> إنه مزيج غريب من المطبخ والمختبر. فمن إحدى الغرف تفوح رائحة الشوكولاتة المرة الحلوة التي يتم تسخينها على نار هادئة وتحريكها من قبل مصنعي الشوكولاتة. وعلى مقربة منها يقع مختبر علمي. وهناك صف مزدوج من المقصورات التي تضم أشخاصا مستخدمين للتجارب يشمون ويتذوقون من أحواض صغيرة، ويضعون كل منها على معايير مثل الحلاوة أو المرارة لإنتاج نماذج نكهة معقدة. وأسفل الممر، تجلس بعض النساء في مقاعد مريحة ويتحدثن عن الشعور الذي تمنحهن إياه الشوكولاتة. وتسجل الكاميرات والميكروفونات تحركاتهن وكلامهن لكي يتفحصها علماء النفس وعلماء الإنثروبولوجيا. وهذا هو العلم وراء مصنع الشوكولاتة المجاور الخاص بشركة Nestlé الذي تم تأسيسه قبل 110 أعوام، الذي تفوح منه كل صباح رائحة تحميص اللوز وحبوب الكاكاو على قرية Broc، القرية السويسرية التي تبدو فيها حتى الحشائش الضخمة منظمة. ويتم في هذه المختبرات، التي يُمزج فيها الفن بالتكنولوجيا بقيمة 25 مليون فرنك سويسري (23.6 مليون دولار)، ابتكار وصفات الشوكولاتة الجديدة. وفي مركز أبحاث آخر لشركة Nestlé في Lausanne، يعمل الباحثون على اكتشاف الكيفية التي تؤثر بها الشوكولاتة على عملية التمثيل الغذائي وسلوك ميكروبات الأمعاء الغليظة- بعبارة أخرى، تحليل الشوكولاتة بوصفها منتجا صيدلانيا، بدلا من كونها غذاء لذيذا.
وقد يبدو الاستثمار في هذا النوع من البحوث سخيا، خاصة خلال فترة الركود. ولكنه يجسد استراتيجية شركة Nestlé للنمو المستقبلي. وعلى الرغم من أن الشركة تشتهر بالشوكولاتة والآيس كريم والوجبات الخفيفة السكرية، إلا أن Peter Brabeck-Letmathe، رئيس الشركة، وPaul Bulcke، مديرها التنفيذي، يأملان تحويل شركة الأغذية إلى الشركة الرائدة في العالم في مجال الصحة والتغذية و''العافية''. ومن المغري انتقاد هذا بوصفه مجرد محاولة تسويقية- محاولة لجعل الناس يتقبلون تناول الأشياء التي لا ينبغي تناولها. إلا أن هناك منطقا تجاريا سليما وراء تحول Nestlé نحو الصحة والتغذية.
إن مبيعات المواد الغذائية التي تم تعديلها وتحسينها عمدا من قبل المصنعين لتقديم مزاعم بأن لها فوائد صحية - والتي تعرف باسم ''الأغذية الوظيفية'' تنمو في العديد من الحالات بصورة أسرع بكثير من مبيعات الأغذية ككل. وقد نمت مبيعات الأغذية الوظيفية في أوروبا الغربية بنسبة 10.2 في المائة سنويا بين الأعوام 2004 و2007، في حين نمت مبيعات الأغذية المعلبة بنسبة 6.3 في المائة سنويا خلال تلك الفترة، وذلك وفقا لشركة Euromonitor لبحوث السوق. وتنمو بعض الفئات بسرعة أكبر من ذلك. ففي أمريكا، زادت مبيعات الأغذية الوظيفية التي تروج مثلا ''لصحة القناة الهضمية'' بنسبة 15.8 في المائة سنويا بين الأعوام 2002 و2007، مقارنة بنمو مبيعات الأغذية ككل البالغ 2.9 في المائة سنويا وفقا لـ PricewaterhouseCoopers. وتتوقع الشركة الاستشارية أن تزيد قيمة السوق العالمية للأغذية الوظيفية من 78 مليار دولار عام 2007 إلى 128 مليار دولار عام 2013.
وتعتقد شركة Nestlé أن هناك إمكانات عظيمة في المستقبل لفكرة التغذية ''المكيفة حسب الأشخاص''. ومثلما ظلت شركات الأدوية تتحدث لفترة طويلة عن ابتكار أدوية تأخذ في الاعتبار التغيرات الجينية بين الأشخاص، تريد الشركة فعل الشيء نفسه مع الأغذية. ولهذا السبب تستثمر في مجالي التمثيل الغذائي والبروتيوميات بهدف توفير أغذية وحميات غذائية وأجهزة بل وحتى خدمات لمجموعات فرعية معينة من السكان. وهي تتوقع أنه بحلول عام 2017، قد تصل المبيعات العالمية للتغذية المكيفة ''حسب احتياجات محددة'' إلى 100 مليار دولار. وتشمل الأمثلة الحالية مكملات Musashi للواي بروتين (whey-protein)، ووجبات PowerBar الخفيفة للرياضيين؛ ووجبات Sondalis وNutren Glytrol الغذائية السائلة لمرضى السكر؛ وبودرة Optifast والعصائر لمتبعي الحمية الغذائية.
## التحول إلى نظام غذائي جديد
وتأمل شركة Nestlé أن يسهم هذا التحول في تركيز الاهتمام نحو الصحة والتغذية إلى تحويلها من شركة لبيع المواد الغذائية ذات الهامش المنخفض إلى مزودة للمنتجات والخدمات ذات الهامش المرتفع. (تمتلك بالفعل Jenny Craig، سلسلة مراكز خسارة الوزن الأمريكية، التي تتوسع الآن عالميا.) وتحتاج الشركة إلى مصادر نمو جديدة. فمبيعات المياه المعبأة، التي تشكل نحو 10 في المائة من أعمالها، تنخفض في الدول الغنية بسبب الركود. وقد تنتعش ثانية، إلا أن المحللين يخشون أن يكون مصير المياه المعبأة، التي تراقبها الجماعات المدافعة عن البيئة الآن عن كثب، مثل مصير تجارة الفراء.
ويبدو أن Nestlé أيضا تفقد الحصة السوقية في منتجات أخرى، على الرغم من أن المسؤولين في الشركة يفندون هذا. ويعتقد Pablo Zuanic، المحلل في JPMorgan، أنه في الربع الثاني من عام 2009، فقدت 44 في المائة من خطوط منتجات Nestlé الحصة السوقية في أمريكا، ولم تكتسب أي من منتجاتها حصة سوقية هناك، وذلك وفقا لمسوحات عن بيانات التجزئة أجرتها شركة ACNielsen لبحوث السوق. ويمكن ملاحظة تشاؤم التوقعات المستقبلية لشركة Nestlé في سعر سهمها: يتم تداول أسهمها بمضاعف أقل من الإيرادات من أسهم أهم منافسيها الأوروبيين. وأحد أسباب ذلك هو قلق المستثمرين من احتمالية أن تستثمر بعض أو كل المبلغ الذي من المحتمل أن تتلقاه العام المقبل من بيع حصتها في Alcon، شركة العناية بالعينين، والبالغ 30 مليار فرنك سويسري، في شركات أقل ربحية من تلك التي تمتلكها بالفعل.
ويشعر المستثمرون بالقلق أيضا من أن تكون Nestlé قد أصبحت كبيرة جدا وغير عملية. وتملك الشركة 30 خط منتجات يولد كل منها أكثر من مليار فرنك سويسري من المبيعات السنوية، من قهوةNescafé وحليب Nesquik إلى طعام Purina للحيوانات الأليفة ومياه Pure Life المعبأة التي يتم صنعها أحيانا من مواد تخرج من الحنفيات وليس من الأرض. وفي السنوات الأخيرة، بدأ المستهلكون بالتحول إلى أغذية أرخص لا تحمل علامة تجارية، وهو اتجاه تسارع جراء الركود، وقد يقوض قيمة امتلاك علامات تجارية كبيرة.
وبالتالي تمسكت الشركة بالأدلة على أن دمج مكونات صحية في منتجاتها قد يساعدها على تحريك مبيعاتها في الدول الغنية مرة أخرى، وكسب القلوب والعقول في الأسواق الناشئة أيضا. وتشمل تلك المكونات البكتيريا الحية في اللبن الزبادي، والكالسيوم الإضافي في الحليب الذي يسهل امتصاصه في أجسام الأطفال، والاستيرولات (نوع من الدهون النباتية) التي تخفض نسبة الكولسترول في الدم.
وقد وجدت دراسة أجرتها كلية هارفارد للأعمال أنه بين الأعوام 2004 و2007، زادت مبيعات شركة Nestlé التي تحتوي على مثل هذه المكونات ''الوظيفية'' بنسبة 23.7 في المائة سنويا، مقارنة بنمو بنسبة 6.2 في المائة سنويا لموادها الغذائية العادية. وزادت مبيعات الأغذية الوظيفية لشركة Nestlé بنسبة 20 في المائة عام 2008. وفي الـ 22 من تشرين الأول (أكتوبر)، أعلنت الشركة أنه خلال العام الصعب حتى أيلول (سبتمبر) 2009، الذي بلغ فيه معدل النمو الأساسي (مع استبعاد تغيرات الأسعار وتحركات العملة) لموادها الغذائية ومشروباتها نسبة 0.7 في المائة، حققت الأغذية الوظيفية نمو بنسبة 4 في المائة. وتستفيد شركات أخرى من الاتجاه نفسها. فقد أظهرت النتائج التي نشرت في الـ 23 من أيلول (سبتمبر) من قبل شركة Danone الفرنسية لمنتجات الألبان واللبن الزبادي، أن أنواع اللبن الزبادي الأكثر مبيعا هي تلك التي تحتوي على بكتيريا حية، التي يقال إنها تقوي المناعة أو تخفف الإمساك. وتستهدف حتى شركات الأدوية هذه السوق الجديدة. ففي آذار (مارس)، قال رئيس شركة Sanofi-Aventis الفرنسية للأدوية إنه يفكر في الاستحواذ على شركات أغذية وتغذية كوسيلة لتحقيق النمو. إلا أن شركات قليلة فقط تنفق المبالغ التي تنفقها Nestlé لتطوير الأغذية المكيّفة لتحسين الصحة. ومع ذلك، يجب أن تتغلب الخطة الكبرى لـ Brabeck-Letmathe لتجديد شركته على العديد من المخاطر. فهل من المنطقي الاستثمار في بحوث مكلفة طويلة الأجل لسوق ربما لا تتجسد أبدا؟ والخطر الآخر هو أن الجمهور المتشكك ربما لا يقتنع بالمزاعم الصحية الهائلة لشركة Nestlé، مما قد يثير ردة فعل سلبية من الجمهور أو النشطاء. وهناك أيضا احتمالية أن تلحق الاستراتيجية الجديدة الضرر بالعلامات التجارية الرائجة للشركة، مثل Nescafé ، التي استغرق بناؤها عقودا عديدة.
## أرباح أم أخطار؟
فلنبدأ بتكلفة البحوث. فإذا كانت Nestlé مستعدة للتنافس مع Kraft، ثاني أكبر شركة في العالم للمواد الغذائية، في مجال بيع الأغذية فقط، سيكون من الصعب في هذه الحالة تبرير إنفاقها على البحث والتطوير. إلا أن Brabeck-Letmathe شهد قبل عقد من الزمن تحول صناعة الأغذية إلى مجال للمنتجات المسلّعة مع هوامش متقلصة ومجال ضئيل للابتكار الهدّام. لذا بدأ بدفع شركة Nestlé لتطوير أغذية وظيفية ذات هوامش أرباح أعلى، وزاد الإنفاق وفقا لذلك. وفي عام 2008، أنفقت Nestlé أقل قليلا فقط من ملياري فرنك سويسري على البحث والتطوير، وهو مبلغ تضاعف تقريبا منذ عام 1998. وعند 2 في المائة تقريبا من المبيعات، يعتبر هذا المبلغ أكثر بكثير مما ينفق منافسوها: في عام 2007، أنفقت Danone نحو 1 في المائة من مبيعاتها على البحث والتطوير، فيما أنفقت Kraft 1.2 في المائة تقريبا. ويصف Richard Laube، رئيس قسم التغذية في Nestlé والمدير التنفيذي السابق لشركة مستحضرات صيدلانية، ''خط أنابيب'' يضم نحو 75 مشروع أبحاث. ويبدو استعارة مصطلحات من صناعة الأدوية مناسبا هنا، بالنظر إلى الوقت اللازم لتطوير هذه المنتجات الجديدة. وخلافا لدورات التطوير السريعة في السلع الاستهلاكية التي تتحرك بسرعة، والتي تستغرق عادة عاما أو عامين، قد تستغرق المنتجات في خط أنابيب التغذية لشركة Nestlé من أربع إلى ست سنوات لتطويرها.
ويعترف Laube بأن السعي لتصنيع أغذية وظيفية يعني أنه لا بد من زيادة الإنفاق على البحث والتطوير، خاصة لأن المنظمين على كلا جانبي الأطلسي يتخذون موقفا أكثر تشددا فيما يتعلق بالبحث والتطوير. وفي تشرين الأول (أكتوبر)، حذرت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية أنها تحقق في المزاعم الصحية التي تقدمها شركات الأغذية؛ فهي تنوي الإعلان عن مبادئ توجيهية أكثر صرامة في وقت قريب. وقطعت المفوضية الأوروبية شوطا كبيرا في فرض قواعد صارمة على المزاعم المتعلقة بالتغذية، وبدأت بتشديد المزاعم المسموح بها على أسس صحية أيضا. وعلى الشركات الراغبة في تقديم مزاعم متعلقة بالأمراض (''تخفيض ضغط الدم''، أو ''تقليل احتمالات الإصابة بالضربة القلبية''، وغير ذلك) تقديم أدلة علمية دامغة لدعم مزاعمها. ويستغرق هذا وقتا طويلا ويتطلب الكثير من المال.
ولكن سيكون هذا مفيدا إذا تبين أن المستهلكين مستعدون، كما يبدو، لدفع المزيد من المال لشراء منتجات لها فوائد صحية. ويشير Laube إلى أن هناك فائدة أخرى لمثل هذه البحوث طويلة الأجل، وهي أنها تنتج عادة الابتكارات التي تؤتي ثمارها على مدى أطول من التحسينات البسيطة الثانوية على السلع الاستهلاكية. ويشير إلى الحليب المحتوي على واي بروتين، المستخدم في مجموعة PowerBar لشركة Nestlé، ولأغذية الأطفال التي تقلل احتمالات الإصابة بالحساسية. وفي كلتا الحالتين، لا يزال المستهلكون يدفعون أسعار عالية لشراء تلك المنتجات بعد عقد من إدخالها لأول مرة.
وشركة Nestlé معتادة على لعب لعبة طويلة. خذ مثلا Nespresso، قهوة الإسبرسو الفورية التي يتم صنعها في آلة من كبسولة صغيرة من القهوة. فقد بدأت Nestlé العمل على هذه التكنولوجيا عام 1970، وقدمت أول طلب للحصول على براءة اختراع عام 1976. ولم تصبح مستعدة للبدء ببيع أوعية وآلات Nespresso إلا بعد عقد من ذلك. وبعد ذلك خسرت الشركة المال لمدة عشر سنوات. إلا أنه الآن أسرع منتجات شركة Nestlé نموا. وتتزايد المبيعات بنسبة 30 في المائة سنويا (على الرغم من أن Nespresso علامة تجارية ممتازة) ويتوقع أن تصل إلى نحو ثلاثة مليارات فرنك سويسري هذا العام. ويفترض أن يصنع المستهلكون القهوة في المنزل ويتخلوا عن أنواع القهوة الأغلى التي تباع في مقاه مثل ستاربكس. ويقول Bulcke: ''لقد انطلق ببطء شديد جدا. ولم نصل إلى هذه المرحلة إلا بعد 20 عاما من القناعة''.
وفي الواقع، قد تفيد القواعد التنظيمية الأكثر صرامة على الأغذية الوظيفية شركة Nestlé لأن القليل من منافسيها لديهم الكثير جدا من المال اللازم لاستثماره في مثل هذه البحوث. وقد تصبح الشركة السويسرية في النهاية في وضع قوي - ولكن شريطة أن تتمكن من تطوير أغذية وظيفية لها فوائد حقيقية يكون المستهلكون مستعدين لدفع المال لشرائها. ويعتقد Peter Killing من كلية IMD السويسرية للأعمال أنه ''كلما انتصر العلم، أصبح وضع Nestlé أكثر قوة''.
