شجرة البامبو الصينية

روت لي ابنتي عفراء معلومة عجيبة كانت جديدة علي عن كيف تنمو شجرة البامبو الصينية؟ قالت المرأة في الصين تزرعها، تسقيها كل يوم، وتسمّدها كل فترة، ولا ترى شيئا. لا ترى شيئا نهائيا في كل السنة الأولى. تظل تسقيها كل يوم، وتسمّدها، وتنتظر. لا ترى شيئا خلال السنة الثانية أيضا. وهكذا تمر السنة الثالثة والرابعة أيضا. تسقيها، تمر عليها، تسلم عليها، ولا ترى شيئا يخرج من التراب. ثم في يوم ما خلال السنة الخامسة يظهر برعم صغير في الأرض. وخلال ستة أيام يصل إلى تسعين قدما! وهذا الخبر إن كان صحيحا فهو يفتح عيوننا على حقائق مدهشة في العالم الذي نعيش فيه، وأهم ما فيه القدرة الكامنة للنمو والحياة. وأنا شخصيا جربت في حديقتي يوما زراعة شجر البزرومي فلم تتغير ولم تتبدل، وبقيت ذلك لفترة عدة أشهر حتى نسيتها، وبعد ذلك قامت قومة واحدة بشكل جبار، وبدأ تغلظ وتستوي على سوقها تعجب الزراع. ثم سمقت إلى السماء فعلت واعتدلت وأصبح جذعها ليس عودا أمسكه بأصابعي، بل شجرة تعجز يداي الاثنان عن الالتفاف حولها. فهذه هي الطبيعة. وأمام بيتي الذي سكنت فيه في حي الملقا في شمال الرياض كان أول شيء فعلته أن زرعت شجرتين واحدة جهنمية والثانية بزرومي، وعندي العامل البنجالي علمجير يتفقدها بالسماد والماء والتقليم، ويقول لي بنجلادش ''كلو كيدا في شجر''. حتى رأيت بجنبي في بيت قريب وقد قطع صاحبنا ثلاث أشجار دفعة واحدة من شجر غليظ سمق واستوى وخرج إلى الفضاء، فقلت إنها جريمة مسكوت عليها! في صحراء لا ضرع فيها ولا شجر !! أما عند المسجد الذي أصلي فيه الجمعة فقد أصبت بنوبة حزن شديد حين رأيت صاحبي عاشق الصحراء والغبر وقد عمد إلى شجرتين رائعتين فقطعهما؛ مثل جريمتي قتل، وترك المكان أمام بيته يلعب به الغبار ويطير منه الرمل على المصلين؟ فقلت في نفسي أليس من بواك لهذا الشجر المنحور. وقريب من المسجد رأيت شجرة مذبوحة من الوريد إلى الوريد ولم يبق منها إلا آثار جثة مقتولة ومن الجذع، فقلت أي أمة هذه؟ في بيئة صحراوية ورمال عالج ؟؟؟ فلا تعالج. وقصة شجر البروسوبس في القصيم مأساة لوحدها، فقد بدأت درجة الحرارة تنزل هناك ثماني درجات من أثر الشجر، ونزول المطر.. لقد استحالت بلد مثل بريدة إلى غابة فعلية لا يكاد يصدق الإنسان أنها موجودة في صحراء السعودية، وكلها من عمل فيلسوف عملي هو إبراهيم البليهي مدير عام بلديات القصيم الأسبق .. ولما مررت عليها أخيرا رأيت مجازر كاملة للشجر، وقضاء مقصود على شجر البروسوبس الذي هو مظلة فعلية في الحر والهجير. قال لي البليهي إنها ثروة وطنية تعبنا عليها عشرات السنوات، ونحن نعالج الجهل بكثرة النسل حين يشتد الوباء. كنت في زيارة لصديقي الدكتور حسن نصري وقد ابتنى لنفسه بيتا في الغابة البلجيكية بحذاء الحدود الألمانية عند مدينة آخن، قال لي وهو يوجه إصبعه إلى شجرة في الغابة: انظر لا نستطيع أن نلمس فيها غصنا بل هناك طبيب الغابات المخصص لبتر الأعضاء الضارة أو الزائدة للتقليم مثل الحلاقة فهذا من اختصاصهم. وحين عملت حادثا في ألمانيا آذيت شجرة فطلبوا ديتها وساقوا لي أرومتها ومن أين أصولها الكريمة وأنا لا أصدق ودفعت 200 مارك. هذا في ألمانيا حيث لا يوجد تربة بل خضرة، وعندنا لا يوجد خضرة بل صحراء. يبدو أن من عنده يزاد. ومن ليس عنده يؤخذ منه.. فهم الحكمة من فهمها، وجهلها من جهلها.. ''قال يا ليت قومي يعلمون''.