«بيني وبينك 3».. تقمص السذاجة أساء للعمل والمجتمع
بعد عامين من المتابعة والإعجاب، ربما حانت اللحظة المناسبة الآن ليأخذ الجمهور مسلسله المحبوب جانباً ويقترب منه ويقول له بالخصوصية نفسها التي يوحي بها عنوانه «بيني وبينك.. الثالثة ليست ثابتة دائما!».
فأكثر من نصف الحلقات انقضت تقريبا بعدد كبير من الأحداث التي لا تبدو منطقية ولا حتى في إطار المبالغة الكاريكاتورية، ودون أن يفهم المشاهدون تماما ما الذي يريد الممثلون قوله بالضبط، وعلى أية حال، يبدو أن شيئا ما خذل المسلسل مثلث الأضلاع التمثيلية، فتنافست زواياه على السقوط ولم يعد الارتفاع فيه مواتيا على ما يبدو، وهو ما يجعل مساحة نجاحه قيمة مستحيلة في الوقت الذي صادف أن السنة الثالثة تحديدا للمسلسل هي التي هندست أكثر لحظاته إحباطا للمشاهد!
## بداية تقليدية لمسلسل واعد
لنتتبع الأمر منذ بدايته فمن الواضح أن انطلاقة «بيني وبينك» كانت تقدم عملا نوعيا في الكوميديا السعودية، سواء كان ذلك عبر البطولة الثلاثية للمالكي والعسيري والشمراني أو على مستوى النص الذي أبدع علاء الدين حمزة في إشعاله بمصباح من الأفكار والمفارقات الطريفة، وهو الكاتب الذي نجح قبل ذلك بشكل واضح في مسلسل»أخواني أخواتي».
جاء الجزء الأول بسيطا في بيئته الإنتاجية ومتماسكا في شخصيته الفنية، مدعوما بقدرة الممثلين على الدفع بالحس الكوميدي للعمل ليأخذ شكله الطبيعي غير المتكلف معتمدا بالدرجة الأولى على ملامسة الطرفة الشعبية المحلية بأسلوبها، وبحس كتابي يبدو متواصلا جدا مع كل ما يستجد على هذا الصعيد، الأمر الذي جعل «بيني وبينك» يستأثر بالكوميديا المحضة في مقابل»طاش» الذي تنحى بعض حلقاته للنقد الاجتماعي الجاد.
شعبية غير مسبوقة حققها أبطال «بيني وبينك»، لم تتحقق لهم خلال سنوات من الأعمال الفنية المحلية وقد يكون للانتشار الفضائي دوره كذلك في تعزيز هذا الجانب، بل إن المسلسل الوليد وضع نفسه وجها لوجه في منافسة صريحة مع «طاش ما طاش» بوصفه العمل الكوميدي الأشهر في الساحة السعودية والمستمر منذ 16 عاما.
كان الجزء الأول قويا في بنائه وأدائه ولم يحتج لإمكانات هائلة ليجعل البدء في تنفيذ جزء ثان تصرفا مبررا في وقته وكان من المهم أن يتعامل فريق العمل بمهنية عالية في ظل توافر إمكانيات أكبر ليكسبوا رهان الجودة والجمهور.
## النسخة الثانية.. مصائب قوم!
انطلقت النسخة الثانية، والبداية دائما من مشهد القبيلة في الصحراء، عزز «مناحي» ثيمة هذه الشخصية دون أن يغير فيها شيئا، بينما تحول مفرح إلى الشيخ مدحت، في حين كانت المساهمات المالية والبعد الاقتصادي حاضرا بقوة في حلقات هذا الجزء، في الوقت نفسه، كان الواصل هو نفسه الزعيم «واسيلي هاليلي» الذي يقود ثورة مسلحة في إفريقيا، ويساوم الإدارة الأمريكية على ثروات محتملة في ذلك البلد، وقد كان واضحا هنا أن الكاتب أوجد عوالم كوميدية إضافية للمسلسل الذي بات يحشد قدرات إنتاجية لا محدودة ليواصل نجاحه، استمرت الحلقات، رافقها كثير من النقد على بعض العبارات التي لم تكن لائقة، لكن الأهم أن العمل لم ينجح فقط في جمع شمل الشخصيات الثلاثة على رغم تباينه المكاني والحدثي في سياق واحد مقبول فنيا، وضمن قصة مترابطة إلى حد كبير، وقد وجّه ذلك آراء الجمهور للانحياز المطلق لهذا الجزء بالمقارنة مع مسلسل «كلنا عيال قرية»الذي تزامن معه في العرض، وكان مثار الكثير من التساؤلات حول عاديته المفرطة قياساً بما هو متوقع من الثنائي الكوميدي الأشهر السدحان والقصبي، وبالتالي حسمت الجولة لصالح «بيني وبينك2» قبل عام من الآن وبآراء أغلبية الجمهور والمتابعين، وسواء كان السبب هو قوة العمل أو ضعف منافسه، كان انتظار النسخة الثالثة أمراً واعدا بالمزيد لدعم هذه التجربة متصاعدة النجاح.
## النسخة الثالثة.. كوميديا الفوضى
لا يمكن أن نجرد أي مسلسل كوميدي أياً كان قالبه وفكرته من المعيار الفني، ولا يمكننا أن نعفيه من الحد الأدنى من البناء الموضوعي قبل أن نطالبه في مرحلة لاحقة - ربما لا تأتي - بأن يكون عملا مبدعاً.
وما حدث في «بيني وبينك» في نسخته الثالثة، أمر يضع المشاهد على مفترق التصنيف بين أن ما يشاهده هو مسلسل مرتبط بقصة وأحداث مترابطة كما يفترض، وبين كونه عملا استعراضياً كالفوازير يرتدي فيه الممثلون أزياء مختلفة في كل حلقة ويتحدثون من بلد مختلف وعن حكاية مختلفة كما هو حاصل!!
البداية كالمعتاد كانت من القبيلة في الصحراء حينما يصيبها العمى نتيجة النظر العشوائي إلى الكسوف، بعدها يتم تحييد هذا العنصر الذي كان أساسيا في الأجزاء الماضية، وتتسارع الأحداث ضمن مراحل متلاحقة لا يمكنك أن تقف على غرض درامي واضح لبعضها فيما تستطيع مخيلتك استبعاد بعضها الآخر من المسلسل دون أن يتغير فيه شيء!
ولأننا أشدنا بهذا العمل من قبل ونعرف جيدا مدى قدرة كاتبه، فنحن نتساءل في المقابل عن جدوى ملء النسخة الثالثة بكل هذا القدر من الفوضى الأدائية والشكلية، وإقحام كل هذا الحجم من الأدوار والشخصيات والقصص، ألم يكن الأكثر ملائمة أن يتم تهيئة المشاهد أنه بصدد حلقات استعراضية لكيلا يتعب ذهنه على الأقل في تعقب قصة لن يجدها غالباً؟
الملاحظ بعد حوالي 18 حلقة من المسلسل أن المراهنة على كركترين ساذجين وثالث مستغل لم تعد خيارا ممتعا بالدرجة نفسها، نظرا للتكلف الذي بدا واضحا في تطبيق دور»السذاجة»، وعلى نحو بدأ يثير الحفيظة النقدية تجاه ما يمكن التعبير به عن شخصية مواطن خصوصا حين يسافر للخارج فيبدو بهيئة مضحكة وتصرفات همجية رعناء، استمر تبني لزمات لم تعد طريفة جدا من قبيل «زحلطن» والصرخة الغريبة المستغربة «معقولة»؟، قسم!، كما أن تكلف الكوميديا كان سمة بارزة ولا سيما حين رافقها الغناء العبثي فيما يبدو رغبة لتكريس ثيمات لحنية مرتبطة بالمسلسل بحيث تكون متاحة كذلك لجمهور الإس إم إس في وقت لاحق، وهذا لا يمثل مشكلة عموما فهو أسلوب ترويجي متبع دائما، لكني أقترح أن نضيف إليه مسابقة من سؤال واحد يعرض طيلة حلقات بيني وبينك «عزيزي المشاهد..أذكر مبررا منطقيا أو دراميا واحدا لأدوار لميس ونور في المسلسل؟».
الأمر يدور في إطار الاستعراض، حتى حين يصر «مامادو» وهو شخصية لطيفة غالبا وعنيفة نسبيا على ترديد «تبوسي الواوا»، فسيبدو ذلك مفتعلا بشكل أو بآخر، وفي جانب آخر، فتوجه عملٍ لاستخدام نجوميات جاهزة لا يمكن أن يكون اكتمالا في نجوميته بأي حال من الأحوال، ولاسيما حين نكابد مدى صعوبة تداخل النجمتين التركيتين في أداء أدوارهما التي لن ينقصها ارتباكا أن تلازمهما ترجمة مغلوطة لمخادعة العريسين الافتراضيين، في النسخة الجديدة من «بيني وبينك» تشاهد طبيعة اسطنبول وتنتقل بقدرة قادر إلى مستشفى الأمراض النفسية في شهار، وحتى تصل ستفقد في طريقك الاستيعابي كل الروابط الذهنية الممكنة، أو تلك التي كنت تجدها مثلا في الطريق من المملكة إلى إفريقيا في الجزء الثاني، ستتساءل: هل يمكن أن ندور في الحلقة المفرغة نفسها دائما بحيث يكون المسلسل كله قائما على فكرة تجارة الأعضاء بينما يرحل البطلان المغلوبان على أمرهما من مكان لآخر إما مستغفلين أو فاقدي الوعي ويصلان في كل مرة ليجدا شخصا ما يترصد بهما، قد يكون ذلك الشخص عماد اليوسف الممثل الرائع بحق والذي يعتبر أحد حسنات هذا المسلسل، وقد يكون ممثلا آخر لا تعرف حتى الآن سبباً وجيهاً لوجوده المتكرر في قصة المسلسل رغم أنه لا يقوم بأي دور مفهوم!
## التمديد مع التجديد
ليس ثمة شك في قدرات كاتب مميز كعلاء الدين حمزة، ولا في إمكانات فنانين بحجم فايز المالكي أو حسن عسيري أو راشد الشمراني، وبالنسبة لمشاهد يدفع من وقته دقائق طويلة أمام الشاشة يذهب معظمها في الفواصل الإعلانية، ليس هناك مشكلة في أن يتم تمديد مسلسل ناجح حتى لو وصل ذلك إلى عشرين جزءا، بشرط أن يكون ثمة جديد نوعي في طرحه وأسلوبه لا أن يتحول مع الوقت إلى بيئة هزلية لعرض كل شيء ممكن ..باستثناء المسلسل نفسه!