الحلم بالمستقبل
الحلم بالمستقبل
> يرحب معظم الناس باحتمالية وضع حد للتركيز المؤسسي المفرط للاتحاد الأوروبي على نفسه. وتقول هذه الفكرة إنه حالما يصادق المتفاوضون المتعنتون على معاهدة لشبونة، ليس من المفترض أن يكون هناك مخططات جديدة كبرى. ولكن لا ينظر إلى الأمور بهذه الطريقة في فرنسا. وفي الواقع، يرسي الفرنسيون أساس فكرتهم الكبيرة التالية: تعميق المحور الفرنسي ـ الألماني لترسيخ قيادتهما المشتركة وجعل أوروبا ''أحد اللاعبين الرئيسيين في القرن الحادي والعشرين''.
وفي خطاب لسفرائه في آب (أغسطس)، أعلن الرئيس نيكولا ساركوزي أنه يريد ''أن تصنع أوروبا التاريخ مرة أخرى بدلا من العيش فيه فقط''. وكان نموذجه هو ''التفاهم الفرنسي ـ الألماني'' المبني على صداقته مع المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل. وينشر وزيره لأوروبا، Pierre Lellouche، هذه الرسالة بحماس. فقد كتب أخيرا في صحيفة Le Monde: ''ستشكل العلاقة بين فرنسا وألمانيا أكثر من أي وقت مضى قلب ما أسميه المرحلة الثالثة من التاريخ الأوروبي لما بعد الحرب''.
ولا يقترح الفرنسيون معاهدة جديدة للاتحاد الأوروبي، بل لديهم الكثير من المخططات الأخرى. وقد يعوّض الاحتفال مع ألمانيا بالذكرى السنوية العشرين لسقوط جدار برلين الشهر المقبل عن انعدام الدعم للتوحيد بين الألمانيتين لفرانسوا ميتران. ويريد الفرنسيون احتفالا مشتركا بمناسبة يوم الهدنة في الحادي عشر من تشرين الثاني (نوفمبر). وهناك حديث عن الاحتفال بالذكرى السنوية الـ 50 عام 2013 لمعاهدة الإليزيه بشأن التعاون الفرنسي ـ الألماني.
ويتم طرح الكثير من الأفكار حول السياسات أيضا. ويريد الفرنسيون إقناع الألمان بدعم الاستراتيجية الصناعية الجديدة لتعزيز الأبطال الأوروبيين، والاستثمار المشترك في التكنولوجيا النظيفة، وخطة أوروبية لاستقلال الطاقة، وتنسيق أكبر في مجال الضرائب، وأكثر من ذلك. ويعتقدون أن هناك أرضية مشتركة في معارضة العضوية التركية في الاتحاد الأوروبي، وكذلك إصلاح الرأسمالية الخالية من التدخل الحكومي. وهناك حديث عن وزير حكومة فرنسي ـ ألماني مشترك. وقد طلب Lellouche من فريقه إعداد ''أجندة فرنسية ـ ألمانية جديدة لأوروبا''، قبل عقد الاجتماع الوزاري المشترك قبل نهاية هذا العام. وقال الشهر الماضي: ''في التصميم الأوروبي الجديد، ستكون العلاقات الفرنسية ـ الألمانية جوهرية، لأنها هي فقط التي تجمع بين الإرادة السياسية والقدرة على دفع المشروعات الكبرى للأمام''.
وهناك العديد من الدوافع وراء هذا الهجوم الفرنسي. وأحدها هو السياسة الأوروبية المتغيرة. ويدرك الفرنسيون أن البريطانيين لن يكونوا أصدقاء مفيدين على الأرجح إذا فاز المحافظون المعارضون للاتحاد الأوروبي في الانتخابات الربيع المقبل. ويعلق أحد السياسيين الفرنسيين بالقول: ''يجعل ديفيد كاميرون ماغي تاتشر تبدو كأنها فيدرالية حقيقية''. وفي الوقت نفسه، يعزز إعادة انتخاب ميركل رئيسة لائتلاف يمين الوسط، بدلا من حكومة الوحدة السابقة مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الآمال الفرنسية بتشكيل حكومة ألمانية أكثر حزما.
وهناك عامل آخر، وهو وجهة النظر القائلة إنه حين يتفق الفرنسيون والألمان، ستتمكن أوروبا من إسماع صوتها. وكأمثلة على ذلك، يعدد الفرنسيون اتفاقيات مجموعة العشرين للحد من المكافآت المصرفية وتعزيز رسملة البنوك وتقييد الملاذات الضريبية.
## ليس هناك جسر عبر نهر الراين
وحسب واقع الأمور، بدأ ساركوزي، الذي لم يكن أبدا متعصبا لألمانيا بالغريزة، بداية حساسة مع ميركل، حيث اختلفا بشأن الخطط الفرنسية لاتحاد البحر الأبيض المتوسط؛ واستغرق الأمر وقتا كي تعتاد ميركل على أسلوب ساركوزي الحميم. إلا أن ساركوزي يعرف أنه لا يستطيع فرض أفكاره على أوروبا. وفي وقت لاحق، لمح فرصة لاستخدام المزاج المناهض للرأسمالية ضد ''الأنغلو ساكسونيين''، وسعى لإيجاد حليف. ويصر أحد المسؤولين الفرنسيين على القول: ''هناك تقارب مذهل في المفاهيم بين ميركل وساركوزي''.
ولكن الاتجاه المفضل عبر الراين هو التقدم ببطء بدلا من المشاريع الكبيرة. وقد عقدت وزارة الخارجية الألمانية أخيرا اجتماعا ليوم واحد لمناقشة العلاقات مع فرنسا، ولكن لم تتم مناقشة اقتراحات Lellouche كثيرا. وفي النهاية، ليس هناك حتى الآن حكومة ألمانية جديدة. وسيذهب وزير الخارجية من الحزب الديمقراطي الاشتراكي،Frank-Walter Steinmeier، إلا أن خليفته، الذي من المؤكد أنه سيكون Guido Westerwelle من الحزب الديمقراطي الحر، لم يصل بعد. وإذا كان Lellouche ''يريد بالفعل أن يتحقق اقتراحه، لم يكن لينشره في مقال في صحيفة Le Monde''، كما قال أحد مراقبي العلاقات الفرنسية ـ الألمانية في برلين.
وليس من المحتمل أن يحدث عصر ذهبي جديد حين تتولى ميركل وWesterwelle منصبيهما. وقد اكتسبت أكبر عضو في الاتحاد الأوروبي سمعة العناية بنفسها - سواء بسبب إنقاذ شركة أوبل للسيارات أو بسبب عمليات إنقاذ البنوك في منطقة اليورو. وسيكون حزب Westerwelle أكثر حذرا من السياسة الصناعية النشطة مما كان الحزب الديمقراطي الاشتراكي.
ولألمانيا أولويات أخرى للسياسة الخارجية إلى جانب فرنسا، مثل تحسين العلاقات مع بولندا وغيرها من دول أوروبا الوسطى. وفيما يتعلق بالطاقة النووية وعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، يشبه موقف حكومة ميركل الجديدة المواقف الفرنسية، مع أن التوصل إلى اتفاقية في هذا المجال قد يكون صعبا. فهي ستبقي محطات الطاقة النووية مفتوحة لفترة أطول، إلا أن الدولتين قد لا تتفقان على الكثير غير ذلك بشأن سياسة الطاقة في الاتحاد الأوروبي. وليس من الواضح أيضا ما إذا كانت ميركل تريد عرقلة مفاوضات العضوية مع تركيا.
وقد لا تكون المسائل الاقتصادية أسهل. والتعديل الجديد الذي أدخلته ألمانيا على دستورها سيجبرها على اتباع سياسة مالية متشددة، إلا إذا التف التحالف عليه للسماح بتخفيضات ضريبية. ومن ناحية أخرى، تخطط فرنسا للنمو للتخلص من العجز بوتيرة بطيئة. والاختلافات في الديون والتنافسية ستجعل من الأصعب إدارة منطقة اليورو. وستدعو ألمانيا إلى الادخار والإصلاحات لتعزيز القدرة التنافسية. ولكن إذا اكتفت بإلقاء المحاضرات على شركائها بدلا من تنسيق السياسات، فقد تتسبب بزيادة حدة التوترات داخل مجموعة اليورو بدلا من التخفيف منها.
وليس هناك حتى الآن أيضا اتفاقية فرنسية ألمانية حول كيفية تحقيق التقدم في الاتحاد الأوروبي بعد لشبونة. ويعني الحكم الصادر في الصيف من المحكمة الدستورية في ألمانيا أن على الحكومة زيادة التشاور مع المجلس التشريعي بشأن مبادرات الاتحاد الأوروبي. وليس من الواضح ما إذا كانت ألمانيا تهدف إلى منح الاتحاد الأوروبي نطاقا أوسع للعمل أو التعامل معها، كما تفعل دول كثيرة غيرها، باعتباره الخادم الوحيد للحكومات الوطنية. وليس هناك ما يدل على وجود اتفاق ثنائي حول توزيع المناصب العليا التي يتم إيجادها من قبل لشبونة.
والفرنسيون ليسوا متفائلين للغاية. فهم يعلمون أنهم يتجهون نحو خلافات محتملة بشأن تخفيض العجز. وفيما يتعلق بالمسائل الصناعية، غالبا ما تتنافس الدولتان مع بعضهما بعضا. والفرنسيون ليسوا سعداء بحقيقة أن القطارات الألمانية، وليس الفرنسية، ستسير على الخط عالي السرعة الذي سيتم افتتاحه قريبا بين موسكو وسان بيترسبيرج، ولا بحقيقة أن شركة Siemens ستنسحب من مشروعها المشترك النووي مع شركة Areva.
ويدرك الفرنسيون جيدا أيضا ضرورة إقامة علاقات أخرى في أوروبا. ولا يزالون يأملون اجتذاب البريطانيين إلى سياسة دفاع أوروبية مشتركة، حتى تحت رئاسة حكومة المحافظين. فمن الأصعب بكثير أن توجه دولتان الاتحاد الأوروبي المكون من 27 عضوا بدلا من اتحاد مكون من 12 عضوا. إلا أن الفرنسيين يتوقعون الكثير من ألمانيا - وليس من الواضح أنهم سيحصلون على الكثير >