والخطر الآخر على استراتيجية Nestlé هو الفشل بسبب الآمال العالية، والناشئة عن نقطتي ضعف بوجه خاص. إحداها هي تراث الفضائح السابقة للشركة فيما يتعلق ببيع مسحوق الحليب في الدول الفقيرة، والتي أدت إلى مقاطعة مؤلمة. ويتعلق الثاني بردة الفعل السلبية التي شهدتها صناعة الأغذية ضد المحاصيل المعدّلة جينيا. ويقول Laube بأسى، واصفا الشكوك التي لا تزال قائمة لدى البعض فيما يتعلق بسلوك الشركة في العالم النامي: ''إن الرضاعة الطبيعية هي الأفضل! وسنقول هذا كل يوم، إلا أن العالم لن يصدقنا''. فقد طور مؤسس الشركة بديل الحليب المشهور للشركة، ولكن ليس ليحل محل حليب الأم، الذي يتفق خبراء الصحة أنه أفضل غذاء للرضع، بل لتغذية المواليد الجدد الذين لا يستطيعون الرضاعة بأمان بصورة طبيعية. وليست تلك دعاية للشركة: تؤكد منظمة الصحة العالمية أنه ''سيكون هناك دائما عدد صغير من الرضع الذين يجب أن يتغذوا على بدائل حليب الأم''. ولكن تم الإمساك بالشركة في إفريقيا ومناطق أخرى وهي تروج لمساحيق الحليب الخاصة بها بقوة كبيرة إلى درجة أنها حلت بالفعل محل حليب الأم - مما أضر بصحة الأطفال، وحين تم مزج المسحوق بمياه غير صالحة للشرب أو بجرعات قليلة، أدى إلى سوء التغذية أو الوفاة. وتصر الشركة على أنها أصلحت سلوكها.
ويعود تعمق شركة Nestlé في العالم النامي إلى عقود من الزمن ويمنحها السبق على معظم منافسيها في العالم الغني حين يتعلق الأمر باستغلال النمو. وتبنيها للعولمة في وقت مبكر لا يتعلق بالتخطيط بقدر ما يتعلق بالصدفة من كونها في دولة صغيرة وتبيع سلعة قابلة للتداول بصورة كبيرة. وفي عام 1919، استنزف الحليب المكثف لشركة Nestlé مخزون الحليب من المزارعين المحليين، مما أجبرها على فتح مصانع في أستراليا وإنجلترا وألمانيا والنرويج. وبعد ذلك بقليل اشترت مصانع الحليب المكثف الرائدة في أمريكا البالغ عددها 27، مما دفع بصحيفة الإيكونوميست إلى الإشارة إلى ذلك العام الذي ''لم تعد فيه Nestlé شركة حليب سويسرية؛ فهي صندوق استثمار دولي قوي جدا''.
واليوم، يتم بيع أقل من 2 في المائة من مبيعات Nestlé في سوقها المحلية، مقارنة بنسبة 60 في المائة لشركة Kraft. والعولمة التي فرضت على Nestlé علمتها في وقت أبكر من منافسيها مدى اختلاف الأذواق عبر العالم. فعلى سبيل المثال، يأتي منتج Nescafé الخاص بها في مجموعة مذهلة تضم أكثر من 500 نكهة. إلا أن فضائح الحليب المجفف التي عانت منها أدت إلى التدقيق في أفعال Nestlé في الدول الفقيرة مثل أفعالها في دول قليلة أخرى. ويعني هذا أن أي جهود جديدة كبيرة لإعادة بناء العلامة التجارية لعروض الشركة بوصفها ''صحية'' ستواجه التشكيك بها، خاصة في الأسواق الناشئة.
وتتمثل استراتيجية Nestlé هذه المرة في العمل عن كثب أكبر مع السلطات الصحية في جميع أنحاء العالم. وتهدف إلى توطين ''العافية'' بالطريقة نفسها التي عدلت فيها أنواع القهوة الخاصة بها حسب الأسواق المختلفة. فهي توسع مثلا جهودها بصورة كبيرة لإضافة المغذيات الدقيقة الأساسية- التي تراوح من اليود والحديد إلى فيتامين A والزنك - إلى موادها الغذائية الأساسية. ويعاني نحو ملياري شخص من نقص مثل هذه الفيتامينات والمعادن، التي تتراوح تأثيراتها من العمى إلى الوفاة المبكرة. وقد رفضت الشركة حبوب الرضع كمنتج متخصص، إلا أن باحثيها يستخدمون الآن هذا المنتج ''كناقل'' للبروبيوتيك والفيتامينات للأطفال. وتعمل أيضا على تطوير حزم رخيصة من الأغذية الغنية بالمغذيات للأشخاص الفقراء جدا، وهي سوق أخرى كانت قد ابتعدت عنها في السابق. ويقول Laube إنه تم التخلي عن الموقف الدفاعي للماضي: ''لدينا الآن قضية نبيلة''.
