شينغيانغ. الاحتلال الصيني للإقليم لم يتم بسلام إذ قام المسلمون بالدفاع عن أنفسهم وتشير بعض الدراسات إلى أن ما يقارب من مليون سقطوا في عام 1949. فالاحتلال والضم الصيني للإقليم أدى إلى تحولات ديموغرافية فتحولت الغالبية الإيغورية التي كانت تبلغ في عام 1949 حوالي 92 في المئة من سكان الإقليم ليبلغوا تقريبا 46 في المئة من سكان الإقليم هذه الأيام، السبب طبعا يعود إلى سياسات صينية استندت إلى الترحيل والتقسيم الإداري في الصين ما أدى إلى تقليص عدد السكان الإيغوريين من 18 مليون نسمة إلى ما يقارب 8 ملايين حاليا.
دور (قومية الهان) ومعاداة الإسلام في تأجيج الصراع
كما ذكر سابقا فإن الأقلية الإيغورية تشكل قومية قائمة بذاتها وهي استوطنت الإقليم منذ القرن الثالث الميلادي وكان دخولها للإسلام في عهد الخليفة عثمان بن عفان. وفي الأصل كانت إمبراطورية إسلامية احتلتها الصين وسكنوا الإقليم وتعايشوا فيه مع أعداد محدودة من قومية الهان 'المدعومة من قبل السلطات الصينية الشيوعية'.
مع التراجع الشديد للأيديولوجية الشيوعية في العالم وفي الصين إلى حد أقل، فإن (قومية الهان) تعد حاليا العنصر الجوهري في توحيد سكان الصين. تتابع قومية الهان، التي تشكل 90 في المائة من السكان، إقناع كل الصينيين بأنهم عائلة عرقية واحدة وترفض أي انشقاق من جانب الأقليات، لكن هذا الأمر ينكر على الصين تنوعها الثقافي والإنساني ويعمي بصيرة الصين عن ضرورة الاعتراف بحقوق الآخرين.
#3#
هناك اتجاه في التحليل يرى أن الموقف المعادي للإسلام يعد جزءاً من الأيديولوجية الرسمية في جمهورية الصين، فهناك كثير من الإجراءات القمعية بدءا من معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية إلى منع الصلاة وإغلاق المساجد وخاصة في مدينة أورومتشي كبرى مدن إقليم شينغ كما أن هناك حالات إعدام كثيرة للمحتجين المسالمين وتضييق على الحريات الدينية للمسلمين وفرض غرامة 630 دولارا على من ترتدي الحجاب من نساء الإيغور وتتشكل أغلبية النساء المحجبات في المنطقة من ساكنات القرى. كما أن معدلات الدخل السنوي للإيغور لا يزيد على 500 دولار للفرد في العام وتجبر الحكومة الناس على التوقيع على تعهد بعنوان "لا أذهب إلى أداء فريضة الحج" ويلجأ المسلمون إلى كهوف تحت الأرض لتعليم أولادهم القرآن الكريم.
أما من يقوم بتدريس القرآن فيسجن وأحيانا يقتل، إذا كشف التقرير الرسمي لمنظمة العفو الدولية التابعة للأمم المتحدة، والذي صدر مؤخرا أن الصين نفذت عددا قياسيا من عمليات الإعدام العام الماضي في حملتها ضد المسلمين في الإقليم، كما أن هناك إحصائيات صدرت عن منظمة العفو الدولية تفيد أن 4015 حكما بالإعدام صدرت ونفذ منها 2468 حكما. وهذا العدد الكبير من التخلص من الإيغوريين ومن الإعدامات يؤكد على حجم الإبادة في الإقليم.
صحيفة 'التايمز' البريطانية في تقرير لها في 7 تموز( يوليو ) ألقت باللوم على قومية الهان التي ينتمي إليها أغلبية سكان الصين فيما يحدث حاليا من انتهاكات ضد المسلمين الإيغوريين، ومحاولات الهان تنسجم مع التوجه الرسمي للدولة لتذويب القومية الإيغورية ضمن النسيج الصيني. فما يمارس ضد مسلمي الإقليم من قبل السلطات الصينية يعد ضربا من إرهاب الدولة حسب تعبير كثير من المراقبين، وهذا هو أكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي يصرح قائلا : 'إن مناخ الخوف الذي يعيش فيه شعب يبعث على الأسى' مكتفيا بوصف ما يحدث بأنه يبعث عن الأسى دونما وضع أي آلية للتحرك لحماية هده الأقلية المسلمة من الإبادة.
