Author

خوارم المروءة..!

|
يصف كثير من المحافظين كل سلوك مستقبح عُرفاً أو ذوقاً أو مخالف للعادات الاجتماعية التي تربوا عليها بأنه من "خوارم المروءة", وهم يكسبونه بذلك صبغة الكراهية أو حتى التحريم على المستوى الديني. ومصطلح "خوارم المروءة" هذا حكايته حكاية.. فهو مصطلح قديم وفضفاض جداً لم يُتفق على تعريفه تعريفاً محدداً وواضحاً طوال مئات السنين بل تم الاكتفاء بضرب الأمثلة عليه, واستجرار مقولات القدماء عنه, ولذلك يمكن إسقاطه على أي سلوك لا يتناسب مع ذائقة أحدنا.. بمعنى أنه يختلف من مجتمع لآخر ومن زمن لزمن, فخروج الرجل من بيته إلى السوق أو المسجد وهو حاسر الرأس كان يعد حتى وقت قريب من "خوارم المروءة", كما أن شرب أحدنا كأساً من الشاي وهو يمشي في مكان عام خارم لمروءته استناداً إلى مقولة قديمة لابن سيرين فحواها "ثلاثةٌ ليست من المروءة: الأكل في الأسواق، والإدِّهان عند العطار، والنظر في مرآة الحجام", وبحسب اجتهادات حديثة لبعض المجتهدين الذين صنفوا مصنفاً أسموه "موسوعة خوارم المروءة" يمكننا اعتبار لحس الآيس كريم, ومضغ العلك, ولبس البدلة الرياضية والقبعة "الكاب", وأكل "الفصفص" والمكسرات من الأشياء التي تخرم المروءة خرماً! قد يعتقد كثير منكم أن هذا المصطلح لم يعد يعني شيئاً في عصرنا الذي تغيرت فيه كثير من العادات والأعراف للدرجة التي أصبح معها ما كان مرفوضاً بالأمس مستحباً اليوم, وهذا خطأ كبير, فكل واحد منكم مهدد بألاتُقبل شهادته إن كان قد ارتكب سلوكاً تم تصنيفه على أنه من "خوارم المروءة" وفق قاعدة "لا شهادة لمن لا مروءة له", فكثير من الفقهاء يعتبرون المروءة الشرط الخامس من شروط قبول الشهادة ! طبعاً لست هنا في مقام يسمح لي بمناقشة الاجتهادات الفقهية, لكني أعتقد أننا بحاجة إلى موسوعة حديثة من جهة رسمية معروفة تجمع "خوارم المروءة", على الأقل ليطلع عليها الناس ويحتفظوا بأهليتهم للشهادة قبل أن يضيعوها دون قصد أودراية, ويكتشفوا فجأة أنهم أصبحوا مردودي الشهادة بسبب كوب شاي "ع الماشي" أو ضحكة بصوت عالٍ في الشارع.. أقول هذا جاداً بعد أن اطلعت بالأمس القريب على تصريح لقاضيين فاضلين أكدا من خلاله أن ارتداء بعض المراهقين للملابس التي تتعارض مع أعرافنا وعاداتنا مثل "سروال طيحني" وما شابهه قد يكون سبباً وجيهاً لأن يمتنع القضاء عن قبول شهاداتهم, باعتبار أن فعلهم هذا من "خوارم المروءة", وأنا أتفق معهما تماماً في استقباح موضة "طيحني", لكني لست واثقاً من كون شهادة كل مراهق محب للتقليد قابلة للسقوط قبل بنطاله !
إنشرها