«أحمد الرومي»

الشيخ أحمد بن سليمان الرومي شخصية اجتماعية علمية، جمع الله له بين خصال عدة، قلَّ أن تجتمع في رجل، شيخ وقور مهيب، تعرض لعديد من الأمراض فصبر واحتسب، تزوره وهو مريض، فتجده حامداً لربه، هاشاً باشاً في وجوه زواره، وجيه من وجهاء المجتمع، وعين من أعيانه، رزقه ربي عِلما ودينا:
العلم عين والتدين نورهُ فإذا تولى النور جاء ظلامُ
كما رزقه ربي حكمة وسداد رأي، وحسن مشورة وحلما يغبط عليه، كما رزقه ربي مالا وجاها فما تغير وما تبدل، توطدت علاقتي به منذ عشرين عاماً، علاقة ابن بأبيه، فما رأيته إلا ركنا من أركان المسجد، مكانه في روضته لا يُفارقها، إذا أردتُ أن أعرف هل هو موجود أم لا يممت وجهي شطر مسجده، فما أراه إلا والمصحف بيده، يتلوه بصوت عذب شجي، رزقه الله، حسن الخلق، وبشاشة الوجه، فهو: طلق المحيا، يبتسم في وجوه زواره، يُرحب بالجميع: الشريف والوضيع، الغني والفقير، الكبير والصغير، مجلسه لا يُمل، وحديثه لا يُكل، التواضع سمته، سليم الصدر لا يغل ولا يحقد، أحسبه والله حسيبي وحسيبه، نال بسلامة صدره المراتب العلا، التي لا ينالها إلا سليمو الصدر.
لا يحمل الحقدَ من تعلو به الرتبُ ولا ينال العُلا من طبعهُ الحسدُ
الشيخ أحمد نال، منزلة عالية بين أهله، ومحبيه، بخصال عدة، منها: خصلة الجود والكرم، فهو في هذا الميدان لا يُجارى ولا يُبارى.
كريم إذا ضاق اللئيم فإنه
يضيقُ الفضاءُ الرحبُ في صدره الرحبِ
منذ عرفته لا يستسيغ الطعام وحده، فمائدته هيأها لأضيافه، وطعام الإفطار في رمضان لا يذوقه وحده، يرحب بالجميع، ويمد لهم الطعام بيده، يؤانسهم، ويداعبهم، ويقول بكل تواضع لأضيافه كلما زاروه: (أنتم أصحاب المعروف، حينما لبّيتم دعوتي، وحضرتم مأدبتي، في هذا العصر صاحب المعروف من يُلبِّي الدعوة، لا من دعا الناس، في السابق يُلبي الناس الدعوة لحاجتهم إلى الأكل، أما الآن فيأتون لمحبتهم للمُضيف)، هذه كلمة حكمة اعتاد أن يقولها لجميع زواره، وأظنه مبدعها وفاطرها، وما ورثها عن أحد، وما أفاده بها أحد. فتناقلها عنه محبوه، بكل إعجاب، وقالوها لزوارهم.
الشيخ أحمد الرومي، يده في الخير معطاءة، فكم من مساجد شيدها، وأرامل واساها، وأيتام كفلها، عشرات الآلاف من موائد الإفطار في رمضان أقامها، إن مثل هذا الشيخ، الذي رزقه الله الحب والقبول، حري أن يُقتدى به ويُحتذى، وإني لأرجو أن يكون حب الناس له من البشارة، كما جاء في حديث أبي ذر، قيل لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ قال: ''تلك عاجل بشرى المؤمن، وفي رواية: ويحبه الناس عليه'') أخرجه مسلم في صحيحه (2642) قال القرطبي: من لطف الله تعالى ورحمته وكرمه، أنه يعامل المخلصين في الأعمال، الصادقين في الأقوال والأحوال، بأنواع من اللطف، فيقذف في القلوب محبتهم، ويُطْلقُ الألسنة بالثناء عليهم، لينوِّهوا بذكرهم في الملأ الأعلى؛ ليستغفروا لهم، ويُنشرُ طيبَ ذكرهم في الدنيا ليُقتَدَى بهم، فيعظم أجرهم، وترتفع منازلهم، وليجعل ذلك علامة على استقامة أحوالهم، وبشرى بحسن مآلهم، وكثير ثوابهم، ولذلك قال: ''تلك عاجلُ بشرى المؤمن'' ، وقال النووي (إن ذلك عنوان الخير، ودليل رضا الله عنه وحبه له بدليل الحديث، ثم يوضع له القبول في الأرض)، فأسأل الله أن يحفظ الشيخ أحمد، ويثبتنا وإياه على دينه، ويحسن لنا وله الخاتمة. ولنا لقاء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي