99% في التعليم!!
هي نسبة النجاح في التعليم! فقد أصبح مألوفاً أن نرى كثيرا من الطلبة يحصلون على نسبة عالية في أعالي التسعينيات قريبة من الكمال المئوي والإبداع الأكاديمي! إلا أنها حقيقةً تعكس نسبة التحدي في التعليم فلا يمكن أن تكون هذه النسبة حقيقية لأنه لا يوجد كمال في المستوى الأكاديمي إلا إذا كان التقييم يقيس الذاكرة الحفظية لما هو صح أو خطأ, أبيض أو أسود, وليس تقييم مقدار الفهم لما بين الصح والخطأ أو ما بين الأبيض والأسود, كذلك التقييم لا يعكس مستوى المهارات الأكاديمية لدى الطلبة! لذا فإن النسبة التسعينية أصبحت خادعة لا يؤمن بها ومن الأفضل تحاشيها. في بريطانيا, على سبيل المثال, تبدأ درجة الامتياز من الـ 70 في المائة فما فوق, غير أن عدد الطلبة الذين يحصلون على درجة في الـ 80 قليلا جداً, أما الـ 90 فتعد في طور الأحلام. أي أن هناك نسبة في المائة لا يقدر الطلبة على الحصول عليها, فلا تمام في العلم ولا كمال فيه لمن طلبه.
هذه النسبة العالية جداً تضر بمعنويات الطلبة بشكل كبير, فكيف يحصلون على الكمال المئوي والتميز الرقمي وفي الوقت ذاته لا نثق بمستواهم؟! من أكبر وأهم مخرجات التعليم تعزيز وتقوية الثقة بالنفس، التي بدورها تسهم في بلورة هوية الطالب. كيف لهم الحصول على معدل تراكمي عال جداً ثم لا يعمل به؟ فبعد سنوات الدراسة الثانوية لا تأخذ وزارة التعليم العالي, غير ملامة, بهذه النسب التي لا تعكس قدرتهم الأكاديمية أو مدى التحصيل العلمي! فتقوم بامتحان الطلبة على هذين المحكين ليجدوا أن مستواهم أقل بكثير من الكمال التسعيني الذي حصلوا عليه منذ أسابيع قليلة!
مع أن هذا التحدي ليس مقصوراً على التعليم في السعودية إلا أنه يعد تحديا أكبر مقارنة ببعض الدول الأخرى ففي بريطانيا في السنوات القليلة الماضية أظهرت الإحصاءات ارتفاع نسبة الطلبة الذين يحصلون على معدلات عالية. نتيجة لهذا بدأت بعض الجامعات الكبرى مثل كامبردج تعد امتحانا خاصا بها لكي تميز بين مستوى الطلبة بدقة أكبر تمكنها من اختيار من يناسب برامجها. إلا أن المهم هو ارتفاع الأصوات التي تدعو إلى التغيير في مناهج التعليم وفي سبل التقييم المتبعة في بريطانيا. وضع التعليم في المملكة يختلف عن بريطانيا, فتعليمنا بدأ ينتج شبابا ضعيفي المستوى والأداء في المرحلة الجامعية. في الأسبوع الماضي طالعنا الدكتور رشود الخريف بمقال بعنوان ''ضعف مستوى الطلاب وغياب مؤشرات الأداء'' أطلق فيه ''صفارة الإنذار'' وهي التي سمعناها منذ زمن, ولكن عندما يلاحظ أساتذة الجامعات هذا الضعف فهذا يعني أن المشكلة أصبحت ملحة جداً.
من دون أن نجهد كاهل الوزارة الجديدة، التي نثق بقدرتها على إيجاد حلول فإن التحدي يكمن في ثلاثة أبعاد: الأول يتعلق بالمناهج التي لا يوجد بها ما يدغدغ فكر الطالب, فلا يوجد بها ما بين الصح والخطأ, أو ما بين الأبيض والأسود, أي لا يوجد بها مجادلة. البعد الثاني يتعلق بمستوى المدرسين, فعدد كبير منهم لم يؤهل لكي يصبح محترفا لمهنة التدريس, ولا يجيد أبسط وأهم المهارات التدريسية والتربوية ألا وهي ''الحوار والمناظرة''. المدرسون غير المؤهلين قد لا يملكون أو يُقدّرون أهمية الحوار في تنمية ذهن الطالب فأسلوب تخزين المعلومات أصبح غير مجد فالمعرفة لا تكتسب بالحفظ والتخزين الذهني للمعلومة, فهذا استحواذ على مساحات الذهن التي لم يبق بها مساحة بين نقيضي المعلومة (صح - خطأ)، مع أن الحوار أصبح مشروعاً اجتماعياً كبيرا في المملكة إلا أنه لم يؤسس له ويُدخَل في أهم مؤسسات المجتمع ألا وهي المدارس! البعد الثالث يتعلق بطرق التقييم لأداء الطلبة فيجب أن يكون هناك إبداع في أساليب التقييم، التي من خلالها يمكن التعرف على درجات الفكر الموجودة ومساحات الذهن المشغولة التي تعكس المهارات الأكاديمية، التي يجب أن تقاس بمقياس منطقي لا يُبالِغ في مستوى المقدرة الأكاديمية للطلبة فقد يخلق فقاعة قد تدمر ثقة الطالب بنفسه عندما يؤدي امتحان القدرات أو التحصيل أو عندما يدخل الجامعة.