تصرفاتنا تُعبِّرُ عن أخلاقنا
نحن سبحان الله لا نُشبه في تصرفاتنا وأخلاقنا الشعوب التي تُحيط بنا، على الرغم من توافق طبيعة البيئة والتاريخ واللغة وأشياء كثيرة أخرى، وكأننا من جنس آخر. فنحن في الغالب لا يحترم بعضنا بعضا، ويتصرف الواحد منا بأنانية مطلقة إلا منْ هداه الله. وحياتنا كلها فوضى، ولا نحب التقيد بالنظام الذي هو في صالح الجميع. راقب الذين يحضرون إلى المساجد وقت الصلاة، وعلى وجه الخصوص صلاة الجمعة. لاحظ عدم الاهتمام حينما يخلع الواحد منا حذاءه عند مدخل المسجد. تجده ينسلخ من النعال ــ أكرمكم الله ــ في طريق الدخول إلى المُصلى غير عابئ إن كان في وسط الطريق أو حتى ملاصق للباب الذي يدخل معه المصلون. فما إن يكتمل دخول الجماعة حتى تشاهد أكواماً من الأحذية بعضها فوق بعض، والله يكون في عونك وأنت تتعثر بها داخلاً أو خارجاً. ولو أدرت نظرك قليلاً لوجدت أن هناك أماكن خاصة من الرفوف والزوايا المُخصصة للأحذية بعيدة عن المدخل. ولكن بعض المصلين لا يريد الواحد منهم أن يُكلف نفسه ويرفع حذاءه بيده الكريمة ليضعه فوق الرف المخصص له. أغلب الإخوة هداهم الله لا يهمهم إن كان فعلهم يُضايق الآخرين، بل هم في الواقع يُضيِّقون ويُؤذون أنفسهم.
الذي ربما أكثر إيذاءً وقت صلاة الجمعة، توقيف السيارات عشوائياًّ في الشوارع المحيطة بالمسجد. وكم من الحالات التي تُصيبك بالتوتر وذلك عند ما يُوقف أحدهم سيارته مُعترضة في وسط الشارع، حيث لا تسمح للمركبات الأخرى بالمرور إلا بعد أن يُحركها صاحبها. ورغم علمه بالموقف الحرج وبأن أصحاب المركبات الأخرى ينتظرونه تحت لهيب الشمس الحارقة، إلا أنه وبدم بارد آخر منْ يخرج من المسجد، وليس في وارده الاعتذار فيركب سيارته ويذهب إلى سبيله دون اكتراث بمشاعر السخط لدى الآخرين. وكان من الممكن بطبيعة الحال إيقاف جميع المركبات بانتظام على جوانب الشوارع المحيطة بالمسجد حتى ولو كان ذلك بعيداً عن المدخل ويتطلب السير على الأقدام عدة مئات من الأمتار، المهم أن نكون مُتحضِّرين في تصرفاتنا ومُحافظين على أخلاقنا واحترامنا لبعضنا. ومن المُؤكد أن أولادنا، وهم يُشاهدون أفعالنا، سيُقلدوننا وينقلون ذلك بأمانة مغشوشة إلى أحفادنا، حتى يبعث الله جيلاً يكون أحسن خُلقاً وأكثر أدباً ووعياً وأفضل تصرُّفاً من جيلنا فيبدأ بتغيير الطباع التي نشأنا عليها والتي جُبلت على حب الفوضى وعدم التقيد بالنظم.
والله إننا نشعر بالخجل من أنفسنا عند ما نتزاحم بغير انتظام أمام نوافذ مكاتب الجوازات والمرور والمكاتب الأخرى، ويتقدم المُتأخِّر على الذي سبقه بالحضور، مما يتسبب في إرباك الموظفين ويُؤخر إنجاز المعاملات، مع احتمال حصول مُشادات غير محمودة العواقب بين المراجعين. وما يضيرنا لو أن كل واحد منا أخذ مكانه خلف الذي سبقه حتى يصله الدور، أسوة ببقية البشر في الدول المتحضرة، وهو حتماً لن يخسر شيئا؟ وإذا كنا أو معظمنا قد مرًّ بقفزات غير طبيعيةً في حياته من العيش في الصحراء الفسيحة المشبًّعة بالحرية إلى حياة المدن المقيدة بضوابط وأنظمة تخدم الجميع وتعينهم على تسيير أمورهم، فإن المنطق يُحتم علينا أن نغير من طباعنا من أجل الصالح العام. والقاعدة الذهبية تقول: «عامل الناس بما تُحبُّ أن تُعامل به»، وما أحسنها من قاعدة لو عرفنا قيمتها. وكان من الممكن أن نلوم القائمين على تلك المكاتب والمسؤولين على عدم اهتمامهم بموضوع تنظيم المراجعين ليسهل عليهم التعامل معهم، ولكن كيف ذلك وهم أنفسهم من «طينتنا» وأخلاقهم وثقافتهم لا تختلف عن أخلاق وثقافة المراجعين. ولكن ما زال هناك أمل في أن تتحسن الأمور وتتفوق ثقافة الانضباط على ممارسة الفوضى بدليل أنك تُشاهد أفرادا «مواطنين» أمام بعض مكاتب «السعودية» في المطارات وداخل الشركات الكبيرة مثل: «أرامكو السعودية» و«سابك» وهم ينتظرون دورهم في صفوف منتظمة. ولعل تدخُّل موظفي تلك المؤسسات وحرصهم على إشاعة تنظيم المراجعين وعدم التعامل مع منْ يتخطى الذي سبقه هو الذي يجبر الحضور على احترام الأسبقية. وقد حلت بعض الدوائر والمؤسسات مشكلة الفوضى بأن أوجدت النظام الآلي لتسجيل الحضور، حيث يحمل كل فرد رقما تسلسليا حسب وقت حضوره. وهذا شيء جميل، ولكن كان بودنا لو أن الواحد منا يلتزم نظام الأسبقية احتراماً للآخرين دون أن يُقال له الزم حدودك واحترم غيرك.
وحتى خلال قيادتنا للمركبات في الطرق السريعة والشوارع العامة لا تشاهد أحداً يقبل بأن يكون في الوسط أو المؤخرة، إلا قلة. فالواحد منا يبذل أقصى جهد من أجل أن يكون في المقدمة، حتى ولو كان ذلك على حساب الآخرين، وهو ما قد يُؤدي إلى احتكاك بين المركبات وتعطيل للسير. وهذه العجلة لن يكسب منها قائد المركبة وقتاً إضافياًّ لأنه سيقف مع غيره عند الإشارة الضوئية المقبلة، ولكنها الحماقة وقلة الصبر وعدم احترام الآخرين والأنانية القاتلة. وهل من حل لهذه الممارسات الخاطئة؟ والجواب بنعم. فمن المؤكد أننا لو بدأنا بأولادنا منذ الصغر ومن الصفوف الأولى من الدراسة، تُلقنهم حب النظام واحترام حقوق الآخرين لترك ذلك أثراً في سلوكهم عند ما يكبرون، على شرط ألا نكون نحن قدوة سيئة لهم في تصرفاتنا أمامهم. وإذًا فنحن الكبار كما ذكرنا آنفاً في مُبتدى الحديث أيضا في حاجة إلى رفع مستوى ثقافتنا المتعلقة باحترام الطرف الآخر، وهذا يتطلب من الجهات المسؤولة في الدولة التي تمتلك الإعلام والتمويل أن يبثوا برامج إرشادية وتنويرية مُكثفة لمدة طويلة في جميع وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، لعل وعسى ينشأ جيل جديد يكون أكثر وعياً بأهمية المعاملات الطيبة بين أفراد المجتمع. ويكفينا فخراً انتماؤنا لهذا الدين الإسلامي الحنيف الذي يدعو إلى حسن الخلق والمعاملة الطيبة في جميع شؤون الحياة.
وقد قال شاعرنا:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا