الثنائي الغريب

الثنائي الغريب

الثنائي الغريب

> قال الرئيس الأمريكي، متفكرا في الفرص التجارية الاستثنائية المتزايدة في آسيا: ''موقعنا في المحيط الهادئ المقابل للصين سيحدد تاريخنا في المستقبل أكثر من موقعنا في المحيط الهادئ المقابل لأوروبا''. وبعد مرور أكثر من 100 عام على تنبؤ ثيودور روزفلت بهذا التنبؤ، بدأ القادة الأمريكيون ينظرون مرة أخرى عبر المحيط الهادئ لتحديد مستقبل دولتهم، ومستقبل بقية العالم. وبعد مرور وقت أطول مما توقع روزفلت، أصبحت الصين جزءا مؤكدا منه.
وفي عام 1905، كانت أمريكا هي القوة الصاعدة. وكانت بريطانيا، التي تملك القوة البحرية، تخشى فقدان هيمنتها لصالح القوة الصاعدة الجديدة. والآن، تشعر أمريكا بالقلق من صعود قوة منافسة محتملة. وكان التراث الثقافي والسياسي المشترك قد ساعد أمريكا على التفوق على القوة البريطانية دون إراقة الدماء، إلا أن صعود ألمانيا واليابان أدى إلى تعجيل نشوب الحروب العالمية. ويواجه الرئيس باراك أوباما الصين التي تزداد ثراء وقوة والتي لا تزال مصرة على البقاء استبدادية في الوقت نفسه. وسيكون صعودها أكثر إثارة للانزعاج من صعود دولته قبل قرن من الزمن.
وبالنظر إلى أن الاقتصاد الأمريكي في حالة يرثى لها فيما لا يزال اقتصاد الصين ينمو بسرعة (وإن ليس بسرعة نموه نفسها قبل الأزمة المالية التي حدثت العام الماضي)، يشعر عديد من السياسيين والمثقفين في كل من الصين وأمريكا أن ميزان القوى يتحول بسرعة أكبر لصالح الصين. ويتوقع القليلون أن تكون نقطة التحول وشيكة كما كانت بالنسبة لأمريكا عام 1905. إلا أن الحديث أخيرا عن ''الجيل الثاني'' يشير إلى تحول واضح في نقاط القوة النسبية للدولتين: تعتبران الآن شبه متساويتين ويعتبر تعاونهما بالغ الأهمية لحل مشكلات العالم، من التمويل إلى التغير المناخي وانتشار الأسلحة النووية.

