الرفض أم القبول
الرفض أم القبول
> الدولار الضعيف أمر جيد بالنسبة للعالم من بعض النواحي. ووراء الانتعاش الحالي للاقتصاد العالمي، عادة الرغبة للاستثمارات المحفوفة بالمخاطر، مثل الأسهم وسندات الشركات. فقد ابتعد المستثمرون المذعورون عن جميع الأصول إلا الأصول الأكثر أمنا وسيولة: كانت سندات الخزانة الأمريكية الأصول الآمنة المفضلة. وأدى هذا الطلب على الأصول الآمنة إلى انتعاش الدولار في الأشهر التي أعقبت انهيار Lehman Brothers في أيلول (سبتمبر) الماضي.
والآن بعد انتعاش أسواق الأسهم المالية والاقتصادات، بدأ الدولار بالتراجع من جديد، مما سبب مشكلة بالنسبة للدول ذات أسعار الصرف العائمة. وأثار هذا ثلاث استجابات: إجراءات مباشرة لوقف ارتفاع العملات، أو التخفيض من قيمتها عن طريق التصريحات، أو تقبل الدولار الضعيف كحقيقة من حقائق الحياة.
واختارت البرازيل النهج المباشر. وتدفق رأس المال الأجنبي للداخل، حيث جذبته التوقعات المتفائلة للنمو الاقتصادي وارتفاع أسعار الفائدة قصيرة الأجل. وأدى هذا إلى زيادة أسعار الأسهم المحلية، وكذلك العملة البرازيلية، الريال. ولوقف هذا التيار، أعادت الحكومة ضريبة المشتريات الأجنبية من الأسهم والسندات. وعلى الرغم من أن الكثيرين يشككون في فعالية مثل هذه الإجراءات على المدى الطويل، إلا أنه كان لها تأثير مباشر. فقد انخفض الريال، الذي ارتفع بنسبة تزيد على الثلث منذ آذار (مارس)، بنسبة 2 في المائة (قبل أن يرتفع قليلا). وانخفضت سوق الأسهم المالية الرئيسية في البرازيل بنسبة تقارب 3 في المائة.
ولجأت دول أخرى إلى التخفيض من قيمتها عن طريق التصريحات. ففي بيان صدر بعد اجتماع البنك المركزي الكندي حول السياسة النقدية في العشرين من تشرين الأول (أكتوبر)، قال البنك إن قوة الدولار الكندي ستكون موازية لجميع الأخبار الجيدة عن الاقتصاد في الأشهر الثلاثة الماضية. فقوة العملة ستؤثر في الصادرات، كما قال واضعو الأسعار في البنك، وتعني أن التضخم سيعود إلى النسبة المستهدفة البالغة 2 في المائة في وقت أطول من الذي تم توقعه سابقا. وفهمت أسواق الصرف الأجنبي هذا التلميح، فقد انخفض الدولار الكندي بنسبة 2 في المائة مقابل الدولار الأمريكي بعد بيان البنك.
وكان لجهود أوروبا الرامية لاحتواء ضعف الدولار تأثير أقل. فقد تراجع الدولار الأسبوع الماضي إلى 1.50 دولار مقابل اليورو، حيث وصف Henri Guaino، أحد مستشاري الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، هذا السعر بأنه ''كارثة'' على الاقتصاد الأوروبي. ولطالما تذمر ساركوزي من ضرر اليورو القوي على المصدّرين.
إلا أن هناك دول أخرى في منطقة اليور أقل اضطرابا. فقد قال Walter Bos، وزير المالية الهولندي: ''يعكس اليورو القوي قوة الاقتصاد الأوروبي''. وتشعر ألمانيا، الدولة الأقوى في أوروبا من حيث التصدير، أن شركاتها تستطيع تحمل أن يصل سعر اليورو إلى 1.50 دولار.
فقد ازدهرت شركات التصدير فيها في المرة الأخيرة التي ارتفع فيها اليورو إلى هذا المستوى، لأن الطلب من آسيا والشرق الأوسط على سلعها الرأسمالية المتخصصة لم يتأثر بالأسعار. إلا أن فرنسا تضررت. فقد أظهر تقرير صدر في وقت سابق من هذا العام من قبل المفوضية الأوروبية أن شركات التصدير الفرنسية خسرت حصتها السوقية في العقد الأول لليورو. واستفادت دول أخرى في منطقة اليورو على الأقل، مثل اليونان وأيرلندا وإيطاليا وإسبانيا، من عودة الرغبة في المجازفة في الآونة الأخيرة عن طريق خفض دفعات ديونها.
