خلال الحقبة العثمانية الطويلة، خاض الأتراك والروس عديدا من الحروب الدامية. وفي العصر الحديث، كانت تركيا تحمي الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي من أذى السوفيات. ويقول المثل التركي الشعبي: ''الروس غادرون''. ولكن لم يكن من المتوقع أن يوقع رئيسا وزراء الدولتين، فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان، سلسلة من الاتفاقيات في احتفال في أنقرة في السادس من آب (أغسطس).
وفي الواقع، وصف البعض هذه الصفقة مع شركة Gazprom الروسية باستخدام المياه الإقليمية التركية في البحر الأسود لخط أنابيب الغاز إلى أوروبا بأنها صفقة ''غادرة''. وسيتجاوز خط الأنابيب، South Stream، المخطط له أوكرانيا، التي يتدفق عبرها 80 في المائة من صادرات الغاز الروسية إلى أوروبا الآن. وقد أغلقته روسيا مرارا بسبب خلافات مع أوكرانيا، مما تسبب في قطع الإمدادات عن ملايين الأوروبيين في فصل الشتاء البارد. ولتقليل الاعتماد على روسيا، يروج الاتحاد الأوروبي منذ وقت طويل لخط أنابيب إلى بحر قزوين، وهو Nabucco، الذي وقعت عليه تركيا أيضا في تموز (يوليو). فإلى جانب من تقف إذن؟
والجواب بسيط: إلى جانب تركيا. وبفضل موقعها على مفترق الطرق بين الشرق الأوسط الغني بالطاقة والاتحاد السوفياتي السابق، تتمتع تركيا بنفوذ فريد بوصفها مركزا لعبور الغاز. وتقوم بلا خجل باستخدام موضوع الطاقة للترويج لعضويتها في الاتحاد الأوروبي. ويتطلب هذا تعاون روسيا. وفي مقابل دعم خط South Stream فازت تركيا بدعم روسيا لخط أنابيب للنفط من ميناء Samsun في البحر الأسود إلى ميناء Ceyhan على البحر المتوسط. ويُقال أيضا إنها داهنت روسيا لتخفيض سعر محطة الطاقة النووية. ويصر وزير الخارجية التركي، Ahmet Davutoglu على أن خطي أنابيب Nabucco و South Stream ليسا منافسين، بل يكمّلان بعضهما بعضا.
ويمكن قول الشيء نفسه عن تركيا وروسيا. فمع نهاية الحرب الباردة كانت مصالحهما تتقارب أحيانا. فقد كان كلاهما يؤيد الحرب في أفغانستان ولكنهما عارضا بشدة الغزو الأمريكي للعراق. وتلاشت صورة تركيا كتابعة لأمريكا عام 2003 حين رفض برلمانها السماح للقوات الأمريكية بعبور الأراضي التركية لفتح جبهة ثانية ضد صدام حسين.
وجاء الاختبار الأصعب لموقف تركيا في حرب روسيا وجورجيا في آب (أغسطس) 2008. فقد نفذت تركيا بدقة اتفاقية Montreux، التي تنظم حركة المرور عبر مضيق البوسفور، بحيث تتمكن بعض السفن الحربية الأمريكية فقط من دخول البحر الأسود. ولا تريد تركيا ولا روسيا أن يتدخل الأمريكيون في منطقتهم.
ما رأي الأمريكيين؟ يقول Ian Lesser، المحلل في German Marshall Fund في واشنطن، إنهم ليسوا قلقين حتى الآن. ويضيف: ''إدارة أوباما أكثر حساسية بكثير لما تفعله تركيا مع إيران.'' وينظر إلى عروض تركيا لروسيا في سياق السياسة الخارجية الجديدة التي تشمل التعامل مع جميع جيرانها. ولا يمكن لأوروبا أيضا رمي الحجارة، حيث إنها لا تزال منقسمة بشأن روسيا. وقد كان رئيس الوزراء الإيطالي، سيلفيو بيرلسكوني، موجودا في أنقرة لأن شركة ENI الإيطالية للطاقة تشارك في صفقة South Stream.
وروسيا هي أكبر شريك تجاري لتركيا، وتزودها بنسبة 68 في المائة من احتياجاتها من الغاز. وشركات البناء التركية نشطة في جميع أنحاء روسيا. ويتدفق ملايين السياح الروس إلى المنتجعات التركية كل عام. وتعد مدينة أنطاليا، على البحر المتوسط، موطن نحو 15 ألف روسي، العديد منهم من النساء المتزوجات من رجال أتراك. ولديهم صحيفة خاصة بهم باللغة الروسية ويريدون الآن كنيسة أرثوذكسية. ويقول Ali Ozgenturk، الذي أخرج فيلم ''Balalayka'' عن العاهرات الروسيات في تركيا: ''تعلّم النساء الروسيات الرجال الأتراك الكثير عن الحب.''
وانسجم بوتين وأردوغان جيدا. فكلاهما يفضلان الهيمنة الذكورية ويحبان الرياضة ويميلان للديكتاتورية. وتركيا أيضا هي إحدى الدول القلائل التي تشعر معها روسيا الحالية بالراحة، وهي أحد أقطاب نظامها المفضل متعدد الأقطاب، التي تتبع فيه الدول الكبرى سياسات مستقلة. ويبدو أن تركيا أيضا تواطأت مع البطريرك الروسي، Kirill، للحد من صلاحيات البطريرك الأرثوذكسي اليوناني في إسطنبول، Bartholomew I، الذي يعد عادة الأول بين نظرائه في التسلسل الهرمي الأرثوذكسي.
ولكن لا تزال هناك شكوك متبادلة. فتركيا غير راضية عن تسامح تركيا مع الشيشان. (يتحدث الواعظ الإسلامي، Tahir Buyukkorukcu، عن ''الخنزير الروسي'' حين يتحدث عن الشيشان في برنامجه التلفزيوني على قناة Kon الخاصة). وقد أغلقت روسيا المدراس التي تديرها حركة الأخوة الإسلامية للإمام التركي، فتح الله غولن.
وتعد تركيا رفض روسيا وصف المتمردين الأكراد من حزب العمال الكردستاني بأنهم ''إرهابيون'' موضوعا حساسا ومزعجا. وهي حذرة أيضا من إظهار روسيا على أنها تريد مساعدة أرمينيا وأذربيجان على صنع السلام بشأن Nagorno-Karabakh. ويقول المسؤولون الأتراك إن روسيا تريد إصلاح الضرر الذي أصاب صورتها بسبب حربها في جورجيا. وعلى الأرجح أنها تريد منع تركيا من إقامة السلام مع أرمينيا. ويعتقد الكثيرون أن المكيدة الروسية شجعت أذربيجان على الضغط على تركيا للتخلي عن خطط إعادة العلاقات وإعادة فتح حدودها مع أرمينيا. ويحرس الجنود الروس هذه الحدود الآن، كما كان الحال في أيام الحرب الباردة.