وقد يساعد هذا في العالم الفقير، ولكن هل يمكن أن تقف هستيريا أوروبا بشأن الأغذية المعدلة جينيا في طريق منتجات العافية لشركة Nestlé، إذا اعتبرت أنها تنطوي على الكثير جدا من التدخل العلمي؟ تسير الشركة في هذا الطريق بحذر كبير. ويصر Peter van Bladeren، رئيس مركز الأبحاث الرئيسي لشركة Nestlé في Lausanne، أن أغذيتها الوظيفية لن تعمل إلا على ''تحسين الطبيعة'' عن طريق إضافة مكونات صحية: ''ليس هناك مواد غريبة''. وخلافا للمحاصيل المعدلة جينيا، التي تفيد المزارعين بالدرجة الأولى، تهدف الأغذية الوظيفية إلى توفير المنافع للمستهلكين. وضرورة تقديم أدلة دامغة على وجود فوائد لإرضاء المنظمين من المفترض أن تطمئن المتسوقين، كما يقول Eric Scher من شركة Sanford Bernstein للأبحاث.
## الإضرار بالعلامة التجارية
وأخيرا، هناك خطر أن تضر الاستراتيجية الجديدة لشركة Nestlé بعلاماتها التجارية الرائجة التي استغرق بناؤها عقودا من الزمن. وقد يحدث هذا بعدة طرق. فإذا فشلت بعض الأغذية الوظيفية للشركة في تلبية المعايير اللازمة للمنظمين أو، وهو الأسوأ، إذا تبين أنها تسبب الضرر بدلا من الفائدة، قد يتحول المستهلكون ضد جميع منتجاتها، حتى المنتجات التي لا تقدم مزاعم صحية على الإطلاق. وقد يضرها هذا، لأن معظم إيراداتها لا تزال تأتي من بيع الوجبات الخفيفة اللذيذة مثل الشوكولاتة والآيس كريم والقهوة والحليب بنكهات مختلفة.
ويشير هذا إلى مشكلة أخرى محتملة. فإذا كانت شركة مشهورة ببيع الوجبات اللذيذة الخفيفة تريد تجديد نفسها لكي ترمز إلى العافية، ألا يرسل هذا رسائل مشوشة للمستهلكين؟ يصر Bulcke على القول إنه لا يوجد تناقض، وأن النكهة ستتفوق دائما على الفوائد الغذائية في عملية تطوير المنتجات الجديدة. فشركات تصنيع السيارات مثلا لا تعتقد أن هناك مشكلة بتسويق سيارات جديدة على أساس أنها تنتج انبعاثات أقل لغازات الدفيئة دون أن يؤثر هذا في أدائها.
والسيد Brabeck-Letmathe مقتنع أنه يمكن تعديل جميع العلامات التجارية لشركة Nestlé لتناسب استراتيجية العافية. فهو يصر على القول إنه ''ليس من الضروري أن يحدث ضرر إذا كان مبدأ كل منتج هو أن يكون أكثر صحة''. ويجب أن يخضع كل منتج لما يسميه تحليل ''الستين –الأربعين - وأكثر'': يجب أن تفضله نسبة 60 في المائة من المتذوقين على منتج منافس أو المنتج الذي يتم استبداله، ويجب أن يحتوي على مغذيات أكثر أيضا. فعلى سبيل المثال، ابتكرت الشركة طريقة جديدة لإنتاج الآيس كريم الذي ينتج بلورات ثلج أصغر من الطريقة المعتادة. ونتيجة لذلك، سيظل طعم الآيس كريم دسما مع أنه يحتوي على نصف كمية الدهون.
إلا أن المنتقدين يشككون فيما إذا كانت Nestlé قادرة على الوفاء بوعودها الطموحة في مجال الصحة والعافية. وتقول Marion Nestle (ليس هناك قرابة)، خبيرة التغذية في جامعة نيويورك، والتي تعتبر ناقدة كبيرة لشركات الأغذية الكبرى: ''إن أهداف شركات الأغذية تختلف اختلافا جوهريا عن أهداف الصحة العامة. وليس هناك الكثير من الأدلة على أن تناول مثل هذه الأغذية سيحسن صحة الناس. فإذا كنت تريد تحسين صحتك، لا تأكل كثيرا ولا تأكل الأغذية المعالجة''.
وقد يكون هذا أكثر صحة- ولكنه ربما بالنسبة للكثيرين غير ماتع أيضا. ولا يشعر Brabeck-Letmathe، بائع الآيس كريم السابق من أستراليا، بالندم. فهو يقول إنه يستمتع في كل صباح بالشوكولاتة الداكنة والقهوة التي تصنعها شركة Nestlé: ''ليس علينا أن نشعر بالخجل'' >
