مكافحة الفقر بقوة التعليم أنجح الطرق للتطوير الإيجابي
في الوقت الذي يتراجع فيه حجم كثير من المؤسسات الاجتماعية بسبب الانكماش الاقتصادي العالمي، فإن هنالك منظمة غير حكومية تسير بعكس ذلك.
«في الوقت الراهن، نعمل على فتح خمس مكتبات يومياً بالمعدل، و35 مكتبة أسبوعياً، ونحن نتوقع أن يكون المجموع 2200 مكتبة هذا العام»، كما يقول جون وود، وهو مؤسس ورئيس مجلس الإدارة التنفيذي لـ «رووم تو ريد» – Room to Read»، وهي مؤسسة تبني المدارس والمكتبات في الدول النامية.
«نحن لا نريد أن نقلّص توسع رووم تو ريد؛ وهنالك حاجة كبيرة في الخارج إليها. هنالك 300 مليون طفل استيقظوا هذا الصباح، ولم تكن لديهم مدرسة للذهاب إليها. وهنالك 800 مليون شخص في العالم من الأميين، وثلثهم من الفتيات والنساء، وهي مشكلة تدفع نفسها إلى الأمام نحو الأبدية، لأنك إذا لم تعلّم النساء، فإنك لا تعلّم الجيل المقبل بأكمله. وبالتالي فإن رووم تو ريد لديها نمو راسخ في الحمض النووي الخاص بها، لأن كل يوم تخسره مع طفل هو يوم لا عودة له»، كما قال لمجلة انسياد نولدج خلال زيارته الأخيرة إلى سنغافورة.
إنه بالتحديد تصميم وود، وطموحه هو الذي حوّل رووم تو ريد في غضون تسعة أعوام فقط من كونها منظمة وغير حكومية غير معروفة كثيراً إلى واحدة لديها قائمة نشاطات تُحسد عليها الشركات الراعية الرفيعة. «لقد قمنا بأداء على مستوى عالٍ أكثر بكثير من الذي كنا نتوقعه فعلاً: 765 مدرسة، و سبعة آلاف مكتبة، وقدمنا الخدمة لثلاثة ملايين طفل خلال ما يقل عن عشر سنوات. ونتيجةً لذلك، فإن تبرعاتنا مستمرة، وفي الحقيقة، نحن ننمو أثناء الركود الاقتصادي.
واليوم، لدى رووم تو ريد بصمة كبيرة تمتد إلى تسع دول في آسيا وإفريقيا. فقد بدأت أولاً في العمل في نيبال في عام 2000، وهو المكان الذي استلهم فيه وود الفكرة وهو في رحلة إلى الهيمالايا لإعادة التفكير بمنصبه الرفيع في مايكروسوفت، بعد أن صُعق بمدى صعوبة الحياة على أطفال نيبال. فحتى مجموعة الكتب العشرين لنحو 450 طفلا في المدرسة ، وأساساً هي من فضلات الرحالة، كان لابد من حفظها في مكان مقفل لأنه لم يكن هنالك سوى القليل منها.
والأطفال، كما يقول، قادرون على تطوير عقولهم في سن صغيرة، وبالتالي لابد أن يعمل ذلك على دفع الناس للوصول إلى المزيد من الأطفال. «إذا لم تصل إلى أولئك الأطفال اليوم، فسيصلهم شيء آخر، وليس بالضرورة أن يكون أمراً إيجابياً مثل التعليم».
ومع توسع فريق إدارته في آونة مبكرة هذا العام، يحاول وود أن يبدي أنه ليس لديه أية نية للتباطؤ. «إن الأعمال الخيرية بالنسبة لي ليست وظيفة من الإثنين إلى الجمعة ومن الساعة التاسعة إلى الخامسة. وإنها بالنسبة لي هي 24 ساعة في سبعة أيام في الأسبوع، وعلى 365 يوماً في السنة، وهي ليست كوة خاصة؛ بل إنها أمر أعيشه كل يوم. ونحن ننظر إلى عدد الأطفال الذين بإمكاننا أن نصلهم، وعدد الأطفال الذين لم نتمكن من الوصول إليهم». «وبالنسبة لي اليوم، فأنا أعمل فترة أطول من أي وقت مضى في مايكروسوفت، وأسافر أكثر مما سافرت في أي وقت مضى من حياتي، ولدي المزيد من الناس الذين يقدمون التقارير لي أكثر من أي وقت مضى، غير أنني سعيد حتى حين أحرز قدراً أقل من الأموال، ولكنني أسعد. فأنا أستيقظ كل يوم، ولا أطيق صبراً على البدء بالعمل»، كما يقول.
وبينما شغفه ملموس، ومن الممكن أن يكون قد ألهم كثيرين على العطاء، فهو ليس السبب الوحيد لنجاح رووم تو ريد. يعزو وود النجاح إلى عدد من العوامل الأخرى مثل الانخراط على مستوى المجتمع المحلي.
«إن أحد تكوينات روم تو ريد السرية الرئيسية هي احتضان 41 فرعاً حول العالم، بما فيها هنا في سنغافورة. وهي يدفعها التطوع، والتحفيز الذاتي، والتوجيه الذاتي، وتجمع نحو ستة إلى سبعة ملايين دولار أمريكي سنوياً»، كما يقول.
تعتمد رووم تو ريد على قادة فروعها، وأعضائها للمساعدة على تحقيق أهداف جمع الأموال السنوية، وتمثيل رووم تو ريد. وتتألف الفروع من مجموعات من الأفراد الذين حققوا التزاماً تطوعياً طويل الأمد لتطوير رووم تو ريد ضمن شبكاتهم ومجتمعاتهم.
وتستخدم رووم تو ريد نموذج المنح الطموح كوسيلة أخرى لحث المجتمع على ملكية واستدامة أكبر، ويُحقق ذلك عن طريق الاستثمارات المشتركة. وغالباً ما تتحمل القرى جزءا مهماً من النفقات العامة على شكل حيز مخصص، وعمالة، وأدوات، أو حتى في صورة مقدار ضئيل من الأموال.
«إن حافزي هو أن يصل التعليم وليس أن ينفذ. وإنه ليس أمرا تقوم به لشخص ما، ولكنه أمر تقوم به من أجلهم؛ فأنت تعطيهم الفرصة. وأنا لا أؤمن بنموذج تقديم مجموعة من الموظفين، وتقديمهم كهدية للناس المحليين لأنك إذا قمت بذلك، لا تكون لديك أموال خاصة للمساهمة في الأمر؛ فلن يشعروا بالملكية، ولن يكون المشروع مستداماً».
ويحث وود أثرياء العالم على العطاء لأسباب مجدية أكثر جدوى، لأنه يعتقد أنه لم يتم القيام بما يكفي.
«وأقول لكل من نفذ الأمر، وهو على قيد الحياة، ومن هو ثري، إن مهمته لم تنته بعد. وأعتقد أن مثال بيل، وميلاند جيتس، لورين بوفيت يثبت ذلك. لا يكفي القيام بالأمر، بل عليك أن توظّف الفكرة، بجعلها نصف اللعبة؛ وتوظيفها هو النصف الثاني، وباقتباس من أندرو كارنيج: «من مات ثرياً، مات والخزي يعمره».