اختر أسلحتك
في الشهر المقبل، سيقوم أوباما بأول زيارة له إلى الصين. ويشدد هو ونظيره الصيني، هيو جينتاو، على ضرورة التعاون وتجنب تسليط الضوء على خلافاتهما التجارية، خوفا مما قد يعنيه عدم قدرتهما على التعاون. وفي الأول من تشرين الأول (أكتوبر)، قدمت الصين عرضا مذهلا لقوتها المتصاعدة، مستعرضة ترسانتها العسكرية التي تتزايد بسرعة في جميع أنحاء بكين.
لقد أدت الأزمة المالية إلى زيادة حدة المخاوف مما يعتبره الأمريكيون غالبا تهديدا محتملا آخر. فقد أصبحت الصين أكبر مقرضة في العالم لأمريكا من خلال شرائها سندات الخزانة الأمريكية، مما قد يسمح لها نظريا بتدمير الاقتصاد الأمريكي. ولا تأخذ هذه المخاوف بعين الاعتبار التأثير المدمر (والمحرج سياسيا بصورة كبيرة بالنسبة لقادة الصين) لبيع الديون الأمريكية على احتياطات الصين من الدولار. وسيوضح هذا التقرير الخاص السبب الذي سيجعل الصين تستمر في إقراض أمريكا، والسبب في أن اليوان لن يصبح، على الأرجح، عملة احتياط في وقت قريب.
حين كان لورانس سامرز (الذي يشغل الآن منصب كبير المستشارين الاقتصاديين لأوباما) رئيسا لجامعة هارفارد، أشار ذات مرة إلى ''توازن الرعب المالي'' بين أمريكا ودائنيها الأجانب، خاصة الصين واليابان. كان هذا في عام 2004، حين كانت مقتنيات اليابان أكبر بأربعة أضعاف من مقتنيات الصين. وبحلول أيلول (سبتمبر) 2008، أصبحت الصين في المقدمة. وفي تموز (يوليو)، قالت صحيفة China Daily، الصحيفة الرسمية الصادرة باللغة الإنجليزية، إن مقتنيات الصين الهائلة من سندات الخزانة الأمريكية تعني أن بإمكانها تدمير مكانة الدولار بوصفه عملة احتياط في أي وقت، ولكنها أشارت أيضا إلى أن هذا في الواقع كان ''نسخة العملات الأجنبية لمأزق الحرب الباردة القائمة على أساس ''التدمير المؤكد المتبادل''.
وتدرس الصين أنقاض الاقتصاد العالمي على أمل تعجيل صعودها، ويشير بعض المعلقين الصينيين إلى الاتحاد السوفياتي كمثال، والذي استغل الفوضى الاقتصادية في الغرب خلال فترة الكساد العظيم للحصول على التكنولوجيا الصناعة من الباعة الغربيين اليائسين. ولطالما كانت الصين تشعر بالغضب من الضوابط المفروضة من قبل أمريكا على صادرات التكنولوجيا الرفيعة التي يمكن استخدامها لأغراض عسكرية. وهي ترى محنة أمريكا كإشارة للضغط من أجل رفع هذه الحواجز ومن أجل أن تبحث الشركات الصينية بنشاط عن فرص شراء بين صناعات التكنولوجيا الرفيعة في أمريكا.
وقد أدت الأزمة الاقتصادية إلى إبطاء النمو السريع لفترة وجيزة، من قاعدة صغيرة، للاستثمارات الصينية المباشرة المتجهة للخارج. ويتوقع Stephen Green من Standard Chartered، أنها قد تصل هذا العام إلى مستوياتها نفسها لعام 2008 (نحو 56 مليار دولار، أي أكبر بضعفين من العام السابق). ويخشى بعض الأمريكيين الاستثمارات الأجنبية المباشرة للصين، مثلما شعروا بالقلق، وكانوا مخطئين، في السابق من موجة الشراء اليابانية، إلا أن الكثيرين سيرحبون بالاستقرار وفرص العمل التي ستوفرها.
ولعل الصين تتمتع بقوة مالية متزايدة، ولكنها لا تزال متخلفة كثيرا في مجال الابتكار التكنولوجي وصنع العلامات التجارية. وسيحاول هذا التقرير الخاص أن يبين أن الولايات المتحدة قد تضطر للاعتياد على الوجود الصيني الأكبر على أراضيها، بما في ذلك بعض أكثر المجالات التي تبجلها، مثل صناعة السيارات. وقد يصل رجل صيني إلى القمر قبل أن يصل إليه رجل أمريكي آخر. إلا أن الحديث عن الجيل الثاني مضلل إلى حد بعيد. وعلى أية حال، لا تزال قوة الصين ضئيلة مقارنة بقوة أمريكا.
على الرغم من أن الصين لا تزال استبدادية، إلا أن الفلسفات الاقتصادية التي تتبناها الدولتان أوثق بكثير مما كانت عليها. وكما يقول Yan Xuetong من جامعة Tsinghua، بدأت الاشتراكية ذات الخصائص الصينية (كما يسمي الصينيون مفهومهم الخاص للشيوعية) تبدو بصورة متزايدة أشبه بالرأسمالية ذات الخصائص الأمريكية. ويعتقد Yan أن المصلحة المشتركة للصين وأمريكا في التعامل مع الأزمة المالية ستقربهما من بعضهما على الصعيد الاستراتيجي أيضا. ويقول باستياء كامن إن التكامل الاقتصادي العالمي جعل الصين ''أكثر استعدادا من ذي قبل لتقبل الهيمنة الأمريكية''.
