المبالغة في منح الثقة

من المزالق الإدارية الخطيرة، التي قلما يقدر خطورتها بعض المديرين والمشرفين، تلك المحطة التي ينطلق منها هذا المدير أو ذاك المشرف في إطلاق العنان للثقة أو عدم الثقة أو الجزم بالتميز الدائم أو عكسه في أي من مرؤوسيه.
فإن كانت تلك الانطلاقة مبنية على رؤية واضحة وأسباب منطقية في ضوء متابعة موضوعية لما قد يطرأ على تلك المسببات سلباً أو إيجاباً مع الاستعداد والقدرة على اتخاذ القرار المناسب، إما بإعطاء الثقة لمن سحبت منه أو بسحبها ممن أعطيت له متى ما قامت المبررات لذلك، فلا ريب أنها انطلاقة سليمة في الاتجاه السليم.
أما إن كانت تلك الانطلاقة وليدة سلوك طارئ للمرؤوس أو أداء له ظروفه الخاصة أو بفعل صدفة عابرة أو نتيجة التأثر بقول أو رأي من طرف ثالث، فبالتأكيد أنها انطلاقة خاطئة في اتجاه خاطئ.
ومما يزيد سوءاً أن تستمر تلك الانطلاقة حاملة الثقة أو الجزم بالتميز الدائم من الرئيس للمرؤوس أو عائدة بها من المرؤوس إلى الرئيس دون مراجعة لما يعتري سلوك وأداء المعطاة له أو المسحوبة منه من تغير يوجب وإعادة وزن لأشياء بموازين العدل والمنطق.
إن متابعة ومراجعة من منحت له الثقة أو من يعتقد بتميزه لا تعني بأي حال من الأحوال، الشك والريبة وسوء الظن، وإنما تعني ربط الواقع الحالي لسلوك الموظف وأدائه، بعد أن حاز على ثقة رئيسه، بما كان عليه من ذلك السلوك والأداء الذي رأى معه الرئيس أن مرؤوسه ذاك جدير بثقته.
إن هذه المراجعة تمثل أداة قياس تخدم الطرفين من ناحية، والعمل، وهو المهم، من ناحية ثانية، إذ إنها ستكشف، بدقة أكثر، صواب منح الثقة أو عدم صوابه، وتؤكد الجزم القاطع بالتميز أو عكسه.
وبكل تأكيد فإن ذلك الكشف إما أن يحول دون استمرار الرئيس في اتجاه خاطئ، قد يؤاخذ عليه فيما بعد، أو يؤكد له صواب توجهه وجدوى الاستمرار فيه. ومن ناحية المرؤوس، فإن ذلك الكشف سيؤدي إما إلى اطمئنانه بأن سلوكه وأداءه في الاتجاه السليم الذي أكسبه تلك الثقة أو معرفته بأنه قد جنح عما كان متوقعاً منه إما بقصد أو بغير قصد مما يدفعه لتصحيح ما اعوج من سلوكه أو أدائه إن كان له في الخير نصيب، أما من ناحية العمل فالفائدة في ذلك كبيرة جداً إذ عن طريق المراجعة، إما أن يتم استمرار الموثوق به في العمل بعد ثبوت جدارته بتلك الثقة وذلك مكسب، وإما أن ينُحي لعدم جدارته بتلك الثقة وفي ذلك أيضا مكسب للعمل.
أما متابعة ومراجعة سلوك وأداء من سحبت منه الثقة ففيها فوائد للأطراف الثلاثة: الرئيس والمرؤوس والعمل. فائدة الرئيس التعرف على مدى سلامة قراره على المدى البعيد, أما من حيث المرؤوس ففائدته في إتاحة الفرصة له لإثبات عكس ما أخذ عنه من انطباع مما يهيئ له تصحيح الأمور بشكل منطقي ومقبول، وفائدة العمل تأتي إما عن طريق الاستمرار في حمايته ممن لا يستحق الثقة أو إكسابه فرداً جديراً بها.
ولكل مشرف أقول احذر ممن يتطوع بمدح زملائه في العمل وخصوصاً من يذمهم أو التشكيك فيهم إذ يجب أن يؤخذ ما يقول من خلال قياس لمصلحته فيما يقول. ومن تستشيره في أحد زملائه ويندفع مدحاً أو ذماً ليس ببعيد عن المتطوع علاوة على احتمال أن يكون ساذجاً يحكم على الأشياء من بعض ظواهرها أو من خلال ارتياحه الشخصي أو عدم ارتياحه دون أي اعتبار لمصلحة العمل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي