Author

هل يرث اليوان الصيني عرش الدولار الأمريكي؟ ( 2 من 2)

|
الخطوة الصينية كما يبدو ليست بريئة، بل يصفها البعض بأنها محاولة نحو إيجاد دور عالمي لليوان في التسويات التجارية الدولية، بل يطلق البعض العنان لأفكاره بالادعاء أن هذه الخطوة هي نقطة بداية لتحقيق الحلم الصيني بتحويل اليوان الصيني إلى عملة احتياط عالمية بدلا من الدولار. قد تبدو الإجراءات التي اتخذتها الصين منطقية، ولكن السؤال الأهم هو: هل الصين فعلا مستعدة اقتصاديا وسياسيا كي تقوم بما يلزم لتحويل اليوان إلى عملة احتياط عالمية مثل الدولار الأمريكي؟ فيما يلي نحاول الإجابة عن هذا السؤال. أولا: كي يصبح اليوان عملة احتياط مثل الدولار فإن على الصين أن تتبنى سياسات للصرف الأجنبي تسهل استخدام اليوان الصيني عالميا سواء لأغراض التبادل التجاري أو لأغراض الاستثمار. ويتطلب هذا الأمر أن تقوم الصين بإلغاء جميع القيود على تدفقات رؤوس الأموال من الصين وإليها، وتمكين المستثمرين من الاستثمار في الأدوات المقومة باليوان الصيني مثل الأسهم والسندات وتوفير نظام مصرفي متقدم يسمح لغير المقيمين بالاحتفاظ بالودائع بجميع أشكالها باليوان. غير أن الواقع يشير إلى أن النظام الصيني قائم على تقييد تدفقات رؤوس الأموال واتباع سياسات معدل صرف مقيدة. بمعنى آخر فإن اليوان عملة غير حرة أصلا، وهو تناقض كبير، فكيف يمكن استخدام اليوان كعملة احتياط والعملة الصينية غير قابلة للتحويل بشكل كامل. كيف يمكن أن يتحول اليوان الصيني إلى عملة احتياط وهو عملة مثبتة أصلا بالدولار الأمريكي، وليس قابلا للتحويل بشكل كامل، فإذا كان وضع اليوان كذلك فما الحوافز التي تدفع دول العالم إلى الاحتفاظ به. ثانيا: لا يوجد حاليا سوق متسع لأدوات الدين الصينية وحتى الآن يتم شراء هذه الأدوات فقط من خلال البنوك الصينية والأطراف الخارجية المسموح لها بذلك مثل البنوك متعددة الأطراف كالبنك الآسيوي للتنمية ومؤسسة التمويل الدولية، كما أن هذه الأدوات تباع فقط في الصين. إن تحرير اليوان يحتاج إلى أسواق سندات أكثر تقدما، حيث تعطي فرصا استثمارية أفضل لليوان، ذلك أن المستثمرين والبنوك المركزية لن يحتفظوا باليوان الصيني فقط، وإنما سيقومون باستثمار احتياطياتهم منه بشكل مباشر في الصين. ما تفعله الصين حاليا هو تحرير تمويل تجارتها الخارجية باليوان أي بالنسبة لعمليات ميزانها التجاري، بينما لا تقوم بتحرير اليوان بالنسبة لعمليات حساب رأس المال في ميزان مدفوعاتها. لا بد إذن أن تبرز الصين مزايا استخدام اليوان إذا أرادت للعالم أن يستخدم هذه العملة على نحو متزايد. فكي يتم استخدام اليوان بصورة حرة عالميا يحتاج المستثمر الأجنبي إلى الثقة بأسواق المال في الصين وأنها حرة من جميع أشكال التدخل الحكومي في عملية تخصيص الائتمان وهو وضع غير متوافر للصين حاليا. ثالثا: من الناحية التجارية فإن النظام التجاري الصيني يخضع لإجراءات صارمة، ذلك أن الشركات المسموح لها بأن تسوي تعاملاتها باليوان لا بد أن تحصل أولا على موافقة البنك المركزي الصيني على ذلك، وبمعنى آخر فإن جميع الشركات الصينية ليست مؤهلة لأن تحصل على هذا الترخيص، فوفقا للنظام الحالي يسمح فقط للشركات التي تتمتع بوضع ائتماني جيد بالتعامل خارجيا باستخدام اليوان. رابعا: إن عملة الاحتياط تتطلب بنكا مركزيا مستقلا يضع مستهدفاته سواء النقدية أو الاقتصادية بصورة مستقلة، ويمارس جميع مهامه لتحقيق مستهدفاته بعيدا عن أي تأثير للسياسات الحكومية للدولة، وذلك كي يضمن الاستقرار اللازم لعملته التي يصدرها، والبنك المركزي الصيني من أبعد البنوك المركزية عن هذا الوضع. خامسا: ليس من المتوقع أن تقوم الصين بتحرير سياسات معدل الصرف في الأجلين القصير أو المتوسط، ذلك أنه إذا كانت الصين جادة في جعل عملتها تتنافس مع الدولار الأمريكي كعملة احتياط وأداة تسوية للمعاملات التجارية الدولية، فإن عليها أن تحول اليوان إلى عملة حرة قابلة للتحويل، ويتم تحديد قيمتها من خلال قوى العرض والطلب على استخدام اليوان لأغراض التجارة والاستثمار والاحتياط من قبل المتعاملين من جميع دول العالم، وفتح الحدود أمام حرية تدفقات التجارة من الصين وإليها وإلغاء جميع القيود التجارية والسماح بحرية الوصول إلى أسواق الأسهم والسندات الصينية وأن يتم تداول العملة بحرية دون تدخل في سوق الصرف الأجنبي لليوان من قبل البنك المركزي الصيني، جميع هذه المتطلبات ليست في أجندة صانع السياسة الاقتصادية الصيني، على الأقل في الأجل المتوسط، لأن ذلك سيعني فقدان سيطرة صانع السياسة على اليوان. سادسا: أعتقد أن الصين غير جاهزة حاليا لأن تدفع ثمن هذا الخيار من تنافسيتها التجارية في مقابل الدول الأخرى المنافسة لها في المنطقة. ذلك أن الخطوة الصينية بتكثيف استخدام الصين عملتها المحلية في التسويات التجارية الدولية بينها وبين دول العالم قد يعرض اليوان الصيني للارتفاع نتيجة ضغوط الطلب في سوق الصرف الأجنبي لليوان، وهو الأمر الذي تحاول الصين تجنبه منذ فترة طويلة من خلال عدم الاستجابة للمطالبات العالمية برفع قيمة اليوان، وذلك كي تضمن لصادراتها ميزة تنافسية إضافية ناجمة من انخفاض قيمة اليوان عن المستويات الحقيقية له، الأمر الذي يجعل السلع الصينية رخيصة نسبيا مقارنة بتلك السلع المنافسة لها المصنوعة في دول جنوب وشرق آسيا من جيرانها. إذا تحقق ذلك فلا شك أن الصين ستخسر جانبا من مزاياها التنافسية التي تتمتع بها حاليا بسبب سياسة اليوان الرخيص، وهو ما قد يمثل بداية النهاية لسياسات الدعم المستتر للصادرات الصينية إلى دول العالم. سابعا: ليس من مصلحة الصين حاليا أن يقل الطلب العالمي على الدولار الأمريكي أو أن يتراجع دوره كعملة احتياط عالمية باعتبارها أكثر دول العالم التي يمكن أن تخسر من جراء تدهور قيمة الدولار نتيجة انخفاض الطلب عليه، بسبب الاحتياطيات الضخمة التي تحتفظ بها الصين من الدولار الأمريكي وكذلك أدوات الدين الأمريكية. وأخيرا فإن الصين التي يبدو أنها مستقرة سياسيا حاليا وذات اتحاد جغرافي متين كدولة متعددة العرقيات والديانات، من الممكن أن تتعرض لزلزال عنيف مع تزايد الحريات وتصاعد دعاوى الأقاليم بالانفصال أو الحصول على الحكم الذاتي. ربما تبدو هذه المخاطر بعيدة الآن، ولكن من المؤكد أنها مخاطر كامنة وحقيقية. شخصيا لا أرى أي احتمال لنجاح الحلم الصيني، بصفة خاصة في أن يحل اليوان محل الدولار الأمريكي. فلا الاقتصاد الصيني وطبيعة النظام الاقتصادي فيه، ولا السياسات الاقتصادية التي تتبعها الصين، ولا النظام النقدي الصيني، ولا أسوق النقد أو رأس المال في الصين تسمح لليوان الصيني أن يتحول إلى عملة احتياط عالمية تحل محل الدولار. فمثل هذه العملة واقتصادها وسياساتها لا تصلح لأن تنال ثقة العالم كعملة احتياط عالمية، فضلا عن افتقادها الخصائص الديناميكية التي يجب أن تتوافر في عملة الاحتياط العالمية. هناك إذن قدر كبير من الشكوك المحيطة بقدرة الصين على تحدي العملة الخضراء، بصفة خاصة حول درجة السيولة التي يمكن أن تتمتع بها العملة الصينية، ومن ثم فإن اليوان القوي لا يمثل تهديدا لوضع الدولار كعملة دولية، وعلى أفضل السيناريوهات المحتملة فإن اليوان الصيني يمكن أن يصبح عملة احتياط ثانوية مثل الين الياباني، ولكن من المؤكد أن ذلك الأمر سيستغرق وقتا طويلا، وربما ينجح اليوان الصيني كعملة احتياط إقليمية أي بين الصين وجاراتها نظرا لقوة العلاقات الاقتصادية بينها، أما على المستوى الدولي فإن العملية لا شك تحتاج إلى متطلبات لن تستطيع الصين استيفاءها سواء في الأجل القصير أو المتوسط أو حتى من ناحية استيفاء المتطلبات الهيكلية اللازمة لذلك.
إنشرها