الفقراء والشروط الكمبيوترية
في مسلسل محلي عرض قبل فترة، يظهر الممثل حبيب الحبيب في إحدى حلقاته في دور رجل آلي يتحدث بلهجة محلية. وقد أجاد الممثل بالفعل في الدور بشكل جلي خاصة وهو يضع حواجز أو فواصل بين الكلمات على طريقة الأفلام الكرتونية وأورد جملة ''جاك .. يا مهنا .. ما تمنى ..'' وبعد مشاهدة عائلية لتلك الحلقة التقط أحد أطفالي الكلمات وأصبح يرددها لدرجة أنه بات يقول دون شعور '' ماما ..ماما (بشكل متقطع مقلدا الفنان الحبيب). طبعا سعينا جاهدين لعدة أيام لإقناع الطفل بأن الفنان يمزح وأن هذا الكلام للتمثيل فقط خوفا من أن يعوج لسانه.
تذكرت هذه الحادثة وأنا أتلقى أكثر من اتصال من أشخاص يرغبون في الانضمام إلى الضمان الاجتماعي لكن الشروط الكمبيوترية تمنعهم. وكأن موظفي الصندوق تحولوا إلى رجال آليين يرددون فقط ما يحويه من معلومة.
طبعا لا يفوتنا أن ننوه بالضمان أولا لأنه من أبرز الجهات المعنية بالفقراء الذي يتحرك مقارنة بالصندوق الخيري مثلا، ويكفي أنه يضم أكثر من 670 ألف أسرة (لن نقول ثلاثة ملايين فقير حتى لا يزعل البعض)، لكن الاتكاء على شروط جامدة أو على نصوص القانون دون روحه يحتاج إلى إعادة نظر. مثلا الأسرة التي يبلغ عدد أفرادها 11 شخصا وجميع أبنائها على مقاعد الدراسة ودخل الأسرة لا يزيد على راتب تقاعدي يبلغ نحو 1750 ريالا وتسكن بالإيجار هي أسرة فقيرة حتى لو رأت شروط الضمان الاجتماعي غير ذلك واشترطت أن يبلغ الأب 60 عاما أو إصابته بعاهة. الفقر لا يعرف العمر .. ومطالبة رجل عمره أكثر من 50 عاما وأحيل إلى التقاعد بالعمل مرة أخرى غير عملية، وإلا لما أحيل إلى الموت البطيء المسمى بالتقاعد. ما موقف الضمان من أطفال مثل هذا الرجل لو افترضنا أنه غير موفق في الحصول على عمل .. هل نقول انتظروا وفاة والدكم أو أصيبوه بعاهة؟ أم يقال لهم إنكم بعد 10 سنوات ستضمون إلى قوافل الضمان الاجتماعي؟
أعلم أنه لا بد من وضع شروط تكفل الحد من حصول أشخاص لا يستحقون مساعدات الضمان التي تأتي من أموال الزكاة والتي لها مصارفها الشرعية التي ينبغي ألا تصرف لغير مستحقيها، لكن أيضا الأنظمة لها نصوص ولها روح، يمكن أن يقدر المسؤول حالة الأسرة بحيث لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم. ومثل الحالة الأولى، هناك حالة بعض الأشخاص الذين حرموا من مساعدات الضمان بدعوى وجود عمالة لديه.. فلا يعني أن شخصا ما يوجد لديه عامل أو اثنان أنه صار في قائمة الأثرياء إن لم يزده هذا العامل فقرا، بل إن مزارعين لديهم عمالة لكنهم باتوا على خط الفقر بسبب تغير السياسة الزراعية وتراكم الديون عليهم .. ألا يكفى أن البعض من هؤلاء مدين للصناديق الحكومية بمئات الأولوف من الريالات.