ضبط الجودة النوعية خليجيا لتأهيل العمالة الوطنية والوافدة وحماية الاقتصاد (1 من 4)

يحرص مختلف الدول المتقدمة والنامية على حماية اقتصادها أو أي أداة من أدواته بهدف إتاحة أفضل الفرص لنمو إنتاجها المحلي في حل من ضغوط المنافسة الخارجية, خصوصا منافسة الدول ذات المنتجات متدنية النوعية والأثمان الرخيصة.
سبل الحماية ووسائل متعددة، ولكل منها إيجابيات وسلبيات تتحكم فيها عددا وأثرا مؤثرات عديدة من بينها الظروف الخاصة بكل دولة وطبيعة اقتصادها.
من سبل الحماية المعروفة في مجالي التجارة والصناعة رفع الرسوم الجمركية على السلع المستوردة التي لها مثيل في البلاد، بصرف النظر إن كان المتوافر من تلك السلع بقدر الحاجة المحلية أو يقل عنها من حيث النوعية والكم، ووسيلة أخرى هي منع الاستيراد من تلك السلع، ولكل من هاتين الوسيلتين أو سواهما إيجابيات وسلبيات تتفاوت من بلد إلى آخر ومن سلعة إلى أخرى ومن زمن إلى آخر تبعا لمتغيرات محلية أو إقليمية أو دولية.
ولعل من أنجح وسائل الحماية وأكثرها منطقية وأوسعها نطاقا، من حيث اتجاهات الحماية التي تؤدي إليها، تلك الوسيلة المعتمدة على رفع مستوى جودة السلع الواردة عن طريق وضع حد أدنى من مواصفات الجودة بالقدر الذي يمنع دخول السلع ذات المستويات الرديئة في مادتها أو كيفية تصنيعها، ما يتيح الفرصة للمنتجات المحلية للبقاء والتطور.
ليست الحماية الاقتصادية المباشرة موضوع مقالي هذا، ولست ممن الاقتصاد اختصاصهم، ولكني تطرقت إلى ذلك كمدخل أتناول من خلاله القوى العاملة كأحد العناصر الأساس لأي نشاط اقتصادي. والحماية لنجاحه لا تقتصر على مجابهة المؤثرات الخارجية فحسب، بل يمتد إلى المؤثرات الداخلية. ومن أبرز المؤثرات الداخلية، كما هو معلوم القوى العاملة.
إن برامج التنمية الطموحة في دول الخليج العربية استلزمت بالضرورة الاستعانة بأيد عاملة من خارج حدودها, من بين الوافدين إليها فئات عملت فأجادت وعلمت فأفادت لأنها على ذلك القدر المناسب من الكفاءة الذي جعل من الاستعانة بها سببا من الأسباب الرئيسة لنجاح كثير من برامج التنمية.
أما البعض الآخر ممن وفد إلى هذه الدول، وهذا البعض يمثل الأغلبية ، فلم يكن أفراده، وما أكثرهم، قد بلغوا الحد الأدنى من الكفاءة، فعلاوة على قدومهم من دول لا يزال بعضها غير متقدم نسبيا، فهم لم ينالوا قسطا مناسباً من التعليم العام أو الفني أو المتخصص ناهيك عن التعليم التقني المتقدم. إن الاستمرار في جلب عمالة عديمة الكفاءة أو ضئيلتها، اعتمادا على أن تدني مستوى أجورها (رغم ما تمثله تلك الأجور من مستوى مرتفع جدا مقارنة بمستويات الأجور في بلادها المستقدمة منها) وسهولة الحصول عليها من ناحية، ومرونة استقدامها من ناحية ثانية سيسهم في خفض المصروفات التشغيلية للنشاطات الاقتصادية التي يعملون فيها, ما يؤدي إلى زيادة الأرباح, يعد استراتيجية خاطئة لما لها من ثمن باهظ تدفعه هذه الدول من اقتصادها واستقرارها الاجتماعي، وتتمثل أبرز عناصر ذلك الثمن فيما يلي:
1 ـ تدني مستوى الأداء الفردي، وبالتالي الكلي، وما يترتب على ذلك من خسائر مادية تتجسد في نتائج إساءة استخدام الآلات والمعدات وإتلاف المواد وإضاعة الوقت و(ثمن) هذه الأضرار يدفعه صاحب المؤسسة على المديين القريب والبعيد، ومن يستفيد من خدمات مؤسسته، ويتساوى مع المؤسسات والشركات في دفع هذا الثمن الأسر التي تستقدم عمالا وعاملات للخدمة المنزلية، وما أكثر الأسر التي اكتوت بنار جهل العمالة التي استقدمتها لمعاونتها والتي قبل أن تصبح قادرة على تقديم العون المنشود أتلفت عديدا من مقتنيات البيوت من الأجهزة الكهربائية والأثاث وغيرها ومن بينها السيارات الثمينة على سبيل المثال التي وقعت صريعة جهل سائقيها المستقدمين. وإذا كان هذا شأن المنزل فما بالك بالمصنع فيما يتعرض له من ضرر.
2 ـ تزايد أعداد العاملين رغبة من أصحاب الأعمال التعويض بالكم عن النوع، وما يترتب على ذلك من الضغط على مختلف أنواع الخدمات في البلاد، علاوة على ما لذلك من أبعاد أخلاقية واجتماعية غير حميدة، خصوصا أن الغالبية العظمى من المستقدمين، ذكورا وإناثا، عزاب.
3 ـ انعكاسات أمنية سلبية كنتيجة حتمية لتدني مستوى التعليم والوعي لهذا الكم الهائل من العمالة، يعززها غياب برامج التوعية بعادات البلاد وسلوكيات المجتمع، سواء قبل القدوم إلى البلاد أو أثناء الإقامة فيها.
4 ـ تضييق فرص المنافسة على المواطن الباحث عن عمل، لاختلاف معايير تحديد الدخل المناسب بين العامل غير المؤهل الوافد من دولة ذات مستوى معيشي أقل من مستوى المعيشة في دول الخليج والمواطن المؤهل.
5 ـ شبه انعدام إمكانية إكساب المواطن خبرة عملية رفيعة المستوى عن طريق هذه العمالة.
6 ـ كثرة دخول العمالة الوافدة إلى البلاد وخروجها في مدى زمني قصير له ضرر لا يقتصر على المؤسسات والشركات المستقدمة وحسب، بل إنه يشكل عبئا إداريا ثقيلا على أجهزة الأمن والصحة والجوازات وغيرها من الأجهزة الحكومية التي يدخل قدوم العمالة الأجنبية إلى البلاد وخروجها منها ضمن نطاق اختصاصاتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي