Author

إدارة الرواتب والأجور إصلاح للخلل في نظام الأجور (6 من 6)

|
دخل أبو محمد المقهى على غير عادته متجهما وعابس الوجه... حركات يده المتشنجة كادت تكسر الباب من فرط الانفعال والغضب... لقد بدا منزعجا يتمتم بكلام غير واضح... طلب كوبا من القهوة وقنينة ماء وقطعة من الكعك، ثم جلس على الكرسي وأخذ يمسح جبينه ووجهه بالمنديل من أثر العرق ثم رفع رأسه وقال يا أخي كارثة عندما تقوم بعمل ولا تجد من يقدر جهودك... «خلاص طفشت» من معاملة مدير المكتب بدري ... ضحك قليلا ثم قال متهكما «اسمه بدري ولا يحضر إلا متأخرا المفروض أن يغير اسمه إلى متأخر» يا شيخ مليت... حتى راتب الوظيفة ما صار يجيب همه... ناس جالسة في المكاتب في جو مكيف وشاهي وقهوة وتستلم أضعاف رواتبنا... شاطرة بس تعطي أوامر «وإحنا نطامر» من مكتب عميل إلى مكتب عميل في هذا الجو الحار والشمس الحارقة وفي آخر الشهر نستلم رواتب هزيلة ما تكفي مصاريف الجوال والسيارة... رد عليه زميله أبو بدر والله إنك صادق راتبي ما صار يلحق على مصاريف البيت، بينما بعض الموظفين في شركتنا تستلم رواتب بعشرات الآلاف بس لأنها من الجنسية الفلانية يبدو أن بعض الجنسيات أصبحت جزءا من المؤهلات المطلوبة للوظيفة ... لكن اترك عنك كل هذا الكلام اللي يكدر الخاطر وهدي نفسك واسمع آخر نكتة. قصص كثيرة يحكيها الموظفون والعمال لبعضهم بعضا بهدف التنفيس عما يكنونه من مشاعر الغضب والإحباط معظمها تعبر عن حالة من عدم الرضا أو سوء الفهم للأسس التي يستخدمها المسؤولون في تحديد الأجور، فلو قدر لأصحاب المنشآت أو المسؤولين عن إدارتها واستمعوا لما يدور من أحاديث بين العاملين لوجدوا الأجور هو الموضوع الأكثر جاذبية وشعبية عند الجميع، فهذا الموظف يتقاضى راتبا مقداره كذا وكذا، والآخر ليس لديه مؤهل يناسب الوظيفة ومع ذلك يتقاضى أجرا يتجاوز أجور من يفوقونه تأهيلا وخبره، فقط لأنه من الجنسية الفلانية أو أنه قريب للمسؤول الفلاني، وذلك المسؤول يخص البعض بالزيادات والعلاوات الكبيرة لاعتبارات شخصية وسين من الموظفين شكا رئيسه لأنه حرمه من نيل الزيادة التي يستحقها بسبب خلافاتهم الشخصية، قصص لا تنتهي يتداولها العاملون كل يوم في أوقات الراحة وأثناء ساعات العمل تغذي مشاعر السخط والغضب بين العاملين، ومع أن حكاية هذه القصص أمر طبيعي لأنها تعبر عن هموم الموظفين ومشاكلهم لكنها أكثر توطنا وانتشارا في الشركات التي لا تستخدم معايير مهنية لتقييم الوظائف ولا تطبق نظاما مقننا للأجور مبنيا على معطيات سوق العمل. قد يعد بعض من المسؤولين تفاوت الأجور مسألة طبيعية كنتيجة لاختلاف حجم المسؤوليات بين العاملين ونوع التأهيل الذي يحمله كل منهم، وهذا أمر فيه قدر كبير من الصحة ولكن لا يؤخذ على إطلاقه فهناك معايير مهنية قد لا تبرر هذا التفاوت إن لم يتم مراعاتها في تحديد الأجور، فلا يستقيم ترك أمر تحديد الأجر لتقديرات المسؤول التي تقع الوظيفة ضمن سلطته دون أية ضوابط لأن من شأنه خلق معايير متعددة تختلف باختلاف رؤية كل مسؤول، وأي شركة أو مؤسسة لا تمتلك معايير موحدة لتحديد الأجور ستواجه مع الوقت مشكلة تفاوت غير مبررة في أجور العاملين، وقد تعاني بعض الشركات من هذا التفاوت ولكنها لا تعلم بوجوده وربما اعتبرته أمرا طبيعيا لافتقادها لمعايير التقييم المهنية، ولن يسعها كشف مقدار الخلل في نظام الأجور المطبق فيها إلا عندما تُخضع كل الوظائف لعملية تقييم شاملة، فهذه العملية ستكشف حجم العمالة التي تتقاضى أجورا أعلى مما تستحقه وظائفهم وفي الوقت نفسه ستحدد العمالة التي تتقاضى أجورا متدنية. كيف يتم تصحيح نظام الأجور وكيف يتم التعامل مع الأجور المتضخمة أو المتدنية؟ وللإجابة عن هذا السؤال فإن أول عمل يجب فعله لإجراء التصحيح أن تباشر الشركة فورا في عمل تقييم شامل لجميع الوظائف وفق المعايير المهنية المتبعة في هذا المجال وكذلك عمل نظام للدرجات وسلم للرواتب مبني على معطيات سوق العمل، هذا الإجراء سيجعل لكل وظيفة درجة ولكل درجة أجر له حد أدنى وحد أعلى وبالتالي أي زيادة في الأجر يجب أن تتحرك في هذا النطاق وكل أجر يتجاوز الحد الأعلى لدرجة الوظيفة يعد أجرا متضخما متجاوزا لما تستحقه الوظيفة OVER PAID EMPLOYEE وكل أجر يقل عن الحد الأدنى لدرجة الوظيفة يعد أجرا متدنيا عما تستحقه الوظيفة UNDER PAID EMPLOYEE وعادة يتم تحديد الأجور بناء على عملية مسح للرواتب والأجور في الشركات المماثلة حتى تكون منافسة وأقرب للعدالة والمساواة. يبقى أخيرا الإجابة عن الجزء الثاني من السؤال والمتعلق بكيفية معاملة الأجور المتضخمة المتجاوزة للحد الأعلى والأجور المتدنية عن الحد الأدنى، وهنا تتوقف أكثر الشركات عن منح أي زيادات سنوية للأجور المتجاوزة للحد الأعلى، حيث يتم تجميدها فلا تسمح بحدوث مزيد من التضخم وفي الوقت نفسه تبحث لهؤلاء العاملين عن وظائف مناسبة ذات درجة أعلى أو تعيد تأهيلهم إن كانوا غير مؤهلين لتلك الوظائف، أما من يتقاضون أجورا أقل من الحد الأدنى فتقوم الشركات عادة بزيادة أجورهم دفعة واحدة أو على مراحل إن كانت الفوارق كبيرة حتى لا تتسبب هذه الزيادة في الضغط على بند الأجور، وبهذا الإجراء يتوقف التفاوت غير المبرر في الأجور وتتمكن الشركات من معالجة مشكلة الأجور المتضخمة كما يتم ضبط عملية تحديد الأجور للتعيينات الجديدة.
إنشرها