Author

هل يمكن ضغط الزمن؟

|
ليس هناك من مسألة عويصة وغامضة مثل الزمن، وليس هناك من قضية واضحة مثل الزمن، فهي العملة التي بها نتعامل كل لحظة، ولا نتحرك وننجز دون معرفة تدفق الزمن وكم الساعة؟ وليس من أحد لا يحمل ساعة يد، بغض النظر عن شكلها الجمالي وثمنها مرتفعا أو هابطا. وجل ما قاله الغزالي القديم في تعريف الزمن أنه تتابع الحركة!! وأنا شخصيا مولع بساعات الحائط الكبيرة فلا يخلو جدار عندي من ساعة دوجانا كبيرة. وهكذا فأنا أسبح مع الزمن حين أتلفت وهو صديقي الذي لا يفارقني فأعرف أن الحضارة زمن. ووقع تحت يدي كتاب كامل عن الوقت من إنتاج فيلسوف غربي، أهداني إياه الصديق الكريم الأستاذ الجامعي اليحيا من الدمام فما زلت أنتظر الوقت المناسب حتى أهضمه، لأنه ليس من أمر أعقد من موضوع الزمن في الرياضيات والفيزياء، ولا تقوم قيامة علم وإنجاز دون إدخال عنصره مع المسافة والسرعة والتسارع؛ فهي أمهات المسائل في الرياضيات والحساب. والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه. مع هذا فكل الفلسفة والفيزياء وقعت في حيرة في مواضيع مثل المكان والزمان وقوانين الوجود والطاقة وقوى الكون الأساسية. فمثلاً مع نظرية الانفجار العظيم يعتبر الزمن كائناً استحدث؛ فلم يكن قبل الانفجار العظيم زمان أو مكان أو أي أثر لطاقة أو أي مجال لقوانين أو قوى تحكم الكون. ثم تشكل كل شيء لاحقاً. كان الكون مثل الفيلم أو شريط الفيديو الواقف على (إشارة التوقف) ثم فجأة وكان أصبعاَ ضغطت ريموت كونترول خفيا؛ فبدأ الفيلم بالعمل، وهكذا تدفقت وحدات الزمن، وتشكل المكان، وبدأت طاقات الكون في العمل، والذرات في التشكل، وقوانين الكون بالسيطرة والهيمنة على مجريات الأحداث. وشغل موضوع الزمن بال العلماء ومازال، وفي كتاب تجديد التفكير الديني لمحمد إقبال فصل كامل عن مشكلة الزمن؟ نحن نعرف أن أصغر وحدة زمنية هو الثانية، وهذه حقيقة، ولكن العالم المصري زويل الذي فاز بجائزة نوبل وصل الى مستوى الفمتو ثانية أي واحد من المليون من البليون من الثانية، إذا كنت قد فهمت صحيحا سر نيله الجائزة. كما أن النسبية ربطت بين السرعة والزمن على نحو عجيب؛ فقالت إن تدفق الزمن ليس واحدا في كل الكون، بل هو مفكك الأوصال؛ فالزمن على ظهر الأرض ليس مثله في الشمس أو مجرة الاندروميدا؟ وقالت إنه مرتبط بالسرعة التي نتحرك بها، أو الكتلة التي نقف عليها. ومعنى هذا الكلام زلزلة كاملة لكل المفاهيم الفيزيائية التقليدية. فإسحق نيوتن مثلا كان يتصور المكان المطلق، ووحدات الزمن المطلقة، التي تتدفق بانتظام في كل مفاصل الوجود. ولكن آينشتاين وصل من خلال مفهوم السرعة إلى تشطيب هذا المفهوم وإلغائه، ولا نعرف ماذا يوصلنا العلم بعد ذلك إلى أي شاطئ من الاكتشافات العجيبة. يقول آينشتاين إذا كانت سرعة الضوء نهائية وهي 300 ألف كيلو متر في الثانية؛ فإن أي مادة لا تستطيع الوصول لهذه السرعة، وإلا استحالت طبيعتها!! وكيف ذلك؟ يقول إن الوصول إلى سرعة الضوء يفرض استحالة رباعية على الأشياء؛ وأرجو أن أبسط ذلك للقارئ، ذلك أنه من الضروري في تنويع المقالات، أن نعطي بعض الحقن الدسمة للعقل في تغذيته، وهذه المقالة هي من هذا العيار الدسم فلنصبر قليلا. إن الوصول إلى سرعة الضوء يعني استهلاك طاقة لانهائية، وانضغاط الطول إلى الصفر، وتحول الكتلة إلى وزن لانهائي أثقل من كل الكون، ولو كان المتحرك مثقال ذرة من خردل، وفي النهاية من رابع المستحيلات عند آينشتاين، توقف الزمن!!... وهذا يدخلنا على مسألة فلسفية رائعة، ولكن يجب فهم هذه النقطة من (النسبية الخاصة)، التي أدخلت توقف الزمن من خلال مفهوم السرعة... أما النسبية العامة فأدخلت توقف الزمن من خلال مفهوم الكتلة، بمعنى أن الزمن على ظهر الكرة الأرضية هو ليس مثل المشتري، بسبب فرق الكتلة؛ فإذا وقف الإنسان على ظهر مكان عرضه السموات والأرض، أي لانهائي فيمكن أن يتوقف الزمن بفعل ذلك!! فهل يقرب إلينا هذا مفهوم الخلود على نحو ما؟ أجمل ما قرأته للفيلسوف محمد إقبال أن الزمن ليس دورة الفلك بل حالة النفس فتأمل هذه الفكرة يرحمك الله.. وإنه لذكر ولقومك وسوف تسألون..
إنشرها