المقاول السعودي والتحديات المعاصرة
تطورت صناعة المقاولات في المملكة وتقدمت إلى مراكز مرموقة خلال السنوات الماضية وكانت تجهز نفسها لخوض المشاركة والتوسع حتى خارج البلاد واستطاعت المنافسة والمشاركة في بعض المشاريع العالمية وأثبتت وجودها في السوق العالمية للمقاولات ومن شدة المنافسة في قطاع المقاولات فلقد رحل معظم المقاولين الأجانب وما زلت أتذكر تصريح معالي وزير المالية في عام 2005م في أحد اللقاءات بأن نسبة الإنجاز في قطاع المقاولات تفوق 98 في المائة وذلك بواسطة مقاولين سعوديين.
#2#
ولكن كان للأزمة العالمية الاقتصادية تأثير بالغ في تدهور حال المقاول السعودي أسوة بالأسواق الأخرى مثل سوق المال وغيرها من الأسواق.
ولكن من المؤسف أن قطاع المقاولات والمقاولين السعوديين لم يعط اهتمام بل دفع الثمن وحده دون عون أو مساعدة، مما أدى إلى تدهور حال المقاولين وفقدانهم القدرة على المنافسة للمقاولين الأجانب حتى في عقر دارهم، ولقد أصبح نصيب المقاولين السعوديين من قيمة المقاولات في بلدهم محدود جدا ولا يقارن بما حصل علية المقاولون غير السعوديين، إضافة إلى سوء في التوزيع حيث أنه انحصر هذا النصيب الضئيل في عدد محدود من المقاولين السعوديين لا يزيد عددهم على عدد أصابع اليد مما جعل سوق المقاولات يفقد عديدا من المقاولين والبقية منهم تكبدت خسائر طائلة وويهددهم مستقبل مظلم وربما في سنوات قليلة قادمة لا نرى مقاولا سعودي واحد وذلك مثلما حدث في معظم الدول الخليجية المجاورة حيث إن عدد المقاولين الوطنيين لا يقارن نهائيا وأصبح المستفيد عبارة عن عدد من الأشخاص يعتبرون سماسرة للمقاولين الأجانب، ولعل من الأسباب التي أدت إلى تدهور حال المقاول السعودي ما يلي:
عدم وجود جهة منظمة ومسؤولة عن المقاول السعودي توصل معاناته إلى الإدارات العليا وصاحبة القرار وتكون مسؤولة عن وضع الخطط الاستراتيجية المستقبلية الوطنية لقطاع المقاولات والمقاولين السعوديين.
التعارض في التوجهات للجهة المنظمة لسوق العمل والعمال المتمثلة في وزارة العمل، ومن الواضح أن وزارة العمل تعطي الاهتمام للعمال سواء مواطنين أو وافدين وتدافع عن حقوقهم ومحاولة إيجاد الفرص لهم وهذا لا يختلف عليه اثنان بأنه من أفضل المسؤوليات للوزارة ولكن صاحب العمل من يدافع عنه، وهل يحق لوزارة العمل أن تكون المحكم والقاضي وهي الخصم ضد صاحب العمل، ولكن الأفضل الفصل في ذلك التعارض للأهداف والتوجهات.
نظرية تضخيم المشاريع وتجميعها في مشروع واحد والبحث عن مقاول كبير دائما, لقد أصبح التوجه في معظم القطاعات الحكومية تجميع المشاريع حتى ولو كانت مختلفة في النوعية والمواقع الجغرافية والبحث عن مقاول كبير وتهميش كل من المقاول الصغير والمتوسط وهذا مما سوف يفقد قطاع المقاولات روح النمو والتطور وسوف تكون نهايته قريبة، فعندما لا تكون هناك مشاريع بالمليارت من الريالات التي تتواكب مع طموح الشركات الكبرى ولا يوجد سوى مشاريع صغيرة أو متوسطة لا تجذب اهتمامهم فمن أين يأتي المقاول. من الطبيعي أن يكون هناك مشاريع لجميع الفئات صغيرة ومتوسطة وكبيرة حتى تخلق توازنا في سوق قطاع المقاولات لأننا نحتاج إليهم جميعا ولهم حق في البقاء والاستمرار والتطور.
#3#
عدم التوازن في التكاليف للمشاريع في قطاع المقاولات دائما يثير علامات النجاح والتميز للمشاريع الكبرى والمقاولين غير السعوديين ولكن لم يجرؤ أحد على مقارنة التكاليف، فإنه من المؤكد أن تكاليف المتر المربع للمباني في سوق المقاولات يراوح بين ثلاثة آلاف ريال للمتر المربع وما يقارب ثلاثين ألف ريال للمتر المربع، والسؤال: لماذا لا يكون الأنصاف عند المقارنة، فمثلا سيارة بكب داتسون لا تتجاوز قيمتها أربعين ألف ريال لا يمكن مقارنتها بسيارة فارهة رولز رويس قيمتها تتجاوز مليوني ريال ونحن بحاجة إلى مشاريع بتكاليف قليلة وعالية حسب أهميتها .
عدم وضوح الرؤية المستقبلية للعمالة الوافدة والوطنية والتسارع في تغير الأنظمة والقوانين التي تحد من نشاط المقاولين وعلاقتهم بسوق العمالة وعدم وجود ضوابط، ونحن نرى سوق العمالة فيه تغيرات جذرية، فتارة يخنق سوق التأشيرات لدرجة لا تجد فرصة لتأشيرات ويحدث خلل في سوق العمل وتارة هناك كميات هائلة من التأشيرات مما يخلق التنافس بين مستقدمي العمالة لأنها تأتي في وقت واحد مما يجعلها موسمية ويجعل الفرص غير متناسبة .عدم وجود ضوابط لإلزام شركاء المقاول بالوفاء بالتزاماتهم، وعلى سبيل المثال البنوك الممولة والموردون ومقاولو الباطن إضافة إلى العمالة فأنه لا يوجد نظام يلزم هؤلاء بالالتزام بالوفاء وإنما المقاول وحده هو الملزم في نظر الجهة صاحبة العمل بالوفاء بالالتزام، ويلاحظ أنه يتكرر إيقاف التمويل من قبل البنوك دون حسيب ولا رقيب والعمالة الهاربة تمثل أكثر من نصف العمالة الموجودة في السوق، وللأسف فإن معظم العمالة الوافدة لغرض العمل في قطاع المقاولات أصبحت تمارس البيع والشراء على الأرصفة وكأنهم أعطيت لهم محال من دون إيجارات وتكاليف ورخص بلدية وصحية وغيرها إضافة إلى خدمات التوصيل إلى المنازل وبيع الأغنام والإبل التي فيها عدد هائل من العمالة الوافدة. ولا يتوقف الأمر عند ذلك بل أصبحوا يمارسون تأجير العمالة المخالفة والهاربة بعقود شهرية ويومية، وأصبح عدد كبير منهم يعملون كمقاولين من الباطن وغيرها، وأصبح المقاول السعودي يتحمل أعباء استقدامهم والجوازات تحمل تكاليف مغادرتهم وكأنه مكافأة لهم على مخالفتهم الأنظمة والقوانين المعمول بها.
عدم وجود الآلية لفض المنازعات بين المقاول وصاحب العمل، بل كل ما في الأمر يطالب المقاول في الاستمرار بالتنفيذ والمطالبة بعد استكمال المشروع، وهذه المخاطرة هي التي ترفع تكاليف المشاريع الحكومية أضعاف تكاليف المشاريع الأهلية في القطاع الخاص.
عدم الوفاء من صاحب العمل بدفع المستحقات في حينها فمثلا تتأخر مستحقات المقاول لأشهر وربما سنوات ولكن يطالب بالوفاء ودفع أجور ومستحقات الآخرين شهريا وكأن المقاول أصبح صاحب العمل يصرف عليه من مدخراته ويموله مهما كانت الظروف والملابسات.
وهذه بعض الأسباب والمعوقات وهي كثيرة لا تعد ولا تحصى ولكن السؤال: هل نحن نريد مقاولا سعوديا أم لا؟ إذا كان الجواب بنعم فلا بد من تذليل المعوقات التي أمامه ووضع خطة وطنية واضحة المعالم تحافظ وتطور المقاول السعودي حتى يمكن الاعتماد عليه وليس كما ترى وزارة العمل أن تضع الآلية لتوفير سوق للعمالة متجاهلين صاحب العمل وتضع عليه من القيود والشروط ما يحوله في المستقبل إلى طالب عمل وليس صاحب عمل.. كم من مؤسسة أقفلت وكم وكم !!!.
وطيلة السنوات الماضية ما نرى من وزارة العمل سوى الوعيد والتهديد لصاحب العمل ولم نر حوافز ولا رؤية واضحة تحقق أهدافه، ويمكن الشعور والاطمئنان بأن المقاولات لها مستقبل زاهر إضافة إلى أن هناك العديد من الشكاوى والمرافعات من المقاولين لها سنوات في ديوان المظالم لم تر النور بعد ولو تم البت فيها ربما يعود جزء كبير من المقاولين السعوديين للعمل ويتمكنوا من النهوض ومشاركه المقاولين الآخرين في المشاريع التنموية العملاقة الحالية والجاري تنفيذها، وأن التأخير في إصدار الأحكام من قبل الديوان يضع الفرص المكتسبة أمامهم في الوقت الحالي وأصبحت الحاجة واضحة لوجود جهة عليا منظمه لقطاع المقاولات تدافع عن المقاولين وتضع الضوابط لهم .