ومع ذلك، هناك قلق واضح من أن يخرج تراجع الدولار عن السيطرة. فقد كرر جان كلود تريشيه، رئيس البنك المركزي الأوروبي، قوله إن صنّاع السياسة عير الأطلسي يقولون إن الدولار القوي هو في مصلحة أمريكا. ويقصد من ذلك الإشارة إلى أن في تجنب تدهور الدولار مصلحة مشتركة. وفي الواقع، تحتاج أمريكا إلى الدولار الضعيف للمساعدة على إنعاش اقتصادها وإعادة توجيهه نحو الصادرات بعيدا عن الإنفاق الاستهلاكي. وبما أن الصين ودول آسيوية أخرى تتبع مسار الدولار، فإن عبء تعديل سعر الصرف يقع على عاتق اليورو. وسيزور تريشيه، وJoaquin Almunia، مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الاقتصادية، و Jean-Claude Junker، الذي يترأس مجموعة اليورو لوزراء المالية، الصين في وقت لاحق من هذا العام للضغط من أجل تقوية اليوان.
ويقول البعض إن جزء من الحل يكمن في هدية البنك المركزي الأوروبي: فإذا خفض أسعار فائدته سيضعف اليورو مقابل الدولار. إلا أن وضع السياسة النقدية في منطقة اليورو لا يختلف كثيرا عنها في أمريكا, فسعر الفائدة الرئيسي للبنك المركزي الأوروبي، الذي يبلغ 1 في المائة، أعلى من سعر فائدة مجلس الاحتياط الفيدرالي، إلا أنه كان ليبراليا للغاية في توفير قروض نقدية طويلة الأجل للبنوك بحيث إن الأموال الفائضة رفعت أسعار الفائدة في السوق إلى مستويات قريبة من مستوياتها في اقتصادات غنية أخرى. وقد يساعد اليورو القوي أيضا عن طريق السماح للبنك المركزي الأوروبي بالاستمرار في تبني موقف نقدي متساهل لمدة أطول، كما يقول Stephen Jen من BlueGold Capital، وهو صندوق تحوّط.
وسيواجه البنك المركزي الأوروبي في النهاية المشكلة التي تواجهها الآن بعض البنوك المركزية. وما دامت أمريكا تبقي أسعار الفائدة منخفضة، من المرجح أن تعني المحاولات من قبل دول أخرى لتشديد السياسة (حتى المحاولات الخفية التي لا تغير الأسعار الأساسية) وجود عملة أقوى. ويبدو أن البنك المركزي الأسترالي مستعد لدفع هذا الثمن. وقد كشفت محاضر اجتماع السياسة للبنك المركزي الأوروبي في السادس من تشرين الأول (أكتوبر)، الذي رفعت فيه سعر الفائدة الرئيسي، أن سعر الصرف لم يكن من ضمن الاعتبارات. ويعزو واضعو السعر في البنك ارتفاع الدولار الأسترالي إلى مرونة الاقتصاد وقوة أسعار السلع. وبصورة مماثلة، أخبر محافظ البنك المركزي في نيوزيلندا، Alan Bollard، السياسيين أن قوة الدولار النيوزيلندي لن تقف في طريق رفع أسعار الفائدة.
حين كان الاقتصاد العالمي يهوي بصورة سريعة، كانت جميع الدول تحاول تحفيز اقتصاداتها في الوقت نفسه. ويقول David Woo من Barclays Capital، إن ''ما كان يبدو كأنه تنسيق كان في الحقيقة مصادفة''. والانتعاش أكثر تفاوتا من ذلك. فالدول المعرضة بصورة أكبر لآسيا الناشئة المزدهرة، مثل أستراليا، متفائلة بشأن ضعف الدولار. ويبدو أنه حتى اليابان لا تشعر بانزعاج كبير. ولكن في دول أخرى، يعد ضعف الدولار خطرا أكبر بكثير >