مشاركة المرأة في العمل ضرورية ولكن!
عمل المرأة أمر مهم, ولا يمكن أن يعيش إنسان في هذه الدنيا بلا عمل, لكن تحديد طبيعة العمل وأولويته وكيفيته سواء للرجل أو المرأة هو مناط المشكلة التي ينبغي تطويرها والحديث عنها .. هل تعمل المرأة في المنزل أو خارج المنزل أو في كليهما؟ وكيف وماذا تعمل؟ وكيف تكون بيئة العمل من حيث اختلاطها بالرجال أو خلوتها بالرجل؟ وما الضوابط القيمية والاجتماعية والاقتصادية لنجاح دور المرأة في العمل خارج المنزل؟ وهل أخذ النساء العاملات في الدول الغربية ما يقرب من 60 % من أجر الرجال العاملين بنفس المؤهلات هو المقياس التنافسي لمقدرات المرأة في المتوسط أمام مقدرات الرجل في المتوسط؟ ولماذا تتخلى النساء عن وظائفهن في البيوت للخروج لمنافسة الرجال خارج البيوت؟ وهل جهاز السوق والحرية يعملان بشكل أكفأ بالتنويع أم بالمساواة في الوظائف بين الرجال والنساء؟
أسئلة كثيرة محيرة تواجه المجتمع والفرد رجلا كان أو امرأة عند الحديث عن عمل المرأة, والمجتمع في كل مرة يفاجئ فيها نفسه بالتغير من حيث تعليم المرأة أو عملها أو خروجها أو مشاركتها الإعلامية أو قيادتها السيارة، في كل مرة يواجه فيها المجتمع مثل هذه التغيرات يتردد وربما يرفض أو يتحدى ثم لا يجد إلا أن يستورد أو يستسلم للحلول والطرق الاجتماعية المطورة بما يناسب بيئة الدول الغربية في مختلف مراحل نموها، تماما كما يستسلم أو يستورد سائر سلعه الاستهلاكية المادية. لماذا يحدث هذا الاستسلام والاستيراد على الرغم من الآثار السلبية الكثيرة لاستيراد وتقليد الطرق الغربية في الحياة ؟ الجواب واضح جدا, إنه إذا لم تطور منتجات أو طرق حياة مناسبة لك ولبيئتك فإن ضرورات التغير المادية والتقنية والصناعية ستجبر الفرد والمجتمع على التغير في استخدام المنتجات والطرق الاجتماعية الغربية في الحياة .. وكيف يتم في بلادنا تطوير المنتجات والطرق الاجتماعية المناسبة للتغيير إذا لم توفر الموارد المالية والدعم المادي والمعنوي والبيئي لإعداد الدراسات والبحوث في وقت مبكر جدا قبل أن يصبح التغيير حتميا بأي اتجاه وأي وسيلة وأي طريقة وأي منتج؟
إذا تأملت مختلف القضايا المتعلقة بالاقتصاد أو المجتمع أو الصناعة أو التنمية أو الثقافة أو الحضارة أو اختيار الرجل المناسب للمكان المناسب والمرأة المناسبة للمكان المناسب, تجد أنها تعاني بشكل شديد من العشوائية والارتجالية وتجد أن مجال الدراسات والبحوث في مختلف الشؤون العامة والخاصة ينفق عليه بتقتير وتحت شعور قوي مع ذلك بأن تلك الدراسات والبحوث هي من الكماليات والترفيات ومما يتجمل به في الظاهر بالشكليات والعناوين لا الجواهر والمضامين.
فمثلا يفاجئ المجتمع نفسه بأنه لم يكن مستعدا لتعليم الفتيات وكيف يتعامل معه فلا يجد بدا من أن يختار إما حلولا أجنبية أو تماثل تام مع مناهج تعليم الفتيان وإما حلولا وسطية مرقعة لا تخرج أجيالا من النساء قادرات على تحمل المسؤوليات وقائمات بالأعمال المناسبة لطبيعتهن بكل مهنية واحتراف .. ولا أريد أن يفهم مني أن الطلاب والفتيان هم أحسن حالا في تعليمهم وتدريبهم من الفتيات والطالبات, ولكن الحديث ينصب اليوم هنا على عمل المرأة وتعليمها وتدريبها وتأهيلها.
ثم يفاجأ المجتمع حين يجد نفسه موضوعا أمام قضية عمل المرأة بعد أن مر بمخاض مصائبه في عشوائية تعليمهن فيحتار في قضايا عملها في بحور شتى .. كيف؟ وأين؟ ومتى؟ ولماذا؟ ثم قد يضطر كالعادة في عشوائية مجابهته مختلف القضايا الاقتصادية والاجتماعية إلى أن يتجه إما إلى اقتصار عملها في أقسام معينة وإما إلى تقمص الحلول الغربية المبنية على التماثل الجنسي بين الذكر والأنثى, فقد تخرج مع الرجل إلى ميادين الأعمال وربما فقط ليصفق لها لأجل جمالها ويزغرد لها لأجل نعومتها وظرفها.. ثم يتحير المجتمع ويفاجأ ويقف أحيانا ويقدم أحيانا في قضايا متعددة من بين أبرزها هل تقود المرأة السيارة أم لا؟ وهل تعمل في القضاء؟ وهل تتعلم مختلطة مع الرجال؟ وهل تنتخب للمناصب الإدارية والاستشارية العليا؟
لا بد أن يراجع مجتمعنا درجة اهتمامه ومستوى الأولوية التي يعطيها من موارده للقيام بالدراسات الاستراتيجية والميدانية والاقتصادية والاجتماعية لمختلف القضايا المتعلقة بالمرأة وشؤونها وذلك ليختار التركيبة والكيفية والطرق الأكثر مواءمة لإشراكها في عملية التنمية في مختلف مستوياتها .. لماذا لا تتم دراسة متكاملة لتطوير المناهج المناسبة لتدريس وتدريب المرأة بحيث تؤدي إلى جعلها أكثر إنتاجية في عملها داخل المنزل وخارجه؟ ثم لماذا لا يتم تقويم وتقييم عمل المرأة في بيتها ومنزلها ليعرف بمقاييس معينة كيف أنها تشارك في صناعة الناتج القومي للبلاد؟ إذا اختارت نسبة عالية من النساء (كما هو في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا 30 – 40 %) العمل داخل المنزل، وخاصة في القرى والمناطق الريفية، فلماذا لا يتم حسابه مع الدخل أو الناتج القومي ويعتبر قطاعا إضافيا رابعا أو خامس ا إضافة إلى القطاع الحكومي والقطاع الخاص والقطاع العام؟ هل ننتظر أن تقرر الولايات المتحدة أو أوروبا ذلك لنقتدي بها؟ لماذا لا نعمل نحن الدراسات اللازمة لذلك ثم نطلق ذلك وندعو بقية العالم إلى ذلك إنصافا للمرأة وحفظا لحقوقها؟ لماذا تهضم حسابات مساهمات الكثير من النساء في البيوت في التربية للأبناء والإدارة المنزلية والخدمات المتعلقة بطهي الطعام وإعداد الوجبات وغير ذلك؟ تشير كتب الاقتصاد والرأسمالية إلى أن من أهم عيوب حسابات الناتج القومي عدم إضافة عمل ربات البيوت, فلماذا لا نبرز نحن إسهاماتنا في إثراء العالم بتقديم حلول نحن صنعناها ونحن نطورها ونحن ندرسها؟ ففي المصرفية الإسلامية نموذج واضح على قدرتنا اقتراح كثير من الحلول التي تناسب مجتمعاتنا وبما يحافظ عليها ويمكنها أيضا من المشاركة الفعالة عبر مشروعات تديرها المرأة وتعزز إنتاجها المنزلي .