ما الذي جري في الإقليم مؤخرا؟
بدأ متظاهرون مسلمون بالمطالبة بالعدالة لاثنين قتلا في بداية شهر تموز(يوليو) بعد شجار مع مجموعة من قومية الهان في مصنع بالقرب من مدينة شنغهاي في جنوب الصين، غير أن تدخل قوات الشرطة كان سلبيا ومستفزا، ولم تكتف الشرطة بالتدخل العنيف إذ تجمع المئات من أبناء قومية الهان حاملين العصي والسكاكين ما أدى إلى أحداث دامية راح ضحيتها المئات من المسلمين كما تم اعتقال ما يقارب من 1434 شخصا.
وفي وقت بدا فيه واضحا أن الدولة الصينية تتواطأ في العملية ما دام الضحية من الطرف المسلم، إلا أن وسائل الإعلام الصينية تسابقت في اتهام المتظاهرين المسلمين بالتخريب وأعمال الشغب بل وتهديدهم، فعلى أثر الاشتباكات الأخيرة قال المتحدث باسم الخارجية الصينية كين غانغ إن 'الحكومة الصينية اتخذت إجراءات حاسمة، بل وهدد أحد أعضاء الحكومة الشيوعية في الصين بتنفيذ حكم الإعدام على القادة المتظاهرين.
وتتحجج الصين بأن المتظاهرين لديهم نزعة انفصالية وأنهم ينتمون للقاعدة في محاولة لتضليل الرأي العام العالمي والمحلي في حين أن الحقيقة تشير إلى أن ردة فعل الحكومة الصينية وقومية الهان ما هي إلا تعبير عن محاولات السلطات القمعية الصينية وإبادة الأقلية الإيغورية المسلمة في إقليم شينغيانغ غرب الصين الغني بالنفط والمعادن ويسكنه الإيغور.
الكاتبة في "الواشنطن بوست" أريانا إنجونغ نشرت تقريرا جاء بعنوان "اضطرابات الصين مرتبطة ببرنامج للعاملين"، كشفت فيه أن الحكومة المحلية منحت شباب الإيغور المسلمين فرصاً للعمل في مصانع اللعب في المنطقة الغربية برواتب جيدة أغرت بعض الشباب بالانضمام. أما البعض الآخر فتردد رافضاً السفر بعيداً عن المنطقة التي نشأ بها وتختلف تقاليدها عن المنطقة الغربية.
ولكن مع تهديد الحكومة لأسر هؤلاء الشباب بغرامة تقدر بـ300 دولار في حالة عدم انضمامهم دفع الشباب إلى الرضوخ وقبول فرص العمل في تلك المصانع. وتوضح المراسلة أن أساس الاضطرابات الأخيرة يعود إلى برنامج جلب العمالة.
كان المتظاهرون الإيغور يطالبون بتحقيق كامل في المشاحنات التي حدثت في مصنع اللعب بين العمال الإيغور والهان، والتي أسفرت عن مصرع اثنين من الإيغور. ولكن لأسباب غير واضحة، خرجت المظاهرات فجأة عن السيطرة وتصادم المتظاهرون الإيغور مع الشرطة والمواطنين الهان، ليقع 184 قتيلاً ويُصاب أكثر من 1680 شخصا في واحدة من أكثر المظاهرات دموية في تاريخ البلاد الحديث. ثم سقط اثنان من الإيغور صرعى برصاص الشرطة بعدها، لتظل الأمور متوترة.
#4#
ويشير التقرير إلى أن العداوة بين الهان والإيغور، الأقلية المسلمة المتحدثة بالتركية وتعيش في أقصى غرب الصين، كانت تتأجج منذ عقود. وقد فسر المسؤولون الصينيون نقل العمال الإيغور بعيداً عن إقليمهم ووضع مصانع تابعة للهان في الإقليم بأنه كان يهدف إلى رفع الحالة الاقتصادية للإيغور الذين تقل أجورهم عن متوسط الأجور في البلاد. غير أن بعض الصينيين من الهان استاءوا من تلك السياسات التي وصفوها بالمحسوبية. بينما تذمر الإيغور من منعهم من ممارسة شعائرهم الدينية من صلاة وصيام وارتداء الحجاب، ومن خضوعهم لنوع من التفرقة في الوظائف الخاصة والحكومية، وإن لم ينكر بعضهم ارتفاع الرواتب مقارنة بما كانوا يحصلون عليه في إقليمهم، إضافة إلى تمتعهم بالرعاية الصحية.
وتلاحق الصين هذه الأقلية ورموزها في كل مكان في محاولة للتضييق عليهم، ففي أكبر مهرجان سينمائي في أستراليا ضغطت الصين للتخلي عن فيلم وثائقي عن مسلمي الطائفة الإيغورية. واتصل مسؤول قنصلي صيني بمنظمي مهرجان ملبورن السينمائي الدولي مؤخراً مطالبا بإسقاط فيلم عن ربيعة قدير سيدة الأعمال المبعدة التي تنتمي للإيغور والتي تزعم الصين أنها مسؤولة عن الحض على أعمال الشغب العرقية في هذا الشهر بإقليم شينغيانغ. المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية قال إن قدير يجب ألا يسمح لها بنشر آرائها "الانفصالية"، وأضاف أن بلاده تعارض بشكل مطلق أي دولة أجنبية توفر منصة لما سماها أنشطة انفصالية مناهضة للصين. ويتناول فيلم "الشروط العشرة للحب" علاقة قدير بزوجها الناشط صديق روزي والعواقب على أبنائها الأحد عشر في مساعيها من أجل حكم ذاتي أكبر للإيغور المسلمين البالغ عددهم 11 مليونا واعتقل ثلاثة من أبنائها. الصين بدورها تتهم مؤتمر الإيغور العالمي الذي تتزعمه قدير بأنه واجهة من أجل إقامة وطن منفصل في تركستان الشرقية.
ردة فعل المسلمين
التزم أغلب المسلمين في جميع أنحاء العالم الصمت إزاء ما يحدث من مواجهات بين الإيغور المسلمين وقومية الهان الصينية في مقاطعة شينغيانغ. وساد الصمت بعد أعمال الشغب التي وقعت في شينغيانغ وراح ضحيتها أكثر من 184 شخصاً. المفارقة أن الحكومة الصينية أعلنت أن غالبية القتلى هم من قومية الهان إثر هجوم من قومية الإيغور المسلمين الذين يشكون عقوداً من التهميش وسوء المعاملة والإهمال، كما قامت بكين بإغلاق المساجد مؤخرا في خطوة تضاف إلى سلسلة القيود العديدة الصارمة التي تفرضها الصين على حرية التعبير في شينغيانغ.
لكن أعلاماً صينية لم تحرق في كراتشي ولا دمى للرئيس الصيني هو جنتاو في القاهرة ولم تتردد هتافات " الموت للصين" في شوارع طهران، فما الذي جعل الرد على القمع الصيني مختلفا؟ ما من شك في أن مثل هذه الأمور تثير احتجاجات عاطفية هائجة لو حدثت في بلد عربي، لكن تقول الزعيمة الإيغورية ربيعة قدير "سبب صمت العالم الإسلامي حيال معاناة الإيغور هو أن السلطات الصينية نجحت في الدعاية التي روجت لها داخل العالم الإسلامي أن الإيغوريين موالون للغرب أكثر من كونهم مسلمين حقيقيين".
على أن الرد الحاسم والقوي جاء على لسان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي وصف ما جرى للإيغوريين بأنه "إبادة" كما نزل آلاف الأتراك إلى الشوارع للتنديد بما تعرض له إخوانهم الإيغور الذين يشاطرونهم نفس اللغة، ولذلك فإن الدعم في تركيا يتجاوز مجرد التعاطف مع إخوان مسلمين يتعرضون لظلم الكفار. الوضع في إيران كان مختلفا، فرجال الدين الإيرانيين المناصرين للحكومة لم ينددوا بما جرى في الصين بينما طالب رجل الدين الموالي للحركة الإصلاحية بإيران آية الله ناصر مكارم شيرازي حكومة بلاده بشجب ما وصفه "دعم الحكومة الصينية الفظيع للعنصريين من قومية الهان.
غير أن استخدام رئيس الوزراء التركي لتعبير "الإبادة الجماعية" في الصين أغضب القادة الصينيين، لكن كيف سيؤثر ذلك في أردوغان الذي يبدو أنه قاد الشارع التركي ضد ما حدث في الإقليم من استهداف وإقصاء للأقلية المسلمة من مسلمي الإيغور؟ هناك ما يشير إلى أن عددا قليلا من الأتراك الذين تابعوا المشاهد على التلفزيون سيقدر على محوها من الذاكرة. ونقلت المحطة الإخبارية التركية "إن تي في" حديثاً لزعيمة الإيغور في المنفى، ربيعة قدير، تصف فيه ما يعانيه شعبها من السلطات الصينية وفيه قالت إن أقل ما قاموا به هو إعطاء الوظائف الجيدة في منطقة الإيغور لقبائل الهان الصينية، وأسوأها بالطبع كان إطلاق الشرطة الصينية النار على الإيغور، بغض النظر عن السن أو الجنس، لا فرق عند الصينيين، على حد تعبير قدير.
في البداية لم يكن الأتراك متحمسين لقضية الإيغور. فالصين بلد كبير وقوي والمرشح لأن يلعب دور المحرك للاقتصاد العالمي في المستقبل. وتركيا بالعدد الضخم للعاطلين عن العمل فيها ترغب في التجارة مع الصين، لا القتال. ولكن الرأي العام لم يدع خياراً آخر لأردوغان وحكومته. فلأيام طويلة كانت الصحف التركية تنشر صور الضحايا الإيغور بسبب العنف الصيني، وعلى الصفحات الأولى منها. وقد خرجت مظاهرات احتجاج في تركيا. وقام المتظاهرون بوضع أكاليل سوداء أمام السفارة الصينية أو تجمعوا عند المساجد.
وبالتالي يمكن القول إن السيد أردوغان لم يستطع تجاهل الموقف بسهولة. فحزبه حصل على أصوات كثير من الأتراك المتدينين والقوميين، وكلا الجانبين أصيبوا في الصميم لما حصل في الصين. وهذا ما حرك حماس أردوغان.
في المحصلة النهائية
ما يجري الآن هو عملية منظمة من قبل الصين وقومية الهان للتضييق على المسلمين وذلك لأن الموقف الصيني موقف غير تسامحي مع الآخر، فمنظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة هيومن رايتس في الصين، تقول في تقريرها، إن الحكومة الصينية تقود حملة شاملة من القمع الديني ضد المسلمين الإيغور الصينيين، تحت ذريعة محاربة النزعة الانفصالية والإرهاب. التقرير الذي صدر بعنوان "ضربات مدمرة: القمع الديني للإيغور في كسينجيانغ"، يستند إلى وثائق حكومية وحزبية تم كشفها سابقاً، إضافة إلى القوانين المحلية وإحصاءات الصحف الرسمية والمقابلات التي تم إجراؤها في الإقليم. ويكشف التقرير للمرة الأولى التركيبة المعقدة للقانون والنظام والسياسات في الإقليم التي تحرم الإيغور من الحرية الدينية، وبالتالي حرية التنظيم والتجمع والتعبير. وفي الوقت الذي تحاصر فيه السياسة الصينية والقانون الصيني المعمول به النشاط الديني والفكر حتى في المدرسة والبيت.
وقد صرح شارون هوم، المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس في الصين بأن "بكين تنظر إلى الإيغور على أنهم تهديد عرقي قومي للدولة الصينية. ولأن الصين ترى في الإسلام دعامة للهوية العرقية الإيغورية، فإنها اتخذت خطوات قاسية جداً لإخماد الإسلام بهدف إخضاع المشاعر القومية عند الإيغور". ويشرح التقرير كيف تستخدم الصين أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001 وما تلاها من "حرب على الإرهاب" للتغطية على استهداف الإيغور. ورغم أن السياسات الدينية القمعية في كسينجيانغ سبقت أحداث 11 أيلول/سبتمبر، فإن الحكومة الآن تؤكد أنها تواجه حركة انفصالية يحرضها الإسلام, ذات صلات بالجماعات الإرهابية العالمية وتنظيم القاعدة.