والصين التي يراها الكثير من قادة الأعمال والسياسة في أمريكا هي الصين التي يبدو أنها تدعم الوضع الراهن والحريصة على المشاركة بصورة سلمية مع العالم الخارجي. إلا أن هناك جانبا آخر لتلك الدولة. فالقومية فيها قوة قوية ومتنامية وقد تؤدي إلى المشكلات. ويشك الكثير من الصينيين - حتى أولئك الذين تلقوا تعليمهم في أمريكا - بنوايا أمريكا ويشعرون بالاستياء من القوة الأمريكية. ومن السهل إقناعهم أن الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، يريد منع صعود الصين.
ويصادف هذا العام الذكرى السنوية الـ 30 لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بين أمريكا والصين، التي ثبت أنها نقطة تحول في الحرب الباردة. وما بين النصر الشيوعي عام 1949 والزيارة التاريخية للرئيس ريتشارد نيكسون للصين عام 1972، كان الاتصال بين الدولتين ضئيلا جدا كما هو الحال بين أمريكا وكوريا الشمالية اليوم. إلا أن اختفاء العدو المشترك للدولتين في النهاية، أي الاتحاد السوفياتي، أثار تساؤلات جديدة في الدولتين بشأن سبب أهمية الصداقة بين هذين الخصمين الأيدولوجيين، وكان الجواب الأبرز هو المنفعة الاقتصادية المتبادلة. وفي الآونة الأخيرة، يحاول الجانبان تعزيز العلاقة عن طريق التأكيد أن لديهما مجموعة من الأعداء المشتركين الجدد، من الأوبئة العالمية إلى الإرهاب.
إلا أنها علاقة مليئة بالتناقضات. ويقول أحد كبار المسؤولين الأمريكيين إن بعض تعاملات دولته مع الصين تشبه تعاملاتها مع الاتحاد الأوروبي؛ ويشبهها البعض الآخر بالتعاملات مع الاتحاد السوفياتي القديم، ''اعتمادا على أي جزء من البيروقراطية الذي يتم التعامل معه''.
إن أوجه التشابه مع الحرب الباردة أكثر وضوحا على الساحة العسكرية. وقد كان تزايد القوة العسكرية للصين في العقد الماضي كبيرا بقدر نموها الاقتصادي، مدفوعا بإشكالية تايوان الدائمة، أكبر عائق أمام العلاقات الصينية الأمريكية. وهناك مخاوف متزايدة في واشنطن العاصمة من أن تشكل القوة العسكرية الصينية تحديا للهيمنة العسكرية الأوسع لأمريكا في المنطقة. وتصر الصين على أن ليس هناك ما يدعو للقلق. ولكن حتى لو لم يكن لقيادتها خطط للحلول محل القوة الأمريكية في آسيا، يبين هذا التقرير الخاص أن أمريكا على حق في قلقها من احتمالية تغير هذا.
ومن الناحية السياسية، تتجه الصين نحو مرحلة غير مستقرة مع تسارع التحضيرات لتغيرات القيادة الشاملة عامي 2012 و2013. وسيكون الرئيس هيو ورئيس الوزراء، وين جيابو، من بين كبار السياسيين الذين من المقرر أن يتقاعدوا. وبالنظر إلى اقتراب الانتخابات الرئاسية في أمريكا عام 2012، فإن سياستها الداخلية ستعقد الأمور. وستجري تايوان أيضا انتخابات رئاسية عام 2012 سيكافح فيها السياسيون المتشككين في الصين من أجل استعادة السلطة.
خطر ثلاثي
وسيكون هذا الغموض السياسي في الدول الثلاث في وقت واحد تحديا كبيرا للعلاقة بين الصين وأمريكا. وستظل الدول الثلاث تكافح تداعيات الأزمة المالية العالمية. ولعل الصينيين في المناطق الحضرية يشعرون بالراحة الآن، ولكن قد تنشأ مشكلات في المستقبل. ويقول Yu Yongding، المستشار السابق للبنك المركزي الصيني، إن الإسراف في الإنفاق على أمور مثل مشاريع البنية التحتية غير الضرورية (الشائعة في الصين) قد يستنزف في النهاية القوة المالية للدولة ويؤدي إلى خسارتها ''لدوافع النمو''. وفي الأسابيع الأخيرة، بدأ حتى القادة الصينيين بإصدار تحذيرات بشأن استقرار انتعاش الصين. ويبين هذا التقرير الخاص أن السنوات القليلة المقبلة قد تكون سنوات مضطربة بالنسبة للعلاقة الثنائية. فالتوترات الاجتماعية تعكر صفو الصين، أكثر من أمريكا التي تواجه أزمة اقتصادية. فالاحتجاجات آخذة في التزايد، والفساد متفش، والجريمة في ازدياد. وتخشى القيادة من مواطنيها. ويتعامل أوباما مع الصين المعرضة لخطر المبالغة في تقدير قوتها مقارنة بقوة أمريكا. وقد يؤدي ضعفها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في النهاية إلى تعريض استقرارها وتعاملاتها مع العالم الخارجي للخطر >

الأكثر قراءة