Author

إدارة الرواتب والأجور ونظام للحوافز (5 من 6)

|
كل الموظفين والعمال يشعرون بنوع من الفرح والسرور عندما يحل موعد تسلم الأجور، فهذا الموعد مرتبط بتوافر المال الذي يستطيعون بواسطته إشباع حاجاتهم الأساسية والكمالية ولأن الأجر هو مصدر هذا المال فهو أقوى محفز لأداء العاملين, ولن يجدي نفعا أي نوع من الحوافز إذا لم يقم الأجر في البداية بدوره في هذا الجانب لأن الحوافز الأخرى ستفقد فاعليتها عندما يكتشف العامل أنه يتقاضى أجرا أقل مما يدفع للعمل نفسه في الشركات المماثلة أو أن الفوارق في الأجور داخل الشركة غير طبيعية لأن عملية تحديدها لا تخضع لضوابط ثابتة ومحددة، فضعف أسلوب إدارة الأجور يجعل العامل لا يشعر بالإنصاف في المعاملة، كما يضع الشركة في موقع الممتنع عن تطبيق معايير العدل والمساواة، فتنقلب المعادلة وبدلا من أن يلعب الأجر دور المحفز للأداء يصبح مسببا للإحباط وباعثا للشعور بعدم الرضا. يواجه كثير من المديرين والمشرفين مصاعب كثيرة كي ينجحوا في تحفيز العاملين للعمل بكامل طاقاتهم وقدراتهم عندما يكون نظام الأجور المطبق غير مبني على أسس ومعايير مهنية، بدءا من تحديد الراتب الأساسي للموظف مرورا بكل أنواع البدلات والعلاوات النقدية كبدل السكن والنقل والتعليم والزيادة السنوية والمكافآت العينية كوسيلة المواصلات والسكن والعلاج وتذاكر السفر، فالإدارة غير المحترفة تفاقم مشكلة الرواتشب والأجور في الشركة، ومع مرور الوقت يصبح الخلل خارج عن السيطرة وبالتالي لا يستطيع المديرون معالجة آثاره السلبية على معنويات العاملين، وإذا استمر المديرون يعملون بمعزل عن النظام المقنن للأجور تصبح خيارات الحوافز أمامهم محدودة وربما عجزت عن إحداث التغيير المطلوب في أداء العاملين، فعدم وضوح الصورة عن العوائد التي يمكن أن يجنيها العامل إن هو ارتقى بمستوى أدائه وحقق نتائج استثنائية يجعله فاقدا للطاقة الخلاقة في العمل التي بغيابها يغيب الإبداع والابتكار عن أداء العاملين، فيصبح العامل المبدع والمبتكر عملة نادرة لا تجدها محليا إلا في الشركات الأكثر تنظيما كشركة أرامكو السعودية وشركات سابك ولكنها متوافرة بكثرة في الشركات الأجنبية وكل يوم تصلنا ابتكاراتهم على شكل منتجات تملأ الأرفف في أسواقنا، كل هؤلاء المبدعين الذين تزخر بهم تلك الشركات نشأوا بفضل توافر المقومات الملائمة لإشعال فتيل الطاقة الخلاقة في أدائهم، ويأتي في مقدمة هذه المقومات الإدارة المهنية للرواتب والأجور. مما لا شك فيه إن وجود نظام متقن وإدارة جيدة للأجور هو السبيل الوحيد لتحفيز العاملين وبالتالي على الشركة التي ترغب في أن تمتلك هذا النوع من الحوافز أن تبدأ أولا بعمل نظام جديد للأجور تتوافر فيه معايير العدالة والمساواة والمنافسة، وهذه المواصفات لا يمكن تحقيقها إلا باتباع الإجراءات المهنية السليمة في إعداد أنظمة الأجور، وقد سبق لنا توضيح هذه الإجراءات في الجزء الأول من المقال (إدارة الرواتب والأجور في الشركات 1 من 6)، ثم تقوم بعد ذلك بصياغة الضوابط والشروط التي تضمن الدقة في تطبيق هذا النظام وتمنع وقوع التجاوزات، تليها مرحلة التعريف بهذا النظام ليعلم الجميع مسؤولون وموظفون بكل ما جاء فيه من واجبات وحقوق وحوافز. إن إعداد نظام الرواتب والأجور وإدارته بمهنية عالية سيشعر العامل بأنه يتقاضى أجرا عادلا مساويا أو مقاربا لما يدفع للعمل نفسه في الشركات المماثلة وأن نظام الأجور المطبق يمايز بين العاملين في الأجور على أساس الكفاءة والإنتاجية، فيصبح للأجر ذلك المفعول القوي المحفز للأداء ويبعث في العاملين روح العطاء والمنافسة، ليدخل العامل ميدان التنافس في العمل بأقصى ما يملك من جهد ومقدرة فيحقق النتائج التي تتجاوز التوقعات، فتكافؤ الفرص والمساواة في المكافأة في أي مجال سواء كان رياضيا أو فنيا أو في مجال العمل هو العامل المحوري الذي يدفع الجميع نحو التفوق والإبداع، ولذلك نلاحظ نتائج ذلك التنافس واضحة وجلية في المسابقات الرياضية، كما أننا بالوضوح نفسه نلاحظها في مجال الأعمال في وظائف المبيعات أكثر من غيرها لأن العائد الناتج عن الجهد في كل منها واضح ومن السهل قياسه وتقديره وتحديد الأجر والمكافأة المناسبة له، ولكن هذا لا يعني أن بقية الوظائف خارجة من لعبة الحوافز والتنافس في الأداء، فعندما يعلم العامل أن لوظيفته درجة محددة لها حد أدنى من الأجر وحد أعلى وأن علاوته السنوية ستتحرك ضمن هذا النطاق يخلق هذا النظام حافزا لدى العامل كي يجتهد ويسعى لكسب رضا رؤسائه حتى يحظى بالزيادة المجزية في الأجر، كما أن ذلك يدفعه أيضا للعمل على تطوير قدراته ومهاراته كي يكون مؤهلا للترقية للوظيفة الأعلى درجة والأكبر أجرا. هذه الآلية وهذا التنظيم هو ما يريده ويحتاج إليه المديرون والمشرفون كي يحفزوا العاملين والموظفين لتحقيق النتائج التي ترتقي بأعمال الشركة وتزيد من أرباحها، ودون ذلك سنظل نسمع مزيدا من الانتقادات الموجهة إلى أداء العاملين ولكن السؤال الذي يفرض نفسه على إدارات تلك الشركات: ماذا صنعت هذه الإدارات لتغيير الوضع من جانبها حتى تخلق بيئة عمل سليمة تسودها روح المنافسة والإبداع بين العاملين؟
إنشرها