Author

التحول لاقتصاد المعرفة يتطلب مزايين العقول المبدعة والسواعد المنتجة

|
بعدما حددت رؤية خادم الحرمين الشريفين ــ حفظه الله ــ توجهنا المستقبلي للتحول إلى اقتصاد المعرفة وجه ــ حفظه الله ــ عوائد النفط الناضب لبناء اقتصاد لاينضب للمملكة يعتمد على نواتج المعرفة من سلع وتقنيات وخدمات متجددة لا تنضب. وبدأ ــ حفظه الله ــ ببناء المؤسسات التعليمية والبحثية والتدريبية في الداخل، وما بناء الجامعات الجديدة وإعادة هيكلة القديمة وبرنامج خادم الحرمين للابتعاث إلا لبنات راسخة لخدمة هذا التحول الاستراتيجي. لقد حدد خادم الحرمين لنا الوجهة وأسس معاقل البحث والتعليم والتدريب التي تخدم الإنسان السعودي ليسير في اتجاه التطور المبني على المعرفة، وكان أحدثها افتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية وتأسيس أربع جامعات إضافية في أربع مدن في المملكة. ولكي تتضافر الجهود كلها للوصول إلى الهدف الاستراتيجي المنشود وهو التحول من اقتصاد يعتمد على البترول إلى اقتصاد المعرفة، لابد لنا من وقفة تأمل جادة وعميقة وجريئة. إن المعرفة الأصيلة والإبداع والابتكار لا يمكن أن تتحقق إلا بالبحث العلمي الجاد بعد توفير مستلزماته من مختبرات ومراكز بحث وتسويق لنتائج البحث وتشجيع لاستثمار نتائج تلك الأبحاث في سلع وتقنيات وخدمات. ولعل أهم عنصر في كل هذه السلسلة هو الباحث المبدع. إن عدد الباحثين المبدعين قليل في كل المجتمعات ودور النظام التعليمي من الروضة حتى الدراسات العليا هو البحث عن هؤلاء المبدعين وتعهدهم بالرعاية حتى يصلوا إلى المرحلة التي تمكنهم من ممارسة الإبداع في أبحاثهم. ولكي تتجدد إبداعاتهم لابد من اعتراف مجتمعهم العلمي ومحيطهم الاجتماعي بإنجازاتهم لتحفيزهم لمزيد من الإبداع في مجالاتهم البحثية. إن البحث العلمي لا يزدهر في بيئة لا تحتفي بأهم عنصر يقوم به وهو الباحث المبدع. إن أول دائرة تعترف للمبدع بإنجازه البحثي هي دائرة زملائه في التخصص مجال البحث في قسمه في كليته أو جامعته ثم زملاء التخصص في الأقسام المماثلة في جامعات الوطن وهؤلاء تجمعهم رابطة الجمعيات العلمية لكل تخصص في داخل الوطن ثم تتسع الدائرة لتشمل زملائه في التخصص في جامعات العالم والتي تجمعهم اتحادات وجمعيات علمية للتخصص في مؤتمرات إقليمية أو دولية تجمع المتخصصين. ولكي يصل الاعتراف والتكريم بالباحث إلى المستوى الإقليمي والدولي لابد أن يبدأ التكريم والاعتراف والتشجيع من المجتمع الذي ينتمي إليه الباحث المبدع. إن وجود الجمعيات والاتحادات العلمية والمهنية لكل تخصص علمي ومهنة من المهن يمثل الأساس لتطوير البحث العلمي والترقي المهني والاعتراف بالفضل للعقول المبدعة والسواعد المنتجة. إن المرحلة التي يتجه إليها اقتصادنا وتنميتنا تقتضي تشجيع قيام جمعيات علمية وجمعيات مهنية فاعلة وإعطاءها دورها العلمي والمهني للاعتراف بمن يستحق الانتساب إلى أي تخصص أو مهنة، كما أن المرحلة تستدعي قيام الجمعيات العلمية التي تكرم المبدعين في تخصصاتهم وتختارهم شيوخاً لمهنهم وتخصصاتهم. إننا بحاجة إلى شيخ الفيزيائيين والكيميائيين والجراحين بدلاً من مشيخات لا تضيف لمجتمعنا أية قيمة علمية أو اقتصادية أو اجتماعية. إن لرؤساء الجمعيات العلمية والمهنية ومشايخ المهن والتخصصات دورا بارزا في ترقية التخصص والمهن من خلال تغذيتهم الميدانية الراجعة لمجالس التعليم والتدريب بآخر معلومات التخصص وآخر تقنيات المهن لتطوير التخصص والمهن في الخطط الدراسية لمؤسسات التعليم والخطط التدريبية لمؤسسات التدريب إضافة إلى الاعتراف والتكريم للمبدعين في تخصصاتهم ومهنهم. إن التحول لاقتصاد المعرفة لن يحصل بالاحتفاء بمزايين الإبل والماعز و...... والتغني بالأمجاد القبلية التي تستعيب التطوير المهني والعلمي وتقوض الانتماء والولاء للوطن. إن من يراجع عدد المواقع القبلية في الإنترنت وما يدور فيها يصاب بالذعر ويصاب بالإحباط من التناقض فالقائد يؤسس الجامعات في التخصصات العلمية الواحدة تلو الأخرى ويبتعث الآلاف سنوياً للجامعات الدولية وأغلبية مجتمعنا يحتفي برموز وموروث أقل ما يقال فيه إنه يفرق ولا يجمع يؤخر ولا يقدم يثبط ولا يشجع، وفوق هذا كله يناقض توجه القيادة للتحول إلى اقتصاد المعرفة. إن متطلبات التحول لاقتصاد المعرفة تستلزم أن يكون الولاء للعقيدة أولاً ثم للوطن والدولة ثانياً ثم للمهنة والتخصص ثالثاً ثم تأتي بعد ذلك بقية الولاءات من قومية أو مناطقية أوقبلية.
إنشرها