إنفلونزا الخنازير بين وزارة الصحة وشركات التأمين

تتوالى التصريحات على لسان مسؤولي وزارة الصحة بأن لقاح إنفلونزا الخنازير (إتش 1 إن 1) آمن من أي مضاعفات خطيرة. وقد جاءت التصريحات لتطمئن المواطنين والمقيمين وكذلك أولياء أمور الطلاب من المخاوف التي انتابتهم بسبب الأخبار والشائعات عن وجود مضاعفات خطيرة للقاح. هذا الموقف (الحاسم) من وزارة الصحة عززه كذلك صدور بيان صحافي مشترك من وزارة الصحة والهيئة العامة للغذاء والدواء يؤكدان فيه (مأمونية) اللقاح وعدم وجود مخاطر صحية لمن يتم تطعيمهم به.
وأيا كان الأمر، فإن المسؤولية الملقاة على عاتق من يتخذ القرار بالتطعيم أو عدمه هي مسؤولية ليست سهلة أبداً، خصوصاً أن التطعيم ضد إنفلونزا الخنازير سيكون اختيارياً. ولكن يلاحظ أن وزارة الصحة اجتهدت كثيراً في برامج التوعية الهادفة إلى حث المعنيين على الاستفادة من اللقاح، وهذا يمكن تفهمه بالنظر إلى دور الوزارة في مكافحة الأوبئة والتقليل من الضغط على المستشفيات من خلال الحد من انتشار المرض، وكذلك الاستفادة من الجرعات التي قامت الوزارة بتوفيرها من الخارج وتم رصد مبالغ كبيرة لشرائها.
وفي الحقيقة فإن الإشكالات المتعلقة بالمسؤولية الشرعية وكذلك القانونية وحتى الأخلاقية أيضاً لمن أُسند إليه حق اتخاذ القرار بالتطعيم من عدمه ليست من السهولة بمكان. ولا أقول سوى كان الله في عون الآباء والأمهات وأولياء الأمور الذين أسندت إليهم هذه المهمة الصعبة وهذه الحرية في اتخاذ القرار بتطعيم أبنائهم من عدمه، لأن القرار في كلتا الحالتين سيكون صعباً. فعدم التطعيم قد يقود أولياء الأمور إلى الشعور بالذنب لو حدثت وفاة جراء هذا المرض لا سمح الله، خصوصاً لمن لديهم ظروف صحية تزيد من احتمالات الوفاة وفي المقابل فإن أخذ القرار بالتطعيم سيقود إلى التفكير بإمكانية حدوث مضاعفات مرتبطة باللقاح.
الإشكالية الأخرى التي سأقصر حديثي عليها هي ما يتعلق بوجود (سند نظامي) من أعلى سلطتين صحيتين في المملكة وهما وزارة الصحة والهيئة العامة للغذاء والدواء يتمثل بعدم وجود خطر متعلق بلقاح إنفلونزا الخنازير، ومدى تأثير هذا السند النظامي على المسؤولية القانونية والعقدية لشركات التأمين. هذه الشركات التي يحلو لها التملص كلما وجدت فاتورة العلاج متضخمة بالمبالغ والأدوية فهي قد تجد في هذا السند النظامي المنطوي على التأكيد بعدم وجود مضاعفات صحية للقاح مخرجا نظامياً يعفيها من ضمان أي مخاطر صحية تترتب على لقاح إنفلونزا الخنازير. وحتى يتم فهم الموضوع من خلال جوانبه الفنية والقانونية فإن التزام شركات التأمين بالعلاج أو التعويض هو التزام مرتبط بحدوث خطر معين يتم الاتفاق على تغطيته، فالتأمين يدور وجوداً وعدماً مع الخطر، وهذا ينطبق كذلك على التأمين الصحي إذ لا يُتصور أن يكون هناك تأمين صحي دون أن يرتكز هذا التأمين على تغطية المخاطر الصحية التي يتعرض لها المؤمن ومن شروط الخطر ـ وفقاً لبديهيات ممارسة التأمين ـ أن يكون محدداً وأن يكون علاوة على ذلك متوقعا أو محتمل الحدوث وأن يكون حصوله في المستقبل.
ولذلك فإن شمولية التأمين للمخاطر الصحية التي (يمكن) أن تنتج عن إنفلونزا الخنازير تبدو من الناحية النظامية صعبة جداً، إذ ستستبعد شركات التأمين من قاموسها التأميني الأمراض التي قد تنتج عن لقاح إنفلونزا الخنازير باعتبارها أمراضاً غير موجودة أصلاً أو على الأقل غير متوقعة أو غير مرتبطة باللقاح، وقد يصل الأمر أن تتضمن وثيقة التأمين الصحي تعهدا من العميل بعدم مطالبته بضمان أي مخاطر صحية نتيجة حصوله على لقاحات أو تطعيمات (مأمونة).

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي