أيهما أولى بالتأمين الصحي: المواطن أم المقيم؟
عندما صدر نظام الضمان الصحي التعاوني لم يُعره الكثير منا أي اهتمام بالرغم من أنه يمثل نقلة نوعية وكبيرة للرعاية الصحية التي يتم تقديمها للمقيمين من غير السعوديين على أرض المملكة العربية السعودية. فقد كانت فلسفة النظام وروحه تنبع أساساً من المفهوم الإنساني الذي ينبغي أن تَنبني عليه العلاقة بين العامل ورب العمل. تلك العلاقة التي اعتمد عليها النظام وذلك قبل أن يركن إلى المفهوم القانوني الذي يجسد هذه العلاقة بين العامل ورب العمل.
لقد كان النظام صريحاً في إنسانيته ولاسيما حينما حددت المادة الأولى منه الغاية أو الهدف من صدور هذا النظام، حيث نصت المادة الأولى منه على أن النظام يهدف إلى توفير الرعاية الصحية وتنظيمها لجميع المقيمين غير السعوديين في المملكة. فالرعاية الصحية بمفهومها الشامل هي كل ما يحتاج إليه المقيم من عناية صحية لائقة. بل إن النظام صريح في شمولية هذه النظرة الإنسانية ليس للعامل فحسب وإنما أيضاً لأفراد أسرته، حيث جاءت المادة الثانية منه لتقرر شمولية التغطية للعامل وكذلك أفراد أسرته. ولكي يعزز النظام هذا التوجه الإنساني فقد اعتمد على العلاقة النظامية التي تربط العامل المقيم برب العمل حيث نص صراحة على أن كل من يكفل مقيما يجب عليه أن يشترك لصالحه في الضمان الصحي التعاوني بل لا يجوز منح رخصة الإقامة، أو تجديدها إلا بعد الحصول على وثيقة الضمان الصحي التعاوني، وأن تغطي مدتها مدة الإقامة.
في الحقيقة أن هذا المقيم غير السعودي بدأ يقطف ثمار النظام بل إنه أصبح زبوناً مميزاً تتسابق المستشفيات والمراكز الصحية على تقديم الرعاية الصحية له وفق الاشتراطات والأوضاع القياسية التي قررها النظام وحرص على توفيرها للعامل المقيم، ولعل من أهمها ما يتعلق بجودة الخدمات الصحية، بل قرر النظام عقوبات صارمة في حالة إذا تملص رب العمل من التزاماته المفروضة عليه بموجب النظام وهذا ينسحب أيضاً على شركات التأمين ومقدمي خدمة العلاج. ومن ذلك فقط أشير إلى مسألة واحدة وهي أن إجبار رب العمل العامل على أن يتحمل هذا الأخير تكاليف الرعاية الصحية أو أن رب العمل امتنع عن الاشتراك في الضمان الصحي لصالح العامل فإن هذا الفعل يُعد من المخالفات الجسيمة التي تُعرض رب العمل للجزاء الرادع وفقاً للنصوص التي قررها النظام في هذا الشأن.
هذا الحق الذي تقرر للعامل غير السعودي تم التوسع به ليشمل المواطنين السعوديين الذين يعملون في القطاع الخاص وأفراد أسرهم وذلك وفقاً لما نص عليه النظام من إمكانية تطبيقه على المواطنين فيما بعد وفق خطط مرحلية، وهو ما تم بالفعل حيث تمت تغطية السعوديين العاملين في القطاع الخاص وأفراد أسرهم تأمينياً بموجب أحكام نظام الضمان الصحي التعاوني.
ومن وجهة نظر خاصة، فأنا أعتقد أن القرار المتعلق بالبدء في التأمين الصحي على المقيمين كان قراراً صائباً وفي محله وذلك لاعتبارات عدة منها: أن المقيم سيكون أكثر تقبلاً للتأمين من المواطن. كما أن تجربة التأمين الصحي في المملكة ستكون أكثر نضجاً عندما يتم تطبيقها على المواطن في مراحله اللاحقة، وأن الاستعجال في تطبيقه على المواطنين ليس من الحكمة بمكان ولاسيما أن الدولة وفق النظام الأساسي للحكم هي من يتكفل بالرعاية الصحية للمواطن وأسرته وأنها تُعنى بالصحة العامة، وتوفر الرعاية الصحية لكل مواطن. وبمفهوم المخالفة فالدولة ليست ملزمة بتوفير الرعاية الصحية للمقيم وما تقوم به تجاهه لا يعدو كونه تفضلاً منها من غير التزام.