لنسهم في إدخال الفرحة على المحتاجين في العيد
العيد موسم الأفراح خلال العام، فهو احتفال بإنهاء شهر بذل فيه المسلمون جهوداً كبيرة في الصيام والقيام والصدقة ومختلف أصناف العبادة. وتستحق هذه الجهود الابتهاج والاحتفال، فهي أعمال خالدة ـ إن شاء الله ـ ومردودها مرتفع في الحياة الآخرة. وشرع الله الاحتفال والفرح فيها، وتوارثت الأمة مظاهر الفرح بالعيد، التي من أهمها لبس الجديد وتقديم أصناف الطعام الخاصة وتزاور واجتماع الأهل والأصدقاء والترويح عن الأطفال والنساء وتقديم الهدايا لهم والتنزه والترحال لإرضائهم. ومع كل التكاليف التي يتحملها أرباب الأسر نتيجةً الاحتفال بهذه المناسبة الكريمة إلا أن معظم الناس يشعرون بالسعادة لما يرونه على وجوه أطفالهم ونسائهم وأقاربهم وأصدقائهم من فرح وسرور.
والعيد فرصة لإدخال الفرح والسرور أيضاً على المحتاجين والفقراء، فقد شرع الله فيه زكاة الفطر التي هي تعبير صادق عن تلاحم الأمة في أوقات أفراحها واحتفالاتها. زكاة الفطر تتصدى لمعاناة المعدمين والمحتاجين من الجوع وتبعث شيئا من السرور والراحة في قلوبهم، وتمكنهم من مشاركة المجتمع بالابتهاج بالعيد. ومع أن حجم زكاة الفطر وقيمتها للفرد قليل إلا أن فرضها على كل إنسان جعلها كبيرة الحجم وبالغة التأثير. وتراوح كمية الطعام المتحصل من زكاة الفطر في المملكة حسب تقديري بين 60 و70 ألف طن، وأغلبية زكاة الفطر في المملكة من الأرز، ما يعني أن زكاة الفطر تمثل وحدها ما لا يقل عن 5 في المائة من استهلاك المملكة السنوي من الأرز. وهذه الكمية تكفي المحتاجين للطعام في هذا اليوم بل لجزء كبير من أيام السنة. وهذه الشعيرة على بساطتها هي من أفضل طرق التصدي للجوع الذي يعانيه أعداد كبيرة من البشر في العالم. ولو أخرجها المسلمون القادرون في العالم لتجاوز حجمها ثلاثة أو أربعة ملايين طن من الغذاء. وهذه الكمية من الغذاء ستسد رمق نسبة كبيرة من الجوعى المسلمين، وأعتقد أنه يمكن اعتبارها إحدى أهم أدوات محاربة الجوع في المجتمعات الإسلامية.
ولكن في هذه المناسبة السعيدة ينبغي ألا ننسى أن هناك محتاجين تنقصهم الفرحة في هذا اليوم. ولعل من أشد الناس حاجة إلى الفرح في هذا اليوم المرضى الذين أقعدهم المرض ولا تتوافر لديهم القدرة على توفير العلاج، وأكبر فرحة للمريض المحتاج هو توفير العلاج له. وهناك أعداد كبيرة من المرضى المحتاجين إلى المساعدة طول العام، خصوصاً في هذا اليوم السعيد. ويوجد عديد من الجمعيات الخيرية التي تحتاج إلى المساعدة والتي توفر تكاليف العناية الطبية للمرضى المحتاجين. ومن أشد المرضى احتياجا مرضى الفشل الكلوي الذين لا تتوافر لهم الموارد المالية لإجراء عمليات غسيل الدم. ويتسبب الفشل الكلوي في إقعاد المصابين به عن العمل بشكل طبيعي ما يحد من قدرتهم على الكسب المعيشي، وجلسات غسيل الدم متعبة لمرضى الفشل الكلوي كما أنها مكلفة، وتوفر الدولة العلاج لأعداد كبيرة من مرضى الفشل الكلوي ولكن لا تغطي الرعاية المرضى كافة، وتزايد أعداد مرضى الفشل الكلوي عدة مرات خلال العشرين عاماً الماضية حتى تجاوز عددهم 9400 شخص في الوقت الحالي ينتشرون في طول البلاد وعرضها. وتبذل الدولة جهودا كبيرة لتوفير العلاج، ولكن البيروقراطية الحكومية لا تستطيع التصدي لكل الحالات المرضية. وتحاول الجمعيات الخيرية، خصوصاً جمعية الأمير فهد بن سلمان الخيرية لرعاية مرضى الفشل الكلوي، تغطية الفجوة في الرعاية الطبية لمرضى الفشل الكلوي، وتقوم الجمعية بجهود رائعة في توفير الرعاية الطبية لنحو 570 مريضاً محتاجاً. والطلب على خدماتها مرتفع بسبب وجود أعداد أخرى من مرضى الفشل الكلوي الذين لا يستطيعون تحمل نفقات العلاج لنقص مواردهم المادية. وتكلف الرعاية الطبية للمريض الواحد نحو 110 آلاف ريال في السنة، وتصرف الجمعية كل التبرعات التي تصلها على المرضى ولا تنفق أي مبالغ على المصروفات الإدارية، حيث يقوم بمعظم أعمالها الإدارية متطوعون أخيار من خيرة رجالات هذا البلد الكريم.
والجمعية في حاجة إلى مزيد من التبرعات لتغطية الطلب على خدماتها وتوفير مزيد من الرعاية للمحتاجين من المرضى. ويمكننا من خلال تبرعاتنا البسيطة إدخال الفرح على قلوب مزيد من المرضى المحتاجين، ويستطيع المتبرعون تقديم ما تجود به أنفسهم بيسر وسهولة إما عن طريق إيداع تبرعاتهم أو زكاوتهم في حسابات الجمعية لدى المصارف الوطنية، وإما من خلال إرسال رسائل جوال للرقم 5060، وإرسال رسالة فارغة واحدة للرقم 5060 يعني التبرع بعشرة ريالات لمرة واحدة، أما إذا وضع رقم واحد في الرسالة فإن المتبرع يلتزم بتقديم 12 ريالاً في الشهر. وهو مبلغ بسيط بالنسبة لمعظم الناس ولكنه يعني الكثير لمرضى الفشل الكلوي، فتبرع أعداد كبيرة من الناس يوفر العلاج لهؤلاء المرضى. ولا ينبغي أن نستهين أو نحتقر جدوى التبرعات البسيطة، خصوصاً إذا عملت على نطاق واسع، حيث أوصى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعدم احتقار أي شيء من المعروف مهما قل، فكثرة عمل القليل يجعل منه عظيماً. رغم بساطة وانخفاض قيمة زكاة الفطر للفرد الواحد إلا أن تأثيرها كبير لأن الجميع تقريباً يدفعها في كل عام. كما لا ينبغي أن نمتنع عن التبرع بدعوى أن على الأغنياء أو على الدولة توفير العلاج أو التبرع لمرضى الفشل الكلوي، فالدولة تغطي احتياجات الجزء الأكبر من مرضى الفشل الكلوي وعلى المجتمع المدني تحمل مسؤوليته وسد الثغرة المتبقية. أما بالنسبة إلى الأغنياء فهم مثل باقي فئات المجتمع الأخرى يتبرع كثير منهم وتحجم أعداد أكبر عن التبرع، والمحجم أو الممتنع عن التبرع محروم من الخير سواءً كان متوسط الحال أو غنياً ولا ينبغي أن تكون أفعاله قدوة أو عذرا للباقين. وبذل المال في سبيل الخير هو أفضل استثمار في المستقبل، فالعائد من الإنفاق على الصدقة والزكاة في الآخرة أعلى من أي عائد في الدنيا، حيث إنه عائد دائم في حياة دائمة ويضمنه رب العباد، ولا يوجد ضمان أقوى من ضمانه. ويضاف إلى ذلك الضمان الذي ذكره نبي الهدى محمد ـ صلى الله عليه وسلم «ما نقص مال من صدقة»، والذي يضمن عدم نقصان المال من الصدقة وبذل الخير لوجه الله تعالى هو أزكى أوجه الاستثمار وأعلاه مردوداً، فأنت تنال خير الآخرة ولا ينقص من مالك شيء لأن الله سيعوضه عليك بأحسن منه في الدنيا وفي الآخرة، بل إن كثيرا من الأغنياء المسلمين وغيرهم يردون غناهم إلى بذل الخير، فلنسرع في أيام العيد السعيدة إلى إدخال السعادة في قلوب المحتاجين وأسرهم، خصوصاً المرضى، من خلال التبرع لهذه الجمعية وأمثالها، ففيه استثمار طويل الأجل وعوائده مرتفعة في أموالنا وأنفسنا.