مبادرات المناطق .. تجربة الإدارة المحلية وتطلعات التطوير (أمير حائل نموذجاً)

العلاقات الحميمة التي تربط أبناء الوطن بقادتهم المخلصين تمثل قيّم وفاء وعطاء متبادلا في هذه البلاد الغالية منذ توحيدها الخالد، والحاكم الإداري المحلي (أمير المنطقة) كممثل لقائد هذه البلاد الغالية في أي منطقة من مناطق بلادنا، وما يربط الحاكم الإداري في كل منطقة وأبنائها هو بلا شك امتداد لهذه العمق الوطني الراسخ.
#2#
مؤخراً احتفى أبناء منطقة حائل بذكرى مرور 10 سنوات على تولي الأمير سعود بن عبد المحسن بن عبد العزيز إمارة منطقة حائل، ولكي انطلق من نافذة هذه الاحتفائية ومناسبتها التي عبر عنها أبناء منطقة حائل بمشاعر الامتنان لرجل دولة عمل بصورة فريدة ولافتة على خلفية خبرات وممارسات إدارية واسعة امتدت إلى نحو ما يقارب الأربعين عاماً من العطاء الواسع في خدمة الوطن والمواطن إلى التعمق في هذه التجربة خاصة فترة تولي سموه لشؤون إمارة المنطقة والنظر إليها كتجربة من منظور وأدبيات الإدارة العامة لفهم العلاقات التنظيمية بين الإدارة المركزية ممثلة في أجهزتها التنفيذية في المناطق وهموم الإدارة المحلية وإدارة عملية التنمية والتطوير في المناطق، ولتأكيد استحقاق الإدارة المحلية في إدارة شؤون المناطق مقارنة بالتأثير البيروقراطي للإدارة المركزية التي تلعب دوراً رئيساً في شأن الإدارة المحلية إن سلباً وإيجاباً .

إن استعراض أي تجربة إدارية وطنية ترتقي إلى درجة عالية من الوعي في الفكر الإداري والتنموي تستحق الطرح وقد تضيف الكثير للقارئ الكريم والمراقبين والاختصاصيين في الشأن المحلي، وربما أصحاب القرار في الإدارات المركزية (التنفيذية) وكذلك المعنيين بشؤون التنمية والتطوير، وقد يكون ذلك محفزاً لصياغة وتطوير المهام الوظيفية المساندة لنجاح وفاعلية الإدارة المحلية من خلال أمراء المناطق التي تحظى شؤونها بدعم سمو النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية – يحفظه الله.

إن العلاقة التفاعلية والفاعلة في القرار الإداري والتنظيمي والتخطيطي المركزي في مؤسسات الدولة الخدمية التي هي موضع اهتمام إدارات أي منطقة والمواطنين فيها وبين الإدارة المحلية والمتمثلة بأعباء وطموحات أمير المنطقة وتطلعات أبنائها تشكل منظومة وطنية لعمل الإدارة المحلية التي تسعى القيادة الحكيمة إلى تعزيزها ومؤازرتها ودعمها لتحقيق مزيد من فرص التنمية والتطوير وتحقيق العدالة والرفاهية لجميع المواطنين في جميع مناطق بلادنا في ظل الدعم الشامل الذي تقدمه القيادة الحكيمة لهذه المناطق وليس أدل من ذلك إلا إعلان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وسمو ولي العهد الأمين – يحفظهما الله وتوجيهاتهما المستمرة بدعم المناطق الأقل نمواً أو المستهدفة في عملية التنمية، وتفاعلاً مع هذه التوجهات وتحقيقاً للإرادة السامية، فقد أحدث سمو أمير حائل مع السنوات الأولى لتسلمه إدارة شؤون المنطقة حراكاً لافتاً أجزم بأن نجاح سموه في إطلاق محفزات هذا الحراك بدأت برؤية إستراتيجية موضوعية تعكس خبرة وتجربة إدارية ثرية مع وعي ثقافي وتنظيمي مكّـن سموه من فهم واسع لبيئة المنطقة وواقع الثقافة التنظيمية فيها وتحليل عناصر القوة والضعف في اقتصادياتها تحديداً حتى تمكن من تشخيص واقعها وتحديد المحفزات التنموية فيها وفرص التطوير المتاحة، لذلك كانت إدارة عملية التنمية وشؤون التطوير حاضرة من وجهة نظري وذات أولوية في آليات العمل التي طرحها سموه ونسمع عنها دوماً متوازية مع واجباته كحاكم إداري للمنطقة فكانت أولويات إدارة التنمية والتطوير في المنطقة بكل تحدياتها تصاحبها تطلعات ملحوظة بضرورة إسهام القطاعات المركزية (الخدمية) وممثلياتها التنفيذية في المنطقة والدور الذي يمكن أن يؤديه مسؤولوها التنفيذيون في ترجمة تلك التطلعات على أرض الواقع بكفاءة وفاعلية لتحقيق أعلى درجات الإنجاز وتسريع عجلة النمو والتطوير وهذا بلا شك يرتبط بكفاءة وجدارة وكفاية الإدارة التنفيذية أو المسؤول التنفيذي في المنطقة، وأجزم أن هذا الواقع يمثل الهاجس بالنسبة لأمراء المناطق، فهل وجد أمير حائل الذي طرح وقاد عديدا من المبادرات التنموية في منطقته على سبيل المثال مستوى متطوراً وكفاءة عالية في الإدارة التنفيذية المحلية لمواكبة تلك المبادرات؟!

إن الإدارة المحلية تواجه دون أدنى شك معوقات من هذا النوع المرتبط بقدرة وكفاءة الإدارة التنفيذية وبيروقراطية مرجعياتها المركزية وهذه المرجعيات مسؤولة بصورة مباشرة عن توفير أو تحقيق هذه الكفاءة ومستوى الإنجاز في المناطق بما يعين أمراء المناطق على ترجمة تطلعاتهم على أرض الواقع، وحائل من وجهة نظري هي واحدة من المناطق التي عانت قصور الإدارة التنفيذية بصورة لم ترتق لمستوى مبادرات أميرها؟!

ورغم ذلك فإن التجربة القديرة والواعية لسموه تجاوزت مثل هذه المعوقات إلى آفاق واسعة من العمل الجاد من خلال مبادرات شراكات تنموية نوعية مع عديد من القطاعات التنموية الحكومية والأهلية مما أسهم في تحفيزها للعمل في حائل وأتيحت لها فرص تنفيذ استراتيجياتها في المناطق وهنا حائل كحاله، فعلى سبيل استقطاب مشروعات التنمية الاقتصادية وتنمية وتطوير الموارد البشرية ودعم المشاريع الصغيرة، ولذلك عملت الهيئة العامة للسياحة والآثار على تبني حائل كوجهة سياحية مثلما أطلقت الهيئة العامة للاستثمار بعض خططها المحلية في المناطق لتنمية فرص الاستثمار المحلي رغم أهمية توسيع هذا النشاط ، وكذلك الصناديق التنموية كبرامج صندوق تنمية وتطوير الموارد البشرية ، وصندوق المئوية، ولم تكن الرئاسة العامة لرعاية الشباب غائبة عن هذه البيئة التي بادرت المنطقة إلى شراكة متميزة أسهمت في إبراز جهود شباب الوطن في المنطقة بصورة غير نمطية، ومن خلال الحدث (رالي حائل الدولي) الذي مكّن من تسويق المنطقة سياحياً وإعلامياً مع حراك اقتصادي واجتماعي لم يكن متوقعاً في حسابات أبناء منطقة حائل ولا المتابعين لمثل هذه المبادرة، فلم يعد الرالي تظاهرة رياضية فقط بل منشطاً تنموياً شاملاً كما أراده أمير حائل، وقد أسهم طرح جامعة حائل عند التهيئة لتأسيسها كنموذج من حيث البناء المعرفي والأكاديمي وجهود سموه والشراكة التي عقدتها هيئة تطوير حائل مع جامعة الملك فهد للبترول والمعادن للاستفادة من التجارب الأكاديمية الناجحة بتعزيز الطموحات بالجامعة نحو العمل لتحقيق التميز الأكاديمي، وامتدت تلك المبادرات إلى تنمية وتحفيز أنشطة منظمات المجتمع المدني واللجان المحلية واستقطاب قطاعات الأعمال وعلى سبيل المثال إطلاق أول مركز تنموي على مستوى المملكة يعنى بشؤون تنمية وتطوير برامج ومشروعات المرأة والطفل في المنطقة، وأتابع كغيري كيف كانت ومازالت التطلعات ممتدة بأن تحقق مدينة الأمير عبد العزيز بن مساعد الاقتصادية التي انطلقت أعمالها الفعلية نقلة عصرية وحضارية تتجاوز بناء المكان إلى بناء الإنسان ولذلك وصف أمير حائل هذا المشروع عند إنجازه بأنه سيكون بمثابة (أرامكو الشمال) ، ولم تكن الحديقة البيئية الوطنية في مساحات برية شاسعة تلتف حولها التجمعات السكنية في موقع (المسمى) جنوب غرب حائل والتي أعلنها سموه وأعدت خططها لتكون تجربة وطنية في تنمية وتطوير القرى والأرياف وحماية البيئة والسياحة البيئة لم تكن خطط هذا المشروع غائبة عن تلك التطلعات الجادة التي رسمها أمير حائل وما زال ينتظر استكمال إنجازها إجرائياً مثلها مثل بعض الملفات الأخرى ذات البعد التنموي التي يتطلع لتنفيذها أبناء منطقة حائل، وما يميّز مثل هذه المبادرات الإستراتيجية أنها استندت إلى رؤية موضوعية بالاستفادة من نتائج الدراسات والبحوث التي تبناها أمير حائل من خلال هيئة تطوير المنطقة والتي حددت القطاعات التنموية الأكثر ملائمة لعملية التطوير إضافة إلى بناء قاعدة بيانات شاملة للمنطقة مما جعل هذه التجربة فريدة في العمل بمفهوم اقتصاديات المعرفة وتطبيقاتها التنموية في المناطق وعادة ما تنحصر مثل هذه الجهود فقط في المناطق المركزية ذات البعد الاقتصادي الكبير لوجود مراكز الأبحاث وبيوت الخبرة فيها وتظل هذه المبادرة تحديداً عاملاً مساعداً للقطاعات المركزية في صناعة قراراتها وصياغة إستراتيجياتها التنموية لنجاح تنفيذها في المناطق وهذا يحسب لتجربة أمير حائل في منطقته.

إن مبادرات وتجارب استراتيجية من هذا النوع كالتي يطرحها ويقودها أمير حائل من خلال نطاق عمله في منطقته تؤكد عمق الوعي بتطبيق مفهوم التنمية الإنسانية المستدامة والبحث عن آليات وأدوات التطوير الملائمة بتجاوز معوقات البيروقراطية مما يتوجب معه دعم وتفهم أبعاد هذه المبادرات التنموية من قبل القطاعات المركزية (التنفيذية)، ولا أبالغ إن ذكرت أن مثل هذه المبادرات قد تسهم في تحقيق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني وهذا يتطلب من الوزراء المعنيين في القطاعات التنموية الاهتمام باختيار أفضل الكوادر الوطنية المؤهلة للرفع من مستوى أداء الإدارات التنفيذية لتتواكب مثل هذه المبادرات الناجحة التي يقودها أمراء المناطق في مناطقهم.

إن مبادرات مثل (رالي حائل الدولي) رغم ضخامته التنظيمية وعوائده الكبرى واعتباره مشروعاً اقتصادياً موسمياً، ومهرجان التمور في بريدة، ومهرجان المانجو في جازان، ومهرجان الزيتون في الجوف وكلها على سبيل المثال قد تكون تجارب رمزية لما تكتنزه المناطق المستهدفة بالنمو وتأكيداً لتوافر الميز النسبية في كل منطقة، بحيث يمكن استثمار ما هو أوسع من ذلك من خلال خطط برامج أو مشاريع أو حتى أنشطة وفعاليات من شأنها تحقيق حراك تنموي في المناطق قد يقود إلى طرح مشروعات اقتصادية كبرى متى ما ساند مثل هذه المبادرات والتجارب دعم مركزي (تنفيذي وقطاعي) وفاعلية في أداء الإدارة التنفيذية، ومثل هذه المبادرات تؤكد بلا شك قدرة المناطق وإرادة أمرائها في طرح الخطط الإستراتيجية والتنفيذية الملائمة لمناطقهم مع التأكيد على الإستراتيجيات الوطنية الشاملة، ومدرسة أبو الإدارة المحلية في المملكة الأمير سلمان بن عبد العزيز هي وثيقة عمل إدارية وطنية ناجحة في هذا الشأن.

لقد أفرزت مثل هذه المبادرات التنموية تطلعات كبرى صاحبها ارتفاع في مستوى الوعي التنموي وتفاعل ملحوظ من قبل المجتمع المحلي في المناطق ولاشك بأن لذلك أبعاداً وطنية راسخة كما ذكرت ليست مستحدثة أو مستجدة، فكان لهذا التفاعل أثره الكبير في بناء ثقافة الحفاظ على المكتسبات الوطنية وتنمية الأبعاد الحقيقية للروح الوطنية والتي من أبرزها الحفاظ على الأمن بمفهومه الشامل والتصدي للمكائد التي تجاوزتها بلادنا بثقة واقتدار وكفاءة – ولله الحمد، فيما تتجه الأنظار إلى الإدارة التنفيذية بأن تلعب أدوارها لترجمة الخطط والمبادرات والتطلعات إلى واقع حي يتلمسه ويعايشه المواطن، ولاشك بأن هذه الاستحقاقات المتوجبة على الإدارة التنفيذية لا يمكن أن تتحقق إلا بإحداث تحول كبير في مفهوم التنمية الإدارية للإدارة التنفيذية تحديداً وإحياء لعناصرها بالكامل!!
والله ولي التوفيق،